زيارة البابا للأراضي المقدسة

لإحباط ثورة الرأي العام العالمي على إسرائيل بعد هولوكست غزة

أسعد العزوني

[email protected]

حسم قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر أهداف زيارته للأراضي المقدسة بعد وصوله الى القدس المحتلة وقيامه بالعديد من الفعاليات بصحبة الاسرائيليين الذين ( عصروه )وأذلوه وأهانوه 0

نشب جدل كبير حول توقيت الزيارة وأهدافها ، وقيل ما قيل ، وقد رد على ذلك ببيان أن زيارته للأراضي المقدسة رحلة حج لا تشوبها شائبة سياسة ، لكن ما حدث  في القدس المحتلة حسم الأمر وتبين أن البابا لم يأت الى الأراضي  المقدسة للحج ، بل جاء لمهمة محددة وهي كبح جماح الرأي العام الغربي وثورته على اسرائيل بعد هولوكست غزة الأخير وقد أعلن المصالحة مع يهود وهو في البوابة الشرقية للأراضي المقدسة في الأردن0

وما أن وطئت قدماه القدس المحتلة حتى أطلق العنان لأفكاره التى جاء ليبثها الى الرأي العام الغربي الذي بدأ  يتمرد على المسيحية الصهيونية واسرائيل بعد هولوكست غزة 0

دعا قداسته الى مصالحة اليهود وأصدر فتوى تحرم العداء مع اليهود أو حتى كراهيتهم  ودعا أيضا إلى حرمة انكار المحرقة، ولسان حاله يقول انه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم 0 كما تحدث عن تحريم معاداه السامية ، وهوبذلك تحدث بلسان حاخامات يهود في ادعاءاتهم التى ما انزل الله بها من سلطان ، علما أن الأرثوذكس العرب المسيحيين في الأردن عتبوا عليه لأنه لم يتصالح معهم ولم بزر كنيسة لهم 0

برنامج قداسته للقدس المحتلة وزياراته لمواقع اسرائيلية منتقاة بعناية دللت على  أنه لم يأت الى الأراضي المقدسة حاجا مسيحيا مؤمنا ، بل أظهر انه داعية موجه يكرس فكره ومكانته ليهود ليس الا ، بدليل زيارته لما يسمى " نصب المحرقة " مع أن هناك مئات المحارق التى نفذها يهود ضد الفلسطينيين والعرب في المساحة الممتدة من غزة الى تونس مرورا بلبنان ومصر حيث مجازر مدرسة بحر البقر وقانا ، ومن بين الضحايا بالتأكيد مسيحيين 0

زيارة البابا لعائلة الأسير  الجندي اليهودي الفرنسي الشاب جلعاد شاليط والاستماع الى ( معاناتهم ) لغياب ولدهم ، دليل قاطع آخر على أهداف زيارة البابا وهي تلميع صورة اسرائيل أمام الرأي العام العالمي بعد أن تلطخت بدماء أطفال  غزة مؤخرا ، دون أن يخطر بباله وجود ما يزيد على احد عشر ألف معتقل ومختطف فلسطيني يقبعون في سجون ومعتقلات الاحتلال ومن ضمنهم أطفالا ونساء وشيوخا يعانون من الأمراض المزمنة ، ومحكوم على العديد منهم بعدة مؤبدات ، وبعضهم محتجز اداريا ويستخدمون ( فئران تجارب ) للأدوية والنظريات النفسية الاسرائيلية 0

أما خلال زيارته للمسجد الأقصى المبارك ولقائه بالعلماء المسلمين هناك ، فقد تعرض لاهانة كبيرة من قبل الاسرائيليين ، اذ منعوا التغطية الاعلامية عن تلك الفعالية ، رغم دعوته لحوار الأديان ، لكنهم تركوه يجلس مع المسلمين في الظلام لأنهم لا يريدون للرأي العام الغربي المسيحي أن يرى في المشهد سوى لقاء البابا باليهود فقط.

