المرأة بين مطرقة الإباحية و سندان الرجعية4
المرأة بين مطرقة الإباحية و سندان الرجعية-4-
هيفاء علوان *
أولاً:هل للمرأة دور في تربية أفراد المجتمع؟
للجواب على هذا السؤال : لابد أن نحدد أولا ًمَن هو الفرد المسلم المطلوب هل هو الرجل فقط أم المرأة أيضاً ؟ وهل يكفي لإقامة شرع الله في الأرض إعداد الرجال المسلمين أم لابد من إعداد النساء المسلمات أيضاً؟ إننا لا نحتاج إلى بحث أو استدلال لنؤكد حقيقة قاطعة لا لبس فيها ولا مراء ألا وهي أن الإسلام وجهٌ للرجال والنساء على حد سواء ,وأن المطلوب دائماً وأبداً الإعداد للرجال المسلمين والنساء المسلمات ليقوم المجتمع المسلم الذي يطبق شر ع الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ,وإننا لنرى في كتاب الله المحكم أن الله سبحانه قد قَرَن في كثير من الصفات التي يجب أن يتصف بها الرجل المسلم قرن الله النساء مع الرجال قال جل من قائل :
(إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً)الأحزاب :35 .
فالفرد المسلم المراد تكوينه وتنشئته التنشئة الحسنة ليس الرجل فحسب وإنما الرجل والمرأة لأنه ليمكن للرجل وحده ولا يستطيع أن يوجه النساء والرجال فلا بد من تضافر جهود المرأة والرجل ليقوموا بهذه المهمة ,لكن لو قيل إن المرأة يمكن لها أن توجه المرأة والرجل لكان ذلك ممكناً,أما أن ينفرد الرجل بهذه المهمة فلا يقول به عاقل, لأن المرأة مربية لجيل المستقبل الواعد وإن شاء الله سيقود البشرية إلى الهداية وإلى جادة الحق ,وتستطيع أن توجه عامة النساء ,في المحصلة لنا أن نقول وفي جميع الأحوال إن أحداً لا يستطيع أن ينكر دور المرأة المسلمة في تربية وإعداد أولادها من بنين وبنات ليكونوا مسلمين ومسلمات .
وهنا لابد من سؤال ,كيف تستطيع المرأة أن تقوم بهذا الدور إذا كانت هي نفسها تفتقد الكثير من المعلومات عن دينها وقد تجهل كثيراً من الأخلاق الإسلامية,وتجهل جلَّ الأحكام الشرعية ؟إن خروج المرأة من بيتها من أجل تلقي العلم الشرعي الواجب هو الذي يساعدها على القيام بهذا الواجب ,بل هو الذي يمكنها من أداء رسالتها في البيت وهو الواجب الأول ولا عبرة لقلة من الرجال الذين يهتمون بزوجاتهم ويفرغون أنفسهم ليوجهوهن ويعلموهن أمور دينهن لأن أكثر هؤلاء إن وجدوا القدرة على ذلك فقد لا يجدون الوقت اللازم كما هو مشاهَد ومعلوم وقد لا يجدي توجيههم لأنه كما قيل (مغنية الحي لا تطرب) فقد يكون التوجيه من خارج البيت أجدى وأنفع ,ثم أليس للمرأة المسلمة دور في تربية وإعداد النساء المسلمات ؟ إذا كان الزوج غير قادر على إعداد زوجته لتكون مسلمة حقاً ألا يكون من الواجب لتهيئة مجتمع نسائي إسلامي يقوم على إعداد هذه الزوجة ومَن أقدر على القيام بهذا الواجب من المرأة؟بل أليس من الأفضل شرعاً أن تقوم المرأة المسلمة من إعداد النساء المسلمات وتعليمهن ما يجب عليهن معرفتهن من الحلال والحرام وتربيتهن على التزام أخلاق الإسلام التي زهد كثيرون فيها وجعلوا جل اهتمامهم في الشكل فاللحية وغيرها عند الشاب المسلم والخمار والجلباب عند المرأة المسلمة وترى عند هؤلاء البون الشاسع بين ما يقولون وما يفعلون فتحقق فيهم قوله تعالى (لم تقولون مالا تفعلون) . وإذا تذكرنا أن أكثر الرجال اليوم عاجزون عن تربية زوجاتهم أدركنا بيقين الواجب الكبير في إقامة مجتمع نسائي إسلامي يقوم بهذا الدور أو يساعد فيه على الأقل ,وأدركنا أيضا أن مثل هذا المجتمع النسائي لا يقوم إلا بنساء مسلمات , وإن هؤلاء النسوة لا يستطعن أداء هذا الواجب إلا بالخروج من البيت .
