أيكون حكم العباس عم النبي القتل؟
أبمثل هذا تستباح الدماء؟؟
عبد الله المنصور الشافعي
بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ... أسرت الدولة الإسلامية نيفا ومئتين من جند النظام في مطار الطبقة وفي خلال بحثي عن سبيل للتواصل مع أحد شرعي الدولة في الطبقة رغبة في نصحه بترك قتل شباب المسلمين والإبقاء عليهم من الذين استاقهم النظام سوق العبيد لأداء خدمة العلم فوجئت بأحدهم -وليس من الدولة- وهو سوري قد ناهز الخمسين !! يقول لي بل هؤلاء أول من نذبح !!؟؟ لقد نزل علي قوله والله كالصاعقة فرغم شدة إمعاني وتخيلي لما آلت إليه حال الأمة في الشام من غلبة قسوة وتطرف غير أني ما كنت أتخيل أن يبلغ هذا حتى من شاب عارضيه ومن أهل الشام ممن يعلم حقيقة الحال !! ** ابن جارنا قتل والده قتله قناص بطلقة في رأسه له أخ واحد معاق معفي من الخدمة وله أم لا معيل لها غيره قبض النظام عليه غرة واستاقوه ولا يعلم أحد مكانه ربما هو في مطار الطبقة !؟ يقول لي هذا الشيخ الذي لا يقل قسوة عن قسوة شاب تونسي أو مصري في الدولة أو جزائري في النصرة هذا يستحق الذبح وقبل النصيرية لأن أرض الله واسعة ... ومن كثّر سواد قوم فهو منهم وقد قتل النبي بعض أسرى بدر !! وعوتب في ترك قتل البقية, وبعد مراجعة ادعى أنه ليس شيخا ولكن هذا لم يمنعه من أن يكون مستعدا للقتل ويدعو إلى القتل وكأن إهراق دم مسلم شربة ماء وليس أعظم الورطات التي لا مخرج منها, حتى روي عن بعض السلف أن القاتل العمد لا توبة له وفي الحديث "من أعان على قتل امرئ مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوبا على وجهه آيس من رحمة الله"وهو وإن كان ضعيف فإن معناه صحيح وله طرق تشد بعضها بعضا ثم نقل لي قوله تعالى (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك ماواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) النساء, ساق الآية عن أحد الشرعيين كما فهمت منه -أو ذكرها- ولكنه اعتبرها الفيصل في الأمر !! وكأن الحكم هنا يتعلق بها ؟؟ ثم أن الآية حجة عليهم لا لهم فكأنه يقول إن حكم من يقيم بين ظهراني الكافرين حده القتل !!!وهذا لم يقل به أحد قط من أئمة المسلمين قاطبة, والآية نزلت في قوم منافقين ظن المسلمون عند مقتلهم يوم بدر أنهم مسلمون, فضلا عن أن العتاب لم يكن فقط بسبب اتخاذ الأسرى بل بسبب رغبتهم في الفداء أيضا ثم كيف علم هؤلاء أن رسول الله (ص) لو أنه قتل أسرى بدر وفقا لنصيحة عمر أنه كان يترك من غير وحي بترك قتل المسلمين ممن يكتم ايمانه ؟ مما لا نشك فيه فمعاذ الله أن يخلد الله تعالى في النار مسلما فهذا خلاف الأصول والضرورات المعلومات وقد كان فيهم العباس عم النبي (ص) , فهؤلاء يقتلون عباسا لو كان في الطبقة ويقتلونه بالنية وقد قال حذيفة (رضي) "أول الفتن قتل عثمان وآخر الفتن خروج الدجال والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حُبِّ قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه, وإن لم يدركه آمن به في قبره" فعلم بذلك أثر النية في حب قتل الأبرياء الأجلاء فالحذر الحذر من هذا المذهب الفاسد, ناهيك عن أن هذا الأمر منسوخ أصلا أقصد لزوم قتل كافة أسرى المشركين وأيضا نسخ وجوب الهجرة والتي كانت فرضا حتى فتح مكة ثم هؤلاء مستضعفون مستكرهون قطعا فهم معذورون بعذر الضعف والاستكراه جميعا بل والجهل, ولولا الإطالة لأتيت بالشرح ومن شاء راجع أحد أمهات التفاسير أو فتح الباري, فهذا الشاب مثلا على فرض أن النظام ألقاه في مطار الطبقة كيف يهرب ؟ كيف ينشق ؟ بل كيف يمكنه العودة إلى بلده وإلى أين ينشق وهو يجهل كل شيء حوله وهو شاب غير مثقف ولا يعلم من الحياة شيئا تالله إن استوقفوه على تخيل تمكنه من الهرب المستحيل وامتحنوه على طريقتهم هداهم الله ليذهبن عقله من الخوف, وقد اتفق لأحد الأخوة المتدينين فيما حكاه لي الثقة قبيل حوادث حماه 82 أن استوقفه ذات ليلة رجل مشهور بالشر في حماه (كنيته أبو ظلام أو ضباب) وكان عظيم الشاربين وكان نشوانا وعبوة الخمر في يد والخنجر في يد فاستوقفه في أحد أزقة حماه ووضع السكين على صدره وهو شاب رغد مسالم ليس بذي بأس وقال له أنت مسلم أم علوي ؟ فقال الشاب مسلم مسلم فقال له اقرأ سورة الإخلاص وإلا قتلتك, فحلف الشاب بالله أنه ما قدر على حرف منها لشدة خوفه ثم إن الله ألهم هذا الأخرق فقال له "هيئتك حباب روح ولا خلاص انقلع" .