لكن المفارقة العجيبة 0 كانت عند زيارة البابا لحائط البراق الذي يطلق عليه اليهود " حائط المبكى " حيث أطلق الاحتلال العنان لكافة الاعلاميين الذين منعهم من الاقتراب من المسجد الأقصى ، من اجل تصوير قداسة البابا وهو يتذلل أمام الحائط ويدعو لليهود خاشعا ، ويضع في أحد ثقوبه رسالة الى الله جاء فيها :" يارب الأدهار ، خلال زيارتي للقدس ( مدينة السلام ) المسكن الروحي المشترك لليهود والمسيحيين والمسلمين ، انقل اليل أفراح شعبك أينما كانوا في العالم ، وآماله وتطلعاته وكذلك محنه وآلامه ومعاناته 0

يارب ابراهيم واسحق ويعقوب اصغ الى صيحات المفجوعين والخائفين والمعوزين 000 ابسط سلامك على هذه الأرض المقدسة في الشرق الأوسط على عائلتك كاملة 000 حرك قلوب كل الذين يدعون باسمك للسير بتواضع على درب العدالة والرأفة " ولا أدرى وهو على هرم الكنيسة الكاثوليكية كيف يقبل بمثل هذا التصرف ، ويتخيل أن الله بحاجة لورقة يتم دسها بثقب جدار ، ولكن حقيقة الأمر أن هذا هو تقليد يهودي يجب أن يتبعه أي ضيف جاء الى اسرائيل لحاجة في نفس يعقوب ، وقد سبقته وزيرة خارجية أمريكا هيلاري كلينتون وآخرين ممن ترشحوا للرئاسة الأمريكية أو الكونغرس الأمريكي 0

وكانت اسرائيل قد وجهت له أول ضربة حتى قبل أن يغادر الأردن باغلاقها مركز الاعلام الفلسطيني في القدس المحتلة لتغطية زيارته للأراضي المقدسة 0ولعل أشد صفعة يهودية له كانت رفع قضية ضده في احد مراكز الشرطة تتهمه والفاتيكان بسرقة كنوز يهودية والاستحواذ عليها.

ولو كان البابا بنديكتوس السادس عشر قاصدا الأراضي المقدسة للحج  فعلا ، لأظهر نوعا من التوازن ، لا أن ينحاز بالمطلق لاسرائيل مع أنهم أهانوه كثيرا وأذلوه بممارساتهم وتصرفاتهم  وحجرهم عليه ابان كان بين أيديهم ، وقد قسى عليه كبير حاخامات اسرائيل كثيرا لأنه لم يقم بادانة الكنيسة ابان العهد النازي ولم تتحرك لنجدة اليهود آنذاك من الحكم النازي ، كما أنه لم يقم بذكر الرقم ستة ملايين يهودي وهم الذين يدعي اليهود أنهم قضوا على أيدي النازيين ،علما أنهم ادعوابداية اللعبة أن هناك 40 مليون يهودي قضوا على أيدي النازيين لكنهم بعد احتجاجات على تهويل الرقم عمدوا الى تخفيضه الى 25 مليونا لكن الاحتجاجات لم تتوقف فاقترحوا رقما  يتراوح بين 6- 7,5 مليونا وفي نهاية المطاف استقروا على الرقم ستة ملايين 0

لم يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي أمام استغلال اسرائيل للبابا واستجابته لهم وقد انسحب قاضي قضاة  فلسطين الشيخ تيسير  التميمي من احدى فعاليات للبابا احتجاجا على تصرفاته في القدس  المحتلة في ما يتعلق بحوار الأديان ، كما وجهوا له انتقادات واسعة وعلى لسان رجل دين مسيحي كاثولوليكي هو الأب عمانويل مسلم لأنه زار ما يسمى بمتحف المحرقة ولم يضمن برنامجه زيارة مسرح الهولوكست الحقيقي في غزة ليطلع على معاناة  غير اليهود بسبب ما تقوم به اسرئيل في المنطقة 0

لقد حاسبه اليهود الاسرائيليون على جنسيته الألمانية ، ولمعايشته عهد هتلر ، ولعل هذه النقطة بالتحديد هي التى حولت لهم ألمانيا بقرة حلوب حيث منحتهم  بون عام 1952  كعربون براءة  من دم اليهود مبلغ 58 مليار دولار عدا ونقدا ، ووصل المبلغ عام 1992 الى 114 مليار دولار نقدا ، دون التطرق بالطبع الى المساعدات العينية والتسليحية وفي مقدمتها الغواصات النووية الألمانية المقدمة لاسرائيل 0