ثانياً:هل للمرأة دور في بناء البيت المسلم؟
ومن الضروري أن نتساءل هل يقوم البيت المسلم بدون المرأة المسلمة ؟أليست هي راعية البيت كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم (والمرأة راعية على بيت زوجها وولده). . متفق عليه
إن بناء البيت المسلم يقتضي من المرأة المسلمة أن تجعل أكثر وقتها وهمها داخل البيت لترعى شؤون زوجها وأولادها, ولكن إسلامية البيت ليست مجرد الخدمة والنظافة والترتيب وطاعة الزوج والعناية بالأولاد . . إن إسلامية البيت هي مجموعة من المعاني والمبادئ تتجلى في علاقة المرأة مع زوجها وأولادها , وفي علاقة الجميع مع الله تبارك وتعالى , وإذا لم تكن المرأة متعلقة بهذه المعاني متمسكة بهذه المبادئ, فمن أين لها أن تنشرها في أجواء البيت ففاقد الشيء لا يعطيه.
ثم إننا نتساءل أيضا من أين نأتي بالمرأة المسلمة التي تخاف الله وتطيع زوجها وترعى أبناءها وتربيهم على مبادئ الإسلام وأخلاقه ؟ إن مدارسنا وجامعاتنا وأعلامنا ومجتمعاتنا وحكوماتنا تسعى لتخريج زوجة تحسن المكياج وتتفنن في أنواع الزينة والمظاهر ،وتحرص على جلسات الثرثرة الفارغة ، وتطالب زوجها في ما تظنه من حقوقها من دون أن تؤدي واجباتها..
إنه إذا لم يوجد في مجتمعاتنا حركة نسائية إسلامية تربي بناتنا على مبادئ الإسلام وأخلاقه ،وتطلق في قلوبهن عواطف الخير ،وتجعلهن يحببن الله ورسله ويحرصن على القيم العليا أكثر من حرصهن على المظاهر الفارغة ،إنه إذا لم توجد حركة نسائية إسلامية تصارع الباطل المتفشي بين النساء وتبعث فيهن روح الإسلام من جديد فمن الصعب بعدها أن نجد الزوجة المسلمة التي تساهم في بناء البيت المسلم.وهل تقوم حركة نسائية إسلامية في مجتمعاتنا المنحرفة إذا كانت القلة من نساءنا المسلمات لا تخرج من البيوت ولا تنشر الخير بين سائر النساء؟ إذا كانت مؤسسات المجتمع الجاهلي لا تربي لنا زوجات مسلمات فغن مجتمعات الدولة الإسلامية يجب أن تحل محلها في أداء هذه المهمة ،وإلا فإننا لن نفقد فقط المجتمع المسلم بال سنفقد معه أيضا البيت المسلم والفرد المسلم نفسه .
لا يمكن للمرأة المسلمة أن تقوم بدورها في بناء البيت المسلم إذا لم تتلق هي الإسلام ،وإذا لم تساهم مع أخواتها في إطلاق تيار نسائي إسلامي عريض يكون محضنا طبيعيا لتربية الفتيات على الإسلام ،ولتخريج زوجات صالحات ،وعلى كل امرأة مسلمة دور في إقامة هذا التيار وتغذيته وتنشيطه .ليس معنى ذلك أن تترك المرأة واجبها المنزلي .بل عليها أن توفق بين الواجبين وليس ذلك صعبا إذا ساعدها زوجها .كما أن هناك نساء تساعدهن ظروفهن على العمل الاجتماعي .فالمرأة العزباء والمرأة التي تأخرت في الإنجاب ،والأم التي كبر أبناؤها وغيرهن.... هؤلاء قادرات على إعطاء العمل الإسلامي النسائي من وقت وجهد أكثر من غيرهن ،وهن قادرات بالتالي على إيجاد التيار الإسلامي النسائي المطلوب والذي تستفيد منه بنات المسلمين ويساهم في بناء المجتمع الإسلامي.