قال الله تعالى (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء) ذهب الجمهور من الشافعية والمالكية وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وهو مذهب أبي يوسف -ومحمد والله أعلم- إلى أن الحكم في الأسير يرجع للإمام فيفعل الأصلح للإسلام والمسلمين وهو مخير بين القتل والمن والفداء وإذا أسلم الأسير وهو في الأسر لا يلزم اسلامه المسلمين ويبقى على حكمه الأول غير أنه يرفع عنه القتل إلا إذا غلب على الظن كذبه وشهد بذلك عليه سابق عمله .
قال صلى الله عليه وسلم "اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم" أو قال استبقوا, حسن صحيح, وقد يمنّ الإمام لحكمة أو مصلحة على الجميع بعد الترغيب والترهيب فقد منّ صلاح الدين الأيوبي على قسم من أسرى الصليبيين لمّا قلّت المؤنة في الجيش وخشي على الأسرى الموت جوعا فأطلقهم, ولا ننسا أن كثيرا من مجندي النظام اختارهم وهم عوام رعاع لا يكادون يفقهون قولا لجهلهم ونشأتهم وقد قال النبي (ص) "تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت من مدر ولا وبر إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلي من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم"
أمر الله سبحانه وتعالى بالرفق بالأسرى ومعالجة جريحهم وهذا من خصائص الإسلام على سائر الأديان قال عز اسمه (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) فجعل جل ذكره الأسير بمنزلة اليتيم والمسكين, حتى إن الصحابة كانوا لوصية الله ووصية رسوله يؤثرون الأسرى بالطعام على أنفسهم فيخصونهم بالخبز ويأكلون التمر, وكان الخبز من رفيع طعامهم, وقد قال النبي (ص) في أسرى يهود بني قريظة "أحسنوا إسارهم وقيلوهم واسقوهم ولا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح" أي رغم الحكم عليهم بالقتل, ومن المهم جدا أن يُعلم أن من أعطى أمانا لمجموعة من الكفار أو جند النظام فإنه لا يحل له قتلهم بحال ولا يجوز الكذب في هذا البتة وليس هذا من الخدعة في الحرب في شيء كما يشيع بعض الجهلة والمتنطعون فعن أبي وائل رحمه الله (من كبار السلف) قال أتانا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بخانقين وفيه "إذا قال لا تذهل, لا تخف, مترس أو مطرس (يعني أمان بالفارسية), فقد أمنه إن الله يعلم الألسنة كلها" حتى أن الإمام الجليل محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله حكى في السير عن عمر رضي الله عنه "إذا أشار إليه -إشارة يفهم منها الأمان- وقال إن جئت قتلتك ففهم من الإشارة الأمان فجاءه فقد أمنه ولم يحل له قتله" قال محمد : وكذلك لو أن جندا من المشركين حاصروا حصنا للمسلمين فصالحوهم على أن يعطوهم عشرة آلاف وينصرفوا إلى بلادهم فانصرفوا ثم جاء المدد للمسلمين ما جاز لهم أن يغدروا ولا يتعقبوهم حتى يصلوا إلى بلادهم, وفيه حديث عمرو بن عبسة (رضي) ورجوع معاوية عن الروم وكان قد عزم على الإغارة على الروم فلما اقتربت نهاية العهد بينهم سار نحوهم حتى يدهمهم صبيحة انقضاء العهد فحدث عمرو بالحديث معتبرا أن ليس لمعاوية السير نحوهم إلا يوم انتهاء الصلح وليس قبله ! إنه دين ودين رب العالمين يا معشر المجاهدين, نعم لا يجوز إعطاء الأمان وهو يضر بحرب