في خطاب المستقبل الانتماء والارتقاء

في خطاب المستقبل

الانتماء والارتقاء

علاء الدين آل رشي

في الجذور والاحتياجات :

على الرغم من الاخفاقات الكبيرةالتي عانت منها أطياف واسعة من  الخطاب العربي والاسلامي  في العقود السابقة ك (سيطرة مفردات التبجيل والنضال  والتبرير وشخصانية الفكرة والضبابية والتعميم ولغة الحماسيات والبلاغيات والانشائية والاقصاء والاستقطابية الجهوية ) و.....

الا  أنني أجد نفسي مدفوعا نحو  ضرورة الدعوة الى  ايجاد خطاب ثابت وهادئ وعاصف يبتعد عن رموز الهزيمة الفكرية وصناعهاانه خطاب  مستقبلي  منتم ومرتق

 فهو أولا:  ينتمي الى الهوية الحضارية للأمة بكل تلوناتها العقدية والفكرية.

 وهو ثانيا :يرتقي بها لتكون فاعلة في منتدى الحضارات المعاصرة.

 والمرتكز الرئيس لهذا الخطاب أن يتجنب   العفوية والارتجالية أو التأثر الظرفي الضاغط وكذلك تقع  عليه مراعاة أمرين :

 أولهما :أن امجاد الماضي لاتغني عن عمل اليوم وان انكسارات الحاضر هي مرحلة مؤقتة ستزول بالمزيد من التبصر والعمل وفق قاعدة (ليبلوكم أيكم أحسن عملا )

 ومن هنا فالخطاب المستقبلي ليس حبيس انكسارت الراهن أو أمجاد الماضي انه يحلق مبصرا الواقع والتاريخ آخذا بالعبر لانطلاقة مستقبلية تتجاوزالعثرات ولاتسترخي على المنجزات

ثانيهما : هو فكرة الكل المتكامل انه لم يعد بمقدور قائد ملهم أو حزب متفرد أو تنظيم  ما أو مفكر مهما علاقدره  ان يقنع الناس بان باستطاعته حل اشكاليات الراهن والنهوض دن تعاضده مع بنية مجتمعه تواصلا وثقة وتبادلا وهذه النقطة تسهم في ايجادخطاب تجميعي يؤمن بالنسبية والتكامل لا الفردانية و التنافر

والأمر الذي ينبغي التركيز عليه في صياغة خطاب اليوم والمستقبل أن يكون واقعيا وبذلك  يمكن أن يتجاوز عهود وشعارات الثورة (الفضفاضة ) وكذلك حتمية الحل(الدينية أو العلمانية ) بكل ايدلوجياتها المتعددة والمتناحرة الى وعي دقيق بحلول جذرية تتجاوز صنميات ووثنيات فكرية وسياسية واجتماعية أو أي عشق لمتحفيات فكرية ماضوية تحسن ادارة عقارب الساعة الى الوراء ولاتجيد بناء الراهن

هذا الخطاب هو الذي سينجح في ابلاغ رسالتنا وهويتنا وفق مفهومي الانتماء والارتقاء ولن يتحقق هذا النجاح الا بعد  قدرتنا على فهم النسيج  النفسي والعقلي للواقع

 واذا كان باستطاعتنا تأجيج الأولى أي (البنية النفسية )  بالمظاهر النسكية فان الثانية(البنية العقلية )  لاتتعزز قوتها ولا تتمكن صورها من الوضوح الامن خلال بث المفاهيم التي تولد اجتهادات ورؤى تسهم في قيادة الحياة نحو الامام وتنظيم الاهم فالمهم وذلك عبر استقصاء      لاحتياجات الراهن واشكالياته التي باتت تستعصي على حل انفعالي يثير الفتنة هنا أو هناك ويحيل امن المجتمع الى فوضى والدين الى ديناميت أو بفكر طفولي يراهق فيتضخم ليرى نفسه دون غيره أو بحلول تعتمد على العصى ومصادرة أعمار الناس بسبب رأي لهم

انشاء عقلية راشدة منفتحة هي الحل الامثل لبناء غد أفضل وهي خطوة هامة في صياغة خطاب مابعد اليوم تتعافى الأمة فيه من ندوب وجراح عميقة جراء عقلية الأنا الكبيرة الممجدة  التي صاغت خطاب العهود السابقةوالتي يجمعها تضخم الواحد  على حساب المجموع  