ثالثاً : وهل للمرأة المسلمة دور في بناء المجتمع الإسلامي؟
إن المجتمع ليس مجرد مجموعة من أفراد ،إنه فوق ذلك مجموعة من العلاقات والمؤسسات .وقد تضاعف دور المؤسسات في المجتمعات المعاصرة حتى كاد يطغى على دور الأفراد ،وأصبحت المؤسسات اليوم تتحكم في حياة الناس وتلبي حاجاتهم وتقوم بالخدمات اللازمة .بعض هذه المؤسسات يمكن أن تقوم بدون المرأة .مثلا:المؤسسات التعليمية النسائية هل يمكن أن تستغني عن المرأة وأيضا المؤسسات الصحية هل يمكن أن تستغني عن المرأة ؟.
إن المؤسسات الاجتماعية التي ترعى شؤون العجزة والأيتام والمعاقين وغيرهم هل يمكن أن تقوم بدون
المرأة ؟لماذا تقوم أمثال هذه المؤسسات الاجتماعية على أيدي غير المسلمين رجالاً ونساء من المبشرين الداعين إلى النصرانية , والذين يعملون جاهدين لإخراج المسلمين من ربقة هذا الدين العظيم والذي ماجاء إلا رحمة للعالمين ,يقومون بمثل هذه المهام غيرة وشفقة وحمية على هؤلاء المسلمين المعذبين ! !, بل لماذا تكون هذه الرعاية على أيدي المسلمات المنحرفات أو غير الملتزمات على الأقل ؟ لماذا لا تتصدى النساء المسلمات الملتزمات لإقامة مثل هذه المؤسسات الاجتماعية؟أو للعمل من خلال المؤسسات القائمة فيقمن بدورهنّ في مواجهة استغلال هذه الأعمال الإنسانية لأهداف منحرفة , ويساهمن في بناء المجتمع الإسلامي المنشود من خلال هذه المؤسسات
رابعاً : هل للمرأة المسلمة دور في العمل السياسي الإسلامي ؟
الأصل إن المرأة راعية في بيت زوجها , والأصل أنها تقوم بالأعمال الاجتماعية التي تتناسب مع طبيعتها إذا كانت ظروفها العائلية تسمح لها بذلك .أما العمل السياسي فهو بطبيعة الحال لا ينسجم مع طبيعة المرأة ومما يؤكد ذلك أن كل الدول الأجنبية فتحت أمام المرأة مجال العمل السياسي على مصراعيه فكم من النساء اقتحمت هذا المجال؟إنهن بلا شك قلة وقلة نادرة, وهذا يؤكد أن العمل السياسي أصله لا ينسجم مع طبيعة المرأة وفطرتها,غير أن هذا الأصل لا يمنع الاستثناء عند الضرورة . فكما أن القتال أصلاً من مهمات الرجال, ولا يمكن أن ينسجم مع طبيعة المرأة لكن الإسلام أباح لها الخروج للجهاد في سبيل الله ومباشرة القتال عندما يتعرض الإسلام للخطر كما هو معروف . وبناء على ذلك نقول إن المرأة المسلمة يمكن أن تشارك في العمل السياسي استثناء وفي الظروف المصيرية الشائكة مع مراعاة الآداب الشرعية ,إذا كان لهذه المشاركة حكم الضرورة, ومن المعروف عند الفقهاء أن حفظ الدين من الضروريات وبالتالي فإن المشاركة في عمل سياسي إسلامي يهدف إلى حفظ الدين وتطبيق الشريعة تكون مباحة وربما مطلوبة في المنعطفات الكبيرة .إن إباحة الأكثر أو وجوبه –وهو الجهاد- تتضمن إباحة الأقل أو وجوبه –وهو العمل السياسي-لكن كل ذلك استثناء من الأصل ويجب أن يظل محكوماً بالآداب الشرعية. ونظراً لأهمية وحساسية عمل المرأة وخروجها من البيت وما ذكرناه من حكم الشرع في ذلك سنستخلص ونجمل ما ذكرناه من ضوابط شرعية عن المرأة وخروجها من البيت وعملها للأهمية :
1- إن عمل المرأة في البيت هو واجبها الأول, وإن مشاركتها في العمل الإسلامي خارج بيتها واجب أيضاً وعليها أن تُوفق بين الواجبين ما أمكن ....