المسلمين أو يتسبب بضرر عام ولكن متى أعطيَ فقد لزم, وعلى القائد أن ينبه في مثل هذه الحالة إلى عدم إعطاء أمان لأحد "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" إلا أن يكون أحد الطواغيت فلا جوار له إسوة بقتل بلال لأمية بن خلف وقد أجاره عبد الرحمن, وبالمناسبة فقد استثنت اتفاقية جنيف بخصوص الأسرى من كان منهم مجرم حرب . ففي حال ما إذا صالح الثوار مثلا صلحا مع قوة من النظام فخرقوا الشرط وخفروا العهد أو ذبحوا البعض فإن أثر هذا ونتيجته لا ترجع فقط بالسوء عليهم من الناحية الشرعية بل على معركتهم ومن ثم ثورتهم لعموم الضرر وشيوع الشرر فلن يقبل قط بعد شيوع الخبر بذلك أي طائفة أخرى من جيش النظام حوصرت أو ضيق عليها من الاستسلام كيف والقتل أهون من الذبح كيف والثبات به بقية أمل وقد قال المثنى رضي الله عنه "عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم فلا تعودوا أيها الناس إلى مثلها فإنها كانت زلة فلا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع", وسر قول المثنى "فإنه لا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع" هو أن من استشعر ألا ملجأ له ولا مفر قاتل قتالا شديدا واستبسل إذ ليس ثمة شيء يخافه أعظم من الموت وهو متيقن من الثوار إن لم يلتزموا أقوالهم ومواثيقهم فعندئذ يقاتل عن آخر أمل له في الحياة ويستقتل وهذا قتال يعدل قتال الرجل فيه اثنين أو أكثر وقد كان المثنى قد لحقهم إلى الجسر وحصرهم فغرق منهم جمع كثير ولولا أن الله سلم ووقى شرها لتفطنوا أن الانقلاب للقتال أولى من الغرق والموت لا محالة, وكذلك عندما يتصرف الثوار ويخفروا عهودهم ولا يلتزموا سماحة وتعاليم دينهم لا يثق بهم العدو ويستبسل ولا يستسلم, ولا خير ولا أنجى ولا أوثق عاقبة من اتباع الشرع وما قد يسوؤنا عاجلته من اتباع شرع ربنا فلا ريب ستسرنا عاقبته في الدنيا والآخرة فقد تتأخر النتيجة وقد يرجع بعض من نعفو عنهم لقتالنا ولكن يوشك أن تؤتي الطاعة والالتزام أكلها ولا ريب, ومما ينبغي على القادة والعقلاء والمشيخة والعلماء إفهام العوام أنه من غير الممكن ولا الجائز عقلا قتل كافة جند النظام فمن المعلوم شرعا إسقاط تبعات حروب الفتنة قال الإمام الزهري هاجت الفتنة الأولى وأصحاب بدر متوافرون فاتفقوا على عدم مطالبة باغ بدم ولا حرمة ارتكبها فعموم العقوبة من الحرج العام وقد حكمت المحكمة المدنية الفرنسية عقب تحرير فرنسا من النازية بالإعدام على نحو 324 ألف إنسان ثم وبعد تفكر العقلاء وسبر الأحوال لم يتم إلا إعدام 11 ألف منهم فعملوا بمبدئ الإسلام للحرج العام وخشية أن يثير قتلهم فتنة أعم وشرخا في المجتمع أعظم, ونذكر هنا قول المسلمين للمشكرين يوم حنين "لاحاجة لنا في دمائكم ونسائكم وذراريكم" وما خلفه قولهم هذا من أثر في قلوب هوازن فجاؤوا بعد ذلك مسلمين . فكان الإسلام بحق أول رافع للحرج العام برحمته وأول مؤسس لما يعرف اليوم "بالشرف العسكري" وأول من أبطل حروب الاستغلال (الاستعمار) فقد أقر الخليفة الراشد مجدد القرن الأول عمر (رضي) ملوك وحكام آسيا في مناصبهم وخلا بينهم وبين ملكهم ورعيتهم ما التزموا شرعة الحق وقال كلمته الشهيرة "إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا".