المطلقات الغزيات وأطفالهن

فداء عبد اللطيف دبلان

ما بين مطرقة الاحتلال وسندان الاختلاف

فداء عبد اللطيف دبلان /غزة *

[email protected]

   ان  من لا يرحم ،لا يرحم-حديث نبوي شريف-

صرخة أم مطلقة غزية

لقد كتب عن النكبه الفلسطينية، ومآسيها ما يكفي لملء مجلدات .،وسالت من الدموع ما يكفي لملء البحر الميت ، وعانينا –نحن الفلسطينيين من الاحزان  ما يكسف الشمس ويخسف بها، و قاسينا  من  ويلات عبثيات سوء ترشيد الصراع العربي الاسرائيلي عموما والصراع الفلسطيني/الفلسطيني خصوصا -الذي استفحل بوفاة المرحوم ياسرعرفات- حيث أفرزرحيل هذا الزعيم التاريخي،صراعا جديدا غير مسبوق على الساحه الفلسطينيه ،ألا وهو الصراع على السلطه،بحيث أخذ كل فريق متناحريتخندق  داخل مرجعياته وأجنداته وأهدافه ومراميه،الأمرالذي خلق ارباكا وأزمات وتعقيدات داخل المجتمع الفلسطيني-سوسيولوجيا- وخلق ظاهرة الاختلافات حتى داخل الأسر وأفرادها،وأصبحت القضية الفلسطينية تفرق بين المرء وزوجه ،وبين الأخ وأخيه، والأب وابنه ..،.وقدتم الصمت على هذه الظاهرة بنهج طريق الارجاء  من معظم المنظرين، وعدم  البث فيها بسبب عدم اعطائها الأولية  المناسبة لها، في اجندات المتخصصين في الدراسات الاجتماعية الفلسطينية، وحتى وان انجز بعضها، فهي تظل في طي التخصص الأكاديمي المتعالي،أو في الأرشيفات المغبرة

وان الاقتصارعلى الجانب السياسي في تناول قضايا الأسر الفلسطينية عموما والغزيةخصوصا، بالتركيز على المقاربات المتمثلة على الساحة في الصراعات الايديولوجية بين الأطراف المتنافسة ،جعل هؤلاء المتنازعين يديرون ظهورهم الى المشاكل والمعضلات الأكثر حساسية في المجتمع الفلسطيني الغزي خصوصا،والتي يمكن أن نسميها (سوسيولوجيا) بالقضيه الغائبة،وهي تلك المعضلات –المسكوت عنها- المتعلقه بقضايا المرأة المطلقة الغزية وما تعانيه  من غبن وحيف،ومشكلات الحضانه المهمشة المستعصية ،التي يتم تسييسها، أو استغلالها ضمن استثمارات تخضع لأخس أنواع "الانتقائيات السياسوية" بعيداعن قواعد الشريعة الاسلامية ومضامنيها ومقاصدها الانسانية السمحاء،وأهدافها النبيلة ،أوالقوانين التشريعية الوضعية العقلانية، الضامنة لحقوق المرأة والطفل

.ولست هنا بصدد معاداة أي فريق سياسي أو تصنيف أية طائفة مذهبية أو ايديولجية أو انتقادها أو تعديلها او تجريحها فكلها لها عيوبها ومزاياها ، فكلنا  خطاؤون  وخير الخطائين الثوابين وان الاختلاف رحمة  وليس  عثرة أو جفوة، واما شؤون الخلاف فذاك أمر يتكفل به كتاب المقالات اليوميه من الاعلاميين والمنظرين والمحللين السياسيين ،الصادقين منهم والكاذبين، مع سائر المهتمين بالشأن الفلسطيني من الداخل الفلسطيني أو من خارجه. بل سأكتفي في هذه العجالة الى التطرق الى ذالك الجانب الانساني (المنسي والمهمش والمؤجل ) الذي يسري على شرائح  كبيرة  مجتمعية فلسطينية وخاصة في قطاع  غزة،