2- من واجب الزوج أن يتيح لزوجته فرصة المساهمة بالعمل النسائي لنشر الدعوة في صفوف النساء اللاتي يقع على أعبائهن تربية رجال المتقبل ورائدو نهضة الأمة الإسلامية وإن عمله هذا وإتاحة الفرصة لها للعمل الدعوي ليس له منَّة في ذلك وليس هذا صدقة يتصدق بها على دعوة الإسلام ولا على زوجته بل هذا واجب شرعي عليه ,قياسا على أمر رسول الله عليه وسلم للرجال أن لا يمنعوا نساءهم من الخروج إلى المساجد إذا أردن ذلك ,لأن خروج المرأة هنا لواجب شرعي وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولأن اشتراك المرأة مع أخواتها في الله في العمل الإسلامي النسائي يرجع بالخير عليها وعلى بيتها وعلى زوجها فهي إما أن تتعلم الإسلام أوتعلمه , وتربي غيرها أو تتربى على طاعة الله وطلب مرضاته .
3-إذا رفض الزوج أن يسمح لزوجته بالخروج من البيت للمشاركة في العمل الدعوي فعلى الزوجة أن تطيعه مهما كانت الضرورة التي تراها لأن طاعة الزوج مقَدَّمة على كل واجب آخر عندما يحصل تعارض, ثم إذا كان الزوج معذورا في منعها فليس عليه شيء , وإذا كان متعسفاً يمنعها بدون سبب, أو سبب غير كاف عليه الإثم في ذلك . وفي جميع الأحوال لا يجوز لها أن تخالفه.
4-إن اشتراك المرأة في عمل تنظيمي إسلامي يلزمها بواجبات محددة هو أمر مشروع, وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة من النساء وهي أعلى درجات الالتزام ,وإذا وجدت مجموعة من النساء المسلمات يعملن في الدعوة إلى الله سبحانه فهذا أمر مشروع كما أسلفنا ولكن المرأة المسلمة ليس لها أن تلتزم بعمل خرج بيتها حتى لو كان عملا إسلاميا ًإلا إذا أذن زوجها لأن حقه مقدم ,فإن لم يأذن تعسفاً فهو آثم ولكنعليها أن تطيعه, وإن سمح لها بالعمل دون التزام أصبحت مشاركتها واجبة في الحدود التي سمح لها زوجها بها .
هذه الضوابط الشرعية التي ذكرناها حتى لا يحصل أي خلاف بين الزوجين فإذا كان حمل مهمة الدعوة هدف الزوجين كليهما أمكن التفاهم بينهما ,وأصبح التوفيق بين الواجبات المتزاحمة سهلا ًميسوراً,وفي كل الأحوال يجب أن يرفق الزوج بزوجته ويعاملها بتلطف حتى يسود الود والوئام ويرفل جميع أفراد الأسرة بالود والوئام فيكون رضى الله ويكون التفاهم هو السيد في مملكة البيت ومن ثمَّ يكون التوفيق والسداد وكانت شبهات توارثها أهل النفاق,أو قد تكون من موروثات بعض المتشددين ,فهؤلاء مشكلتهم ومشكلة كثير من المسلمين ,أنهم في كثير من القضايا الفكرية, منهم مَن يميل إلى الإفراط, ومنهم مَن يميل إلى التفريط وقلما يهتدون إلى التوسط,الذي يمثل إحدى الخصائص العامة لأمة الإسلام ,وهذا أوضح ما يكون في قضيتنا هذه, وقضايا المسلمة المعاصرة بصفة عامة . فقد ظلم المرأة صنفان من الناس متقابلان بل متناقضان:
1-المستغربين الذين يريدون أن يفرضوا عليها التقاليد الغربية بما فيها من فساد وتحلل من القيم وأعظمها الدين وانحراف عن سواء الفطرة , وبعد عن الصراط المستقيم الذي بعث الله الرسل وأنزل الكتب لبيانه ودعوة الناس إليه ,وهم يريدون أن تتبع المرأة المسلمة سنن المرأة الغربية(شبراً بشبر وذراعاً بذراع)كما صوَّر الحديث الشريف(حتى لو دخلت جحر ضب لدخلته وراءها على ما في جحر الضب من الالتواء والضيق وسوء الرائحة , ومع هذا لو دخلته الغربية لدخلته المسلمة بعدها,أو بعبارة لظهرت موضة جديدة يروج لها المروجون (موضة جحر الضب) وهذا المقال للشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله .ويتابع الشيخ : هؤلاء يغفلون ما تشكو منه المرأة الغربية اليوم وما جر عليها من ويلات .