  لتحل عوضا عنها عقلية التواصي والتناصر والتماسك

عقلية  تتمردعلى الموروث وتبوح بالمسكوت عنه وتتوقع قضايا الغد والمستقبل قبل حدوثها ولاتقدم الأعذار عن القرارات السيئة او الاخطاء المتكررة

ان هذه العقلية ستكون محصلتها مخرجات خطابية ايجابية ذات مصداقية تنتمي الى الانسان والواجب وتقدم ماهو مقنع وليس مايطلبه الجمهور 

· المصارحة والمكاشفة والمصداقية والعفووالتسامح  عن الماضي والتعقل هي سمات ينبغي أن تحملها مفردات خطاب الغد  وعلينا أن  نلون  ذلك  الخطاب المأمول بفكر يقظ فاهم ان لكل مجتمع رؤية خاصة للواقع والعالم الذي يعيش فيه وكذلك لذاته ولعلاقاته مع ماضيه ومع العصر الذي ينتمي اليه ومع مايكافح في سبيله.. هذه الرؤية للمجتمع تظهر من خلال كل مايقوم به اعضاؤه  وما يفكرون به ومايشعرون وما  يعبرون  عنه ويتجسد أيضا في انماط  الفكر والسلوكيات والكلمات واشكال اللغة التي تستخدم  وفي الصور والاستعارات ومظاهر العبادة  والمؤسسات التي  يقيمونها والتي تجسد وتظهر تصورهم للواقع وموقعهم فيه وهذا يتطلب من الخطاب المنتمي المرتقي  دراسته البيئية وطبيعة كل بلد وشعب، لانه لا توجد ضوابط ومعايير عامة صالحة للانطباق على كل الشرائح البشرية، وقابلة للتطبيق في كل مكان.

ان معرفة تاريخ البلد، ووسائل نجاح المشاريع  في الماضي، وتصوراتها في المستقبل امر ضروري يحتاج إلى الدراسة والتخطيط.وليس الى خطاب العواطف وتثوير العامة   ان وعينا بهذا الموضوع يمنح خطابنا صفة المصداقية والواقعية والتأييد   لمقترحاتنا  النهضوية وبياناتنا التنويرية والتي من الممكن فهمها من خلال السياق العام لمفهوم الاصلاح الذي ينبغي أن  يطال الفكر والدين والسياسة والحياة الاجتماعية  وعلينا أن ننأى عن   كل محاولة لاقتحام المستقبل بفكر عصور الانحطاط فهي لن تزيدنا إلا خبالا وكذلك عن  المولعين بالقضايا الخلافية التي هي سمة للطفولة الفجة  التي تمزق الأرحام الفكرية

معالم ومضامين  خطاب المستقبل

 فيتجلى في ارتكازه  على النقاط الاتية :

· الانسان أولا :

 خطاب المستقبل ينبغي أن يرتكز على الانسان واعلاء حقوقه والدعوة الى احياء روحه ونفسه وأشواقه وآماله والى رفع الوصاية عليه  مهما كانت نبيلة تلك الوصاية

 كما ينبغي أن نركز على مفهوم الواجبات أيضا وبذلك نصوغ انسان الواجبات والحقوق انسانا فاعلا مبدعا حيويا

 لا بد لخطاب المستقبل أن يعي أن الفعل التاريخي للحضارة لايتجلى الابارادة الشعوب ومن هنا فان الاستغراق في تمهير الانسان العربي المسلم نفسيا وعقليا هو الخطوة الاساسية لنقله من المتفرج الى الفاعل وللوصول الى نقله التحول الصحيحة في مسيرة الأمة

·  التغيير يبدأ من الداخل :

منذ عقود طويلة ونحن نعلق أخطاءنا على الغير وما أحسنا العودة الى ذاتنا وقدغاب عن فكرنا أن الآخرين ما استطاعوا علينا إلا لضعفنا ومن هنا فان النقطة الأهم التي ينبغي على الخطاب المستقبلي  التركيز عليها هي التوبة عن ذنوبنا الجماعية وكبائرنا السياسية وانهزاماتنا الحضارية ومقابحنا الاحتماعية  والعمل على تدعيم مفاهيم مؤسسات المجتمع المدني والكرامة والعدل والمواطنةان نحسار هذه المفاهيم هي التي مكنت الآخر من التدخل فينا واراقة كرامتنا وجعلنا نتلوى جراء  استرخاء  قاهر ومكابدة عنيفة على عوامل القهر والاستنبات التي تعرضنا لها 