وان عزمي على تناولي لهذه القضيه المهمشه لم يأت من فراغ (فقد عانيت   بنفسي الأمرين بسبب طلاق جائر÷وحرماني من رؤية فلذات كبدي الى كتابة هذه السطور) ،ولا أبتغي من وراء هذا العرض،اعطاء دروس للمتنازعين،أو ممارسه الوعظ والارشاد، وانما هي صرخه في وجه هؤلاء وأؤلئك المتصارعين على سلطه لا يملكونها أصلا، وعلى أرض مغتصبة ومذلولة ومسلوبه السيادة والشرف والكرامة والاباء منذ أزيد من نصف قرن، التى أدخلت المنطقه كلها في متاهات وخلافات على جميع الأصعدة،انعكس على الداخل الفلسطيني الذي أصبح بمثابة (سوق نخاسة)و"سوبرماركت" لكل الفتوحات والاجتهادات الايديولوجية لكل قراءات مقولات "التنوير والتثوير"- من الجانب الفلسطيني و من جانب النخب العربية مجتمعة  والتي حولها البعض الى وسيلة رخيضة في كسب خبزه اليومي- وبين مشاريع الابادة و"الأسرلة"،مع غياب أي بوادرحلول عملية على الأرض ما بين الطرفين الرئيسيين في النزاع،أو بوادر شجاعة من الاطراف العربية  المتبنية للصراع   اليهودي العربي منذ  النكبة المشؤمة وبعدها النكسة العربية المذمومة،  رغم كل  اللقاءات والمفاوضات والحوارات في الداخل والخارج، التي لاتزيد  قضيتنا الا  تعتيما  ولغزا، واستعصاء

ومن هذا المنظور، فان  المعضلات الاجتماعية الامتعلقة بشئون المطلقات  واطفالهن  –التي عرضت حيثياتها باختصار شديد  في  منشورات أخرى- لهي أعقد من ذنب الضب –كما قالت العرب-بالنسبة الى شريحة كبيرة من الأمهات المطلقات ومصير أبنائهن المظلم ،كما أنه الاختبارالأكبر، والامتحان  العسير لنوايا المتناحرين، بعيدا عن الاصطخابات السياسيه ،والضجيج الاعلامي والصراخ الكلامي

وسأتحدث عن معاناتي من هذه الجوانب  تاركة المناوشات والمهاترات لمن هم بعيدين عن ما تعانيه الأمهات الفلسطينيات الغزيات مآسي ابادات لأطفالهن المبكرة بالتطهيرالعرقي السافر من طرف الكيان الاسرائيلي العنصري من جهة،  وبين وأد ملفات أطفال المطلقات، والصمت عنها ،والرمي بأطفالهن الى غياهيب المجهول وهم في ريعان الورود ،وما لذلك من عواقب نفسية جسيمة على سيكولوجة المرأة الفلسطينية الغزية  وأسرهن اذ  يصطلي بهذه النأساة كل قريب وبعيد /معنويا وماديا ونفسيا، بسبب  ما تعانية  المطلقة الغزية

ولقد  قمت بعرض قضيتي الخصوصية هذه  بشئ من التفصيل  في ملف سابق بعد أن اسعصى حلها على السلطات ،بالرغم من كل المحاولات اليائسة التي لاتعود الى عدم توفر النصوص الشرعيه الجاهزة والناظمة لمشكلات الزواج والطلاق والحضانه –كما أسلفت-أو لغياب النصوص والقوانين المدنيه الوضعيه او الاجتهادات التشريعيه المحليه،بل على العكس من ذالك فكلها متوفرة ولسنا في في حاجة في  قطاع غزة الى استيراد دساتير،أو قوانين عمليه كفيله بترشيد مثل هذه المعضلات الاجتماعيه والانسانيه المستعصيه ، بل ان الأسباب تعود للعقليات المتحجرة  لبعض المسؤولين،وسوء النوايا المبيته البعيدة عن صلب الدين وحقيقته ومقاصد الشريعه الاسلاميه وصفائها ونبلها،بل والبعدعن أبسط المبادئ الانسانيه والقوانين الوضعيه البشريه

ولقد اضطررت لكتابه هذا المرفق التوضيحي-كاعلامية سابقة- تهييئا للنفوس الرحيمه ،والضمائر الصافيه،والعقول النيرة ،والأفئده العطوفة، لكي يتمعنوا بحكمة وتعقل وتبصر وتجرد في أمثال هذه الحالات الانسانية ،-بعيدا عن  الاهداف  السياسية-ومحاولة  مني بالمساهمة في تسليط الأضواء على جوانب مغمورة في قطاع غزة،لا علاقه لها بمشاريع محلية، أو وطنية، أوأقليمية، أو دوليه ، لعلها اكثر فظاع، ولا انسانيه من باقي المعضلات ،لأنها تمس شريحتين مسكوت عنهما الا وهما المرأه المطلقه في غزة ومعضلة حضانة الأطفال ومصيرهم المجهول

              

*إعلامية  فلسطينية من قطاع غزة