2- والصنف الثاني هم الذين يفرضون على المرأة تقاليد أخرى ,لكنها تقاليد الشرق لا الغرب وإن صُبِغَت في كثير من الأحيان ي\بصبغة الدين ونسبها مَن نسبها إلى ساحته, بناء فَهم فهمه أو رأي قلده لأنه يوافق رأيه في المرأة , وسوء ظنه بها بدينها وبعقلها وسلوكها لكنه على أية حال لا يخرج عن كونه رأياً للبشر غير معصوم,متأثر بزمانه ومكانه وشيوخه ومدرسته تعارضه آراء أخرى تستمد حجيتها من صريح القرآن العظيم ومن هدي النبي الكريم ومن مواقف الصحابة وخير القرون.ومن الشبهات التي تمسك بها هؤلاء هو هذا الحديث الشريف :عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) رواه البخاري . فقد فهموا من فتنة النساء أنهن شر بلية يُبتلى بها الرجال , مع أن الأموال والأولاد وهما زينة الحياة الدنيا حذر الله الآباء من فتنتهم ,قال تعالى ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) سورة الأنبياء .والمراد بالفتنة هنا تحذير الله لنا من الانغماس في نعمة المال والغنى , ومن أن نبالغ ونجعل جل وقتنا في تربية الأبناء , ولا فندع من وقتنا إلا القليل لخالقنا وواهب النعماء لنا , وفاتَهم أن الإنسان قد يُفتَن بالخير وقد يفتن بالشر ، قال تعالى ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة) . وقد يفتن المرء بالخيرات والمسرات أكثر مما يفتن بالنوائب والمضرات , فقد تكون المرأة مبعث إثارة وإشعال نيران الشهوات التي إن تفاقمت جعلت الإنسان يتردى من الإنسانية إلى الحيوانية , بعد أن كرمه خالقه سبحانه وتعالى وسخر له ما في البر و البحر فإن أصبحت المرأة وسيلة لإشعال الغرائز وتبلد الإحساس , استهان الناس بالأخلاق وكثرت الفاحشة وتحلل المجتمع المسلم .
كأن الغرب يحسد المرأة على ما هي عليه من مكانة ومن تقدير ولا بد أنه يرى البون الشاسع بين ما هي عليه المرأة المسلمة وما آلت إليه المرأة في الغرب من استهانة وتحقير فقد أصبحت سلعة تباع وصورها العارية التي تشم منها ريح الفتنة وسعار الجنس , تراها مهانة مبتذلة في الدعايات لكل سلعة ولكل بضاعة مهما كانت تافهة , تنشر صورها في الإعلانات مادامت رشيقة وجميلة حتى إذا ما ذوى عودها وماتت نضارتها , وضحك المشيب لها, ورُدَّت إلى أرذل العمر, رُميت في سلة المهملات ناسين الربح اللامحدود الذي جنوه من مفاتنها واستعراضاتها , وتركوها تنتظر القدر المحتوم , وكم من هؤلاء لا ينتظر القدر المحتوم والميتة الطبيعية بل يسارعن بالانتحار علهن يتخلصن من الشقاء والإهمال فلا من معيل من زوج أو ولد لأن الحياة الأسرية في الغرب معدومة والأسرة أصابها التفكك , فما أن يبلغ الولد والبنت الثامنة عشرة إلا وتوجب عليه الخروج من بيت أهله ويعيش منفرداً في بيت خاص حيث لا رقيب ولا ناصح , تعضه الوحشة بنابها , وتلبسه الهلوسة , ويشعر بالضياع , فيلجأ إلى ما يسري عنه وينسيه الوحدة ,يلجأ إلى المخدرات وإلى العربدة ومن ثَم إلى الجريمة.
