مواقع الزواج.. فخٌ أم حلٌ بديل
سحر المصري
طرابلس - لبنان
تتجوّل في الشبكة الرقميّة تقرأ هنا وتعلِّق هناك حتى إذا ما وقع نظرها على موقعٍ للزواج ساقها فضولها إلى التسجيل لتكتشف هذا العالم المتواري وراء شاشة لم تعد خرساء! وحين تدخل توسوس لها نفسها بأن تضع بياناتها لعلها تحظى بشرف لقاء زوجٍ طال انتظاره! وما أن تكمل بياناتها تصيبها قشعريرة انتباه وتتجمد الدماء في يديها.. ماذا أفعل؟! فتخرج مهرولةً دون أن تنظر خلفها.. وتغيب!
أخبرتني بما قامت به يومها وكانت خجلة من مجرد تفكيرها أن تسرد معلوماتها في موقع ليأتي شاب فتعجبه المواصفات ويبدأ عملية التواصل.. وكان لي مع الموضوع وقفات..
فلا شك أن الطريقة المثلى للتعارف بين الزوجين –ما لم تكن هناك ظروف خاصة- هي الطريقة التي اعتدنا عليها في مجتمعاتنا.. حيث ييتقدّم الشخص إلى الفتاة في بيتها للتعرف عليها وعلى العائلة وتكون دراسة لهذه الخطوبة وقد تنتهي بالزواج أو قد لا يُكتَب لهما الاستمرار.. فالتعارف بهذه الطريقة يحفظ الفتاة وكرامتها وحياءها خاصة أن أهلها مطّلِعون على الموضوع من أوله ومتابِعون له..
أما التعارف عن طريق مواقع للزواج في الشبكة الرقمية فهذا بحاجة إلى دراسة من عدة نواحي أهمها الشرعية والاجتماعية..
فمن الناحية الشرعية هذا الأمر لم ينكره علماؤنا إن أمِنَت المرأة على معلوماتها أنها لن تكون بين أيدٍ خسيسة؛ فعليها التأكّد أنّ القائمين على هذه المواقع هم أناس صالحون وأهلٌ للثقة والأمانة بل واعتبر البعض أن هذه المواقع تقدِّم خدمة للراغبين بالزواج الحلال..
أما من الناحية الاجتماعية فلا أظن أن الأمر مستساغ في مجتمعاتنا الشرقية.. حيث أن الكثيرين يعتبرون هذا الأمر لا يليق بالفتاة المسلمة مهما كان الموقع محترماً ومضموناً من حيث سريّة المعلومات فيه وتقوى وأمانة القائمين عليه.. وبعضهم يعتبر أن هذه الفتاة تعرض نفسها كسلعة رخيصة لأي مشتري!
وفي حقيقة الأمر أنه يُخشى بعد الزواج من تعيير أهل الزوج أو الزوج نفسه تلك الزوجة التي وضعت معلوماتها على الشبكة الرقمية رغبة في الزواج.. فالأمر فيه مجازفة كبيرة هذا ولم نأتِ على ذكر موقف أهل الفتاة من الأساس فهل سيرضون أن تضع ابنتهم بياناتها في شبكة عريضة بغية الحصول على زوج؟ لا أتوقع أن نسبة كبيرة سترضى بأي حال..
ومن ناحية أُخرى.. فقد يكون بعض الخادعين يلجأون إلى هذه المواقع ليوقِعوا الفتيات في حبائل الرذيلة بحجة التعرف والخطوبة فتكون لقاءات ماسنجرية أو في غرف التشات، ويكون رياء وتزيّن وادّعاء من الشاب حتى إذا ما تعلّقت الفتاة ساقَها إلى خلوةٍ محرّمة.. ولذلك فحريٌّ بالفتاة إن لجأت إلى هذه الوسيلة أن تكون واعية جداً بحيث أنها حين تتواصل مع إدارة هذه المواقع ويخبرونها بوجود شخص يرغب بالتعرف عليها أن تحرص على عدم الدخول في حوار مباشر معه ولا تُسلِّم تسليماً مطلقاً أنه ذو ثقة.. أو أن المعلومات المُدرَجة من قِبَله صحيحة تماماً.. ولتسأله الدخول إلى البيت من الباب فهذا أضمن لها وأحوَط لدينها..
