الأكثرية في الحركات الإسلامية..!

صالح خريسات

في القرآن الكريم، يتكرر وصف الأكثرية من الناس،بالغباء،والحماقة،والجهل،وفساد العقل. فأنت تقرأ:"وأكثرهم لا يعلمون " "وأكثرهم لايعقلون " "وأكثرهم يجهلون""وأكثرهم للحق كارهون ".. الخ.

وفي المقابل،يتكرر وصف الأقلية من الناس،بالتعقل،والهداية،وقوة الإيمان. فأنت تقرأ "وما آمن معه إلا قليل " "وقليل من عبادي الشكور " "ثم توليتم إلا قليلا ".. الخ.

وإذا كنا لا نعلم،مغزى الوصف القرآني السابق، وما إذا كان يتعارض مع النظرية الديمقراطية،التي تمنح حق الفوز بالسلطة،وممارسة الحكم،لمن يحظى بأصوات الأكثرية،فإن ذلك لا يمنع من القبول،باجتهادات بعض المفسرين، بأن المقصود بالخطاب القرآني،هو الكثرة المذمومة،من أهل الكفر والضلال،وليس مجموع الأمة وخيارها.

وهذا يعني،أن مسألة حق السلطة وممارسة الحكم،وارتباطها بالأكثرية،أو الأغلبية، لا يجب أن تقوم على المرتكزات الدينية، لأن هذه الأكثرية،بمقاييس الفكرة الدينية، وحسب ما يقرره البيان الإلهي "لا يملكون شيئا ولا يعلمون ".

ويعجب المرء من المواقف المتناقضة،لمنظري الحركات الإسلامية، ورموزها،وبخاصة ما يتعلق منها،بالأحزاب،والانتخابات،والمعارضة والدستور. فهم يقولون،أن الديمقراطية،ليست من الإسلام، وليس في الدولة الإسلامية،دستور، لان القرآن دستورها، كما أنه لا محل في التجربة الإسلامية،للأحزاب أو المعارضة، لأن حزب الله وحده، فيه الكفاية.

ويزداد المرء عجبا،من مفاخرة الحركة الإسلامية،بالأكثرية، وسعيها إلى تحقيقها بشتى وسائل التأثير النفسي، والديني،على الرغم من ادعاءاتهم،بأنها لا توافق التفكير السياسي الإسلامي، لأن القرآن الكريم،يقرر بصريح العبارة والنص:" وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ".

ولكن من الواضح،أن الحركات الإسلامية،تتجاوز كل هذه الحقائق الدينية،وتستغل ثقافة الجماهير المتواضعة،التي تسودها درجة عالية ومفزعة،من الأمية،وقلة المعرفة في السياسة والدين، وتوزع عليها ثقافة هي أهل لها، بما تملكه من وسائل التوعية،والتوجيه،وأساليب الوعظ والإرشاد.فتستعين بالدين لتطمئن به نفوس الناخبين،وترضى بمرشحي هذه الحركة،كممثلين لها في السلطة.

وتجد هذه الحركة مادتها،وسط الناس العاديين،من الفقراء والمساكين،وعند الأسر العجيبة،التي أرهقها الحرمان،وهدها العناء المتواصل،من كثرة العيال. وإن زوجة واحدة لا تكفي، فهؤلاء الناس البسطاء يبدأون حياتهم العملية،بالالتحاق كصبيان متدربين،أو كعمال غير مهرة،وخدم، ويعدهم اعلاميو هذه الحركة،بالمساواة مع أصحاب الملايين،وكبار المستثمرين، استنادا إلى قاعدة المساواة غير القابلة للتحقق، وفقا لما يجري على أرض الواقع. فنحن جماعة البشر نعيش على الأرض،بينما العدالة تكون في السماء.

أما بواسل هذه الحركة،وجنودها،فهم أولئك الذين صرفوا عمر الشباب،بعيدا عن الدين،ومؤثراته الأخلاقية، ويرغبون الآن في التكفير عن ذنوبهم،بعنف وقوة،بعد أن لفظتهم متع الحياة،فلا يجدون إلا التضحية والفداء،فتحتضنهم هذه الحركة،وتنميهم،وتجعل منهم أسودا مقاتلين،وترغبهم بأنه سيكون بينهم الزعماء،والقادة،استنادا إلى قاعدة المساواة، واللا فرق، وإما الشهادة،أو النصر.

فهذه الجماهير الشعبية المتوسطة الحال، التي تحقق بها الحركة أصوات الأكثرية،لا حول لها ولا طول،ولا يؤخذ لها رأي، وتعيش ثقافيا تحت وطأة أرضية موروثة،مقدسة مهيبة،لا تتيح أية فرص حقيقية،لإعادة تقويمها خارج ما هو سائد من أحكام،وقيم،ومسلمات،ومحرمات، وزواجر،ونواهي لا يسمح بمناقشتها على الإطلاق.

هذه الثقافة خطيرة جدا،فهي تنطلق من المساجد،ومن الجمعيات الخيرية،ولجان جمع الصدقات،ويتولى أمرها رجال،يتوهم فيهم البسطاء،القداسة والنجابة والعلم، بحكم ما يتمتعون به من مطالعة الإخبار القديمة،والروايات التاريخية العجيبة،التي تعجب القراء،وتثير فيهم الحماسة والحنين إلى الأمجاد الماضية.

وينعكس ذلك بالإساءة البالغة،إلى الجماهير التي لا تتاح لها فرص التعبير عن رأيها،في حين تتاح هذه الفرصة،لقادة الحركة أن يخططوا ويراجعوا برامجهم السياسة،وفقا لهذه القاعدة الشعبية الواسعة،التي تستخدم كورقة رابحة للضغط على النظام والدولة.

فالإدعاء إذن،بأن الحركات الإسلامية،تتمتع بالأكثرية،ادعاء باطل،لأن هذه الأكثرية،التي ترتكز عليها الحركات في مشاريعها الانتخابية،مسلوبة الإرادة والتفكير، ولا تكاد تدري من أمور الدنيا شيئا، ولا يجب أن يعول أو يقاس عليها، وإنما يجب مساعدتها في تطوير نفسها،وإصلاح ثقافتها،وتنويرها بالفكر المضاد،وأساليب التوعية الأخرى.