المرأة في الإسلام تعيش في بيتها معززة مكرمة تنال ما تريد ومتى تريد , لا يتوجب عليها أن تعمل فترهق نفسها في البيت الذي هو مملكتها العاجية , وتزهق روحها خارج البيت من شدة الضنى والتعب , وإن تعمل فبمحض إرادتها وبقرار منها. لي قريب تزوج من امرأة أجنبية غربية , قامت الدنيا ولم تقعد , جنَّ جنون أهلها وهددوها تخلصت من بطشهم بقدرة قادر, بعد فترة ليست بالطويلة بعد عام وبعد ما سمعوا عن زوجها وكيف معاملته لها أصبح الأثير لديهم وكانوا يحسدونها على ما هي عليه من عز وتبجيل .أما المرأة في الغرب فلا بد لها أن تعمل منذ ساعات الصباح الأولى إلى ما قبل الغروب, ترجع منهكة متعبة لا طاقة لها في تدبير أمور أولادها إن كانت تعيش حياة مستقرة أو كان لها أولاد , وإن لم تعمل فسوف تعضها الفاقة ويجهز عليها الجوع , ويحل بها اليأس والحرمان . أما الرجل في الإسلام فتجب عليه النفقة في البيت ليس بمنة فقد قسّم الله تعالى الأدوار المرأة تنجب وتربي وتدير أعمال البيت وشؤونه وتعاني ما تعاني والرجل يكد ويكدح ليجعل أسرته تعيش الحياة الكريمة . المرأة في الإسلام نظيفة عفيفة حيية محتشمة , لا تظهر زينتها إلا لمن سمح الله تعالى لها قٌال عز من قائل:
( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء).
المرأة في الغرب متهتكة مسترجلة مصدر فتنة وبلاء الرجال لذا عم ّالغرب الزنا والسفاح وانتشرت في المجتمعات البعيدة عن الإسلام الأمراض. المستعصية كمرض الزهري ومرض الإيدز الذي ينتشر بصورة سريعة وعجيبة وقد ينتشر في بعض البلاد الإسلامية التي يعم فيها الجهل والتخلف.
المرأة في الشرق تجد لها قسطاً من الراحة بعد عمل يوم ِشاق,ولها صلة وثيقة تجمعها مع أولادها, تجمعهم المودة و الألفة والحنان. أما المرأة في الغرب إن كانت تجمعها أسرة فهي تعمل خارج البيت من الصباح حتى المساء فأي رابط يربطها مع أبنائها ؟ فلا عطف ولا حنان ينبع من نهر قلبها على أولادها بل على العكس هي تحتاج وقد تعبت كل النهار إلى من يرعاها ويخفف عنها تعبها , لذا وبعد هذا العرض الموجز نعرف لماذا يريد الناعقون من أهل الغرب , ومن أبنائنا الذين رضعوا من لبان الغرب وثقافتهم , لماذا يريدون من أمهاتنا وبناتنا أن يقلدوا الغربيات لا حُباً بهن ولا حفاظاً عليهن وإنما ليصبحوا مثل الغربيات في حمأة الجنس والرذيلة وليصبح بالتالي مجتمعنا الإسلامي مجتمعاً لادينيا, ولينس المسلمون شرع الإسلام وبالتالي يُمحَ الإسلام ويتفكك مجتمعنا المسلم . إن هؤلاء يغفلون أو يتغافلون ما تشكو منه المرأة الغربية في زماننا وهم يصمون آذانهم عن صيحات الاستنكار التي تصدر من الغرب ومن أعلامهم و مفكريهم ويتعامون عن مخاوف المفكرين والمصلحين على الحضارة الغربية, وسبب ذلك إلغاء القيود في الاختلاط بين الجنسين, كما ينسى هؤلاء أن لكل أمة شخصيتها التي تكونها وعقائدها وتصورها للكون والحياة والوجود ورب الوجود, ولكل أمة قيمها وعاداتها وتقاليدها و موروثاتها وثوابتها ولا يجوز بأي شكل أن يصبح مجتمع صورة مكررة لمجتمع آخر.
لو نظرنا في هدي الإسلام لرأينا أن المرأة المسلمة لم تكن مكبوتة ولا مسجونة ولا معزولة فقد كانت تشهد الجمعة والجماعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحض على اتخاذهن الصفوف الأخيرة خلف الرجال .
وكن يحضرن الجمعة حتى إن إحداهن حفظت سورة (ق) من فيّ رسول الله من طول ما سمعتها من فوق منبر الجمعة. وكان النساء يحضرن صلاة العيدين. ويشاركن في هذا المهرجان الإسلامي الحاشد الذي يضم الصغار والكبار و الرجال والنساء مهللين مكبرين روى مسلم عن أم عطية قالت:أمرنا رسول الله أن نخرجهن ّفي الفطر والأضحى العواتق والحُيَض وربات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين,قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال لتلبسها أختها من جلبابها,هذا ما لم نجده في زماننا الحالي ولا في العهد القريب ولكن بدأنا نلمس بوادر عودة النساء إلى صلاة الجمعة والجماعة والعيدين ليشهدوا الخير .
وكان النساء يحضرن دروس العلم ويسألن عن أمر دينهن,مما قد يُستحى منه .وقد أثنت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار أنهن لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين, وقد طلبن من النبي أن يجعل لهن يوماً خاصاً بهن يتعلمن به أمور الدين وقلن صراحة: ( يا رسول الله قد غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما ًمن نفسك) .
وقد شاركن أيضاً في الحروب وكن يشجعن الرجال ويسعفن الجرحى ويقدمون لهم الماء والطعام .عن أم عطية قالت( غزوت مع رسول الله سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى )رواه مسلم وروى مسلم :عن أنس رضي الله عنه (أن عائشة وأم سليم كانتا في أحد مشمرتين تنقلان القرب على متونهما - ظهورهما ثم تفرغانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ) .
روى أحمد (أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر خيبر يتناولن السهام ويسقين السويق ويداوين الجرحى .ويغزلن الشعر ويعنَّ في سبيل الله وقد أعطاهنَّ النبي نصيباً من الغنيمة .
روى مسلم عن أنس رضي الله عنه ابنها: إن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجراً كان معها فرآها أبو طلحة زوجها فقال :يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر !فقال لها رسول الله ما هذا الخنجر؟قالت: اتخذته إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه فجعل رسول الله يضحك.رواه مسلم .
لايحلو له القريض ولا تكتمل الصورة إلا إذا وشينا صفحاتنا بشيء عن ذات النطاقين ,أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لقد اجتمع لأسماء رضي الله عنها من خصائل الخير وشمائل النبل , ورجاحة العقل ما لم يجتمع إلا للقليل النادر من الرجال.فقد كانت من الجود بحيث يضرب بجودها المثل . حدث ابنها عبد الله قال:ما رأيت امرأتين أجود قط من خالتي عائشة وأمي أسماء لكن جودهما مختلف .أما خالتي فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها ما يكفي قسمته بين ذوي الحاجات . وأما أمي فكانت لا تمسك شيئاً إلى الغد.
وكانت أسماء إلى ذلك عاقلة حسنة التصرف في المواقف الحرجة من ذلك أنه لما خرج أبوها الصديق مهاجرا بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل معه ماله كله , ومقدار ستة آلاف درهم ولم يترك لعياله شيئاً . فلما علم والده أبو قحافة برحيله, وكان ما يزال مشركاً جاء إلى بيته وقال لأسماء:والله إني لأراكم قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه .قالت له:كلا يا أبتاه إنه قد ترك لنا مالاً كثيراً, ثم أخذت حصى ووضعتها في الكوة التي كانوا يضعون فيها المال , وألقت عليها ثوباً ثم أخذت بيد جدها –وكان مكفوف البصر – وقالت : لا بأس . إذا كان ترك لكم هذا كله فقد أحسن .
وقد أرادت بذلك أن تسكن نفس الشيخ , وألا تجعله يبذل لها شيئاً من ماله, ذلك لأنها تكره أن تجعل لمشرك عليها يداً حتى لو كان جدها .وإذا نسي التاريخ لأسماء بنت أبى بكر مواقفها كلها فإنه لن ينسى لها رجاحة عقلها وشدة عزمها وقوة إيمانها وهي تلقى ولدها عبد الله اللقاء الأخير . وذلك أن ابنها عبد الله بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية ودانت له الحجاز و مصر والعراق و خراسان وأكثر بلاد الشام ,لكن بني أمية ما لبثوا أن سيروا جيشاً لجباً بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي .فدارت بين الفريقين معارك طاحنة أظهر فيها ابن الزبير من ضروب البطولة ما يليق بفارس كمي مثله غير أن أنصاره جعلوا ينفضُّون عنه شيئاً فشيئاً فلجأ إلى بيت الله الحرام, واحتمى هو ومن معه في حمى الكعبة المشرفة.
وقبيل مصرعه بساعات دخل على أمه أسماء وكانت عجوزاً فانية , قد كف بصرها, فقال: السلام عليكِ يا أماه ورحمة الله وبركاته.فقالت وعليك السلام يا عبد الله, ما الذي أقدمك في هذه الساعة , والصخور التي تقذفها منجنيقات الحجاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزاً. قال جئت لأستشيرك .قالت تستشيرني في ماذا؟
قال: لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبةً من الحجاج أو رغبة بما عنده حتى أهلي وأولادي انفضوا عني ولم يبقَ معي إلا نفر قليل من رجالي وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين , ورسل بني أمية يفاوضونني على أن يعطوني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح , وبايعت عبد الملك بن مروان فما ترين؟ فعلا صوتها وقالت الشأن شأنك ياعبد الله وأنت أعلم بنفسك . فإن كنت تعتقد أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر وجالد كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك.
وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت , أهلكت نفسك وأهلكت رجالك. قال ولكني مقتول اليوم لامحالة.
قالت ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختاراً فيلعب برأسك غلمان بني أمية. قال: لست أخشى القتل وإنما أخاف أن يمثلوا بي, قالت ليس بعد القتل ما يخافه المرء, فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ فاستبشر وقال بوركت من أم وبوركت مناقبك, فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت , والله يعلم أني ما وهنت ولا ضعفت وهو الشهيد علي,إنني ما قمت بما قمت به حباً بالدنيا وزينتها ,وإنما غضباً لله أن تستباح محارمه وهاأنذا أمض إلى ما تحبين , فإذا أنا قُتلت فلا تحزني علي وسلمي أمرك إلى الله .قالت إنما أحزن عليك لو قُتلت في باطل .ثم قالت :اقترب مني يا بني لأتشمم رائحتك وألمس جسدك فقد يكون هذا آخر العهد بك . فأكب عبد الله على يديها ورجليها يوسعهما لثماً .وأطلقت يديها تتلمس جسده , ثم ما لبثت أن ردتهما عنه وهي تقول:ما هذا الذي تلبسه يا عبد الله ؟
قال : درعي . .قالت : ما هذا يا بني لباس من يريد الشهادة ؟.قال إنما لبستها لأطيّب خاطرك . قالت انزعها عنك فذلك أشد لحميتك .البس بدلاً منها سراويل مضاعفة , حتى إذا صرعت لم تنكشف عورتك .
نزع عبد الله درعه وشد عليه سراويله له ومضى إلى الحرم لمواصلة القتال وهو يقول :لا تفتُري عن الدعاء لي يا أمه . فدعت قائلة:اللهم ارحم طول قيام وشدة نحيبه في سواد الليل والناس نيام . .اللهم إني قد سلمته لأمرك , ورضيت بما قضيت له فأثبني عليه ثواب الصابرين .لم تغرب شمس ذلك اليوم إلا كان عبد الله قد لحق بجوار ربه . ولم يمضِ على مصرعه غير بضعة عشر يوما ًإلا كانت أمه أسماء بنت أبي بكر قد لحقت به , وقد بلغت من العمر مئة عام , ولم يسقط لها سن ولا ضرس , ولم يغب من عقلها شيء. رحمك الله يا أختنا أسماء في الخالدين ورزقنا الله حكمتك وصبرك.
هذه هي المرأة وهذا هو دورها وثقلها في المجتمع الإسلامي .ولقد عقد البخاري في صحيحه باباً في غزو النساء .ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة للمشركة في الغزو عند المعارك الجانبية والقريبة ,بل طمحن إلى ركوب البحار والإسهام في فتح الأقطار البعيدة لإيصال رسالة الإسلام وفتح تلك البلاد, وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم حرام بنت ملحان خالة أنس يوماً, ثم استيقظ وهو يضحك ,فقالت ما يضحكك يا رسول الله ؟قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة .قالت فقلت: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم ,فدعا لها .فركبت أم حرام البحر في زمن الخليفة عثمان رضي الله عنه مع زوجها عبادة بن الصامت إلى قبرص فصُرِعت عن دابتها , فتوفيت ودُفِنَت هناك .
* أديبة وشاعرة سورية تعيش في المنفى