أما إن طالب الشاب بالتعرف على الفتاة عبر المراسلة فلها أن تعطيه المعلومات الأساسية التي تفيده لأخذ القرار بالتقدّم إليها لا أن تدخل في محادثات طويلة أو صوتية وتتعدّى حدود الله جل وعلا فيها أو أن تظهر أمامه على الكاميرا أو تنشر صورتها أصلاً في تلك المواقع.. وكلما ماطل في الحديث وعدم أخذ أي إجراء رسمي نحو الخطبة كلما كان ذلك دليلا على إمكانية كونه مدلِّساً ومخادِعاً ما يوجِب قطع العلاقة به تماماً وبشكل فوري.. وعلى الفتاة ابتداءً أن لا تسمح لمشاعرها بأن تثور وتتعلق بهذا الشاب إلا أن يأتي إلى بيتها وتكون خطبة شرعية كما يحب الله ويرضى.. فهذه المواقع هي تعمل فقط كدليل أو فلنقل "الخاطِبة" ولكن حين يجد الشاب مواصفات الفتاة التي يريدها فعليه بعدها أن يسلك الطريق الشرعي المعروف ليكون البناء على أساس قويم..
وقد يتساءل المرء هل انعدمَت وسائل التواصل بين البشر ولم يعد هناك من سبيل لاختيار الشريك الشرعي إلا عبر الانترنت؟
في الحقيقة لا ينكِر أحد أن ثورة الاتصالات أبدعت صوراً جديدة من التواصل الاجتماعي وفرضت نفسها على حياة البشر.. والناس في ذلك بين مستهجنٍ ومستنكر وبين راضٍ ومؤيّد وستبقى الصورة على هذا الحال حتى يعتاد المجتمع على الأفكار الجديدة إن هي أعطت صورة مشرقة عن طبيعة هذه النوعية الجديدة من التواصل.. والحاصل حتى الآن أن الصورة المطبوعة في الأذهان عن الانترنت أنها باب للفتنة والتوغل في العلاقات المحرّمة وأنها تُسهِّل الوقوع في الحرام.. ولئن نجحت بعض العلاقات من خلالها فإن في أغلب الأحيان تكون نذير فشل ومخالفات..
ويحضرني سؤال لتلك الفتاة التي وجدت في هذه المواقع سلواها.. لِم الاستعجال بنيّة؟ ما زال في الوقت متّسع ولم يفُت القطار بعد لتهرعي إلى هذه المواقع.. ألِحّي على الله جل وعلا بالدعاء واسأليه تيسير الزوج الصالح لكِ فالزواج رزق منه سبحانه وأكثري من الاستغفار والذكر والصلاة على الحبيب ليطيب القلب وتسكن النفس.. واصبري وأبشِري بعطاء ربّاني يرضيك بإذنه.. وتذكري قول الله جل وعلا "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.. ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. إنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا"..
ومع الشاب وقفة.. هل بحثت جيداً أنت وأهلك وأقرباؤك وإخوانك؟ فلا أظن الدنيا من حولك قد خلت من الصالحات العفيفات حتى تلجأ إلى مواقع الزواج وقد يكون فيها من التدليس ما الله يعلمه..
الكثير من التقوى وبعضٌ من الحيطة والوعي والمنطق يحتاجه المرء شاباً كان أم فتاة للتمييز بين الحق والباطل وبين الخير والشر في هذه الأمور.. وتبقى كل السبل مشروعة والخيارات مفتوحة حتى نصل إلى الهدف دون إغفال قاعدة مهمة وهي أن الغاية لا تبرر الوسيلة.. وقد كان السلف الصالح يتركون أمراً تسع أعشاره حلال خوفاً من عِشره الذي فيه شبهة..
والمؤمن كيِّسٌ فطِن!