كان جل هم الاسرائيليين منذ مقدم البابا اليهم كيفية استعادة ما قيمته 10،5 مليون دولار تم رصدها لحماية البابا واستقباله ، مع أنه قدم خدمات لا تحصى ولا تقدر بثمن  لهم من اجل انقاذهم من ورطتهم التى وضعوا أنفسهم فيها بسبب هولوكست غزة 0

أما خلال زيارته لمناطق السلطة الفلسطينية فقد تنفس قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر الصعداء ، لأنه تخلص من الضغط الاسرائيلي ووجد نفسه في أحضان أناس لعل أقرب توصيف لهم أنهم غرقى يتشبثون بقشة0

وقد رحب به قادة السلطة أيما ترحيب وردوا اليه اعتباره وحفظوا عليه قداسته وما جرى له من استقبال في مخيم عايدة كان خير دليل على الدفء الفلسطيني الذي جاء بعد صقيع اسرائيلي لف البابا من قمة رأسه حتى أخمص قدميه 0

لم يغفل الفلسطينيون عن واقعهم وطبيعة ضيفهم وقد تعاملوا معه بأعلى مستويات الذكاء والمسؤولية وخاطبوا ضميره وعقله ، وحركوا فيه انسانيته من خلال الهدايا التى قدموها له وهي " وشاح العودة " ورسائل من مبعدي كنيسة المهد ، ناهيك عن الفرقة الفنية الشابة التى ادت أمام قداسته عرضا رائعا ولعل الاصرار على ان يكون مكان الاحتفال خلف جدار الضم والسلب والنهب ، أدى رسالته جيدا 0

البابا يعلم جيدا أن القدس هي العاصمة الروحية للمسيحية والاسلام ، وأن اليهود يعملون على تهويدها وقد اكدوا هذه الرغبة في تصريحات علنية قبيل زيارته للمدينة المقدسة ، وقد حذفت السلطات الاسرائيلية اسم عمدة بلدة سخنين مازن غانم من قائمة المدعوين العرب في لقاء مدينة الناصرة لأنه دان العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة0

ولعل من المفيد التوضيح ان مجمع الأساقفة أصر على استبعاد غزة من برنامج زيارة البابا وتذرع السفير البابوي في اسرائيل أن ذلك ياتي لأسباب أمنية ، كما هو الحال عندما منع السفير البابوي الأسقف أنطونيو فرانكو من زيارة غزة لنفس الأسباب علما أن الوضع الأمني لم يمنع أمين عام الأمم المتحدة  بان غي مون من زيارة غزة في الوقت الذي كان فيه دخان هولوكست اسرائيل يتصاعد وأنات الأطفال الغزيين تسمع 0

ان افضل توصيف لمحطات قداسة البابا الثلاث في الأراضي المقدسة أن الأردنيين والفلسطينيين ( دللوه ) وأظهروا له احتراما  كبيرا علما انه أساء الى الاسلام ولم يعتذر ، فيما " أذله " الاسرائيليون مع أنه حرم معاداتهم واظهار الكراهية لهم 0

ختاما يجب الانتباه جيدا الى أن المسيحية هي الديانة الأقرب للاسلام ، وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يصف السيد المسيح عليه السلام بأنه " ابن خالتي " وهذه لها مغزى بالنسبة لعاطفة الخالة , كما ان اليهودية لا تعترف بالمسيحية 0 0 وان المسيحية الغربية لا علاقة لها بالمسيحية الشرقية بل هي تدين بالمسيحية الصهوينية , اضافة الى ان المسيحيين العرب هم جزء لا يتجزأ من نسيج الأمة وهم في المقدمة من ركب التنوير العربي 0

وأن ما سجله التاريخ من تنافر بين السميحين والمسلمين في الوطن العربي مرده إلى الاختراق الاسرائيلي لبعض المسيحيين الذين خدعتهم اسرائيل كما حصل في لبنان ويحصل في مصر 000!