خطاب الانتماء والارتقاء هو خطاب التعويل على المعالجة الداخلية الماهرة لا الصراخ على الآخر .انك لتدهش لو أحصيت الكتب والمحاضرات والندوات التي تخصص لقراءة كيد الآخر في مقابل لو أحصيت خطاب التقييم والمراجعة والنقد الذاتي لعللنا

·  المرأة :

 وهي نقطة مهمة جدا في ظل تنافس غير نظيف من أجل انتزاع المرأة من كيانها الأسري عير فضائيات وبرامج باتت معروفة وفي ظل سيطرة ذهنية السوق ومتطلباته في التعامل مع المرأة وتحويلها الى مفردة جنسية لاتقرأ الاعلى السرير  وسيطرة عقلية الجسد في مقابل تدين انسحابي انهزامي يلزم المرأة بخيارات قاهرة لاتتنمي ولاترتقي بها والسؤال الكبير متى ننجح في تكوين المرأة التقية الناجحة المعاصرة الانسانة المقتحمة والمزاحمة لبناء مجتمع النظافة والعلم

وقد كانت لفتة بديعة من الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار الذي طالب بتعديل النسبةفي الخطاب الموجه الى المرأة من المحافظة على الشكل الى الارتقاء بالمضمون 

·  الشرعية السياسية

و نقطة مهمة أخرى على الخطاب المستقبلي أن ينادي بها وهي التأكيد  على أن الشرعية السياسية للحكام (ملوكاً ورؤساء ) مرهونة بمدى رضا السواد الأعظم  ورعايتهم لمصالح الناس فالحكام  ملزمون بالتداول السلمي للسلطة وباحياء مفاهيم المجتمع المدني وبالاحتكام الى القانون الذي ينظم المجتمع  كله فردا فردا

·  العدالة الاجتماعية

من منطلقات وركائز وتأكيدات خطاب الانتماء والارتقاء هو أن المجتمع كل واحد و  أعضاؤه  متساوون ولا وجود للطائفية اوازداء فئة ما ان   حاجة الشرق الى ان تعمر العدالة الاجتماعية ربوعه الخربة وان تنقل الى الحياة الصحيحة شعوبا أعياها اللغوب وأضناها الغلاب حاجة مؤكدة وأولية

وينبغي أن ينتهي خطاب الغد  عن استغلال الدين لتجريع الشعوب ماتغص به من مرارة الظلم وهضم الحقوق أن هذا   ضرب قبيح من ضروب الالحاد ان لم يكن أقبحها على الاطلاق كما يقول الاستاذ محمد الغزالي  (الاسلام والاوضاع الاقتصادية )   ص 26

أن هذه المنطلقات والمرتكزات  هي بمثابة طرق صحيحة للوصول الى التغيير المنشود فعندما نعيد للانسان كرامته ونبدأ بترتيب أوراقنا الداخلية وبرمجة سياساتنا واقتصادياتنا ومجتمعاتنا وتربيتنا وفق مفهوم التنمية الراشد الذي يحدق في الواقع بعين مبصرة  وعقل كشاف سيعين على رسم ملامح مجتمع الخير الذي ستهم المرأة بكل تأكيد في اشادة لبناته 

 واما المجالات  التي ينبغي توظيفها لصالح توصيف الخطاب العربي والاسلامي :

1 - سائر المراكز الفاعلة بالحوار الهادئ معها والنقاش البناء الذي ينتمي الى القواسم المشتركة 

2 - اقامة مهرجانات ودية تعارفية نظامية تستند الى  قانون البلد وترتفع بمستوى كلمات ومحاضرات  المتحدثين الى الخطاب الرقيق الممهور بالتأثير العقلي والذي يتعامل مع الناس على أساس احترام عقولهم دون تجريح لأحد أواستعداء لأحد وبلاانفعال وبمسؤولية كاملة 

3 - فتح قنوات تواصلية مع الجميع (الرسمي والاهلي )وبدون أي تصنيفات مسبقة والدخول الى مواقع التاثير واستثمارها لصالح قضايا الشان العام

4 - الارتقاء بمستوى المظاهر التعبدية والشعائر الاسلامية(خطب الجمعة_العيدين _ والمناسبات الأخرى ) الى نحو يخدم الراهن ومتغيراته ويبتعد عن أي استنساخ شكلي أو ضمني لعصور غابرة

  5 - الاهتمام بتقديم كتب تعريفية بالواقع بملامح المشروع العربي والاسلامي على شكل خلاصات مكثفة

6 - التركيز على الفكر الذي يمكن أن يقدم حلولااجتماعيةويسهم في تأجيج المعونات والخدمات المجانية للشرائح التي يعوزها المجتمع الفقير إذ لا يفيد الحديث مع انسان يشكو من الجوع  أو النقص في احتياجاته عن اهداف  المشروع الاسلامي أو العربي

7 - التخير المناسب للألفاظ والأفكار في حوارنا مع الغرب أو أثناء الحوار الاسلامي المسيحي حتى نكون على مستوى لائق ونمنع من الدعايات المزورة التي تشاع عنا

ان الحكمة في الأسلوب  منطق وقناعة وليست تكتيكا أو مرحلة 

أما سمات  خطاب الانتماء والارتقاء فهي :

·  المرونة بحيث  تستوعب أطياف المجتمع لكي ينجح ويكون  فاعلا منسجماً مع الناس الذين نتعامل معهم. فان لكل شريحة منطلقاتها وتأكيداتها التي تختلف من شريحة لأخرى

·  المعرفة والدراسة  حتى لا يبقى الخطاب حبيس أفكار عاجية أو في أروقة النخبة  وهذا يعتمد على دراسته البيئية والفئات والتوزعات  الفكرية لانه لا توجد ضوابط ومعايير عامة صالحة للانطباق على كل الشرائح البشرية، وقابلة للتطبيق في كل مكان.

 معرفة تاريخ البلد، ووسائل نجاح التغيير في الماضي، وتصوراتها في المستقبل امر ضروري يحتاج إلى الدراسة والتخطيط. كما ان الاعتماد بقدر الامكان على ابناء البلد يقوّي من فاعلية الخطاب  فان الناس اقرب إلى الاستجابة لابناء جنسهم ولغتهم ومعاصريهم

·  الدقة والتنظيم والتخطيط والابتعاد عن العفوية وعن كل ما يثير أو يؤدي الى المجابهة.. إن تسويق خطاب العنف على أنه آلية من آليات الخطاب العربي والاسلامي لايخدم مشروعا يريد أن يتأصل في المجتمع وكذلك الاكتفاء بالعزف على لحن الرفض وبتوجيه  الانتقادات الى أجهزة الدولة لا يصب الا في استثارة الاخرين على الخطاب الاصلاحي ورموزه

محاذير يتوجب على خطاب الانتماء والارتقاء أن يتلافاها

·    فكر المؤامرة :

على خطاب الانتماء والارتقاء أن  يتجاوزالتفاسير السريعة والتحاليل المرتجلة والتي تنظر  إلى ان سبب الداء الحقيقي جهات خارجيّة، أو غير ذلك من الفهوم  القاصرة التي تجعل من النتائج أسباباً، ومن المسكنات علاجاً، ناسين أو متناسين ان اصل الداء علل كامنة في فكر الأمة، وان مكمن هذا الوباء في النفس، والعقل المسلم وفي فكره المتقاعس عن ممارسة التغيير طبقاً للسنة الربانية الثابتة

 «إن اللّه لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفُسهم»

·   التشنج :

ثمة أصوات متشنجة يسيطر عليها فكر الأزمة  وتتحدث ويظن سامعها أن مرجعها الحقد والكراهية والتعالي والدموية والرفض والتكفير وخطاب الفداء وهذا مخالف لسمات الخطاب  الذي يصفه اللّه تعالى بقوله:

«ادْعُ إلى سَبيل رَبِّكَ بالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ»

من ناحية أخرى ينبغي أن نعرض خطابنا على أساس أنه حلول وليس استجلاب مشاكل.. إن خطابنا عليه أن يسهم في  تقديم معالجات للمشاكل التي تعاني منها البشرية، ومن خلال طرح برامج ورؤى في مجالات الحياة المختلفة، فذلك هو الذي يستقطب إنسان العصر، ويجعل خطابنا  في موقعه الريادي، باعتباره يقدم شيئاً جديداً ومفيداً للإنسانية

·  التعميم :

وهي الصيغ التي لاتنتمي الى نسبية مقدرة  أو الى العلمية والتوثيق

ومن السلبيات التي يسجلها بعض المحللين والمفكرين ان الخطاب العربي الإسلامي ـ بشكل عام ـ لا يعتمد العلمية والموضوعية والوثائقية التي تتطلبها طبيعة العصر وخصائصه وروحه، ولا يطرح البديل في مواجهة مشاريع الآخرين، وانما يكتفي بنقدها ومحاولة نقضها، وأنه يغوص ويغرق ـ أحياناً ـ في جزئيات ومفردات تفقده أثره وواقعيته وشموله.

·  التبعية

ان ألوانا عديدة من  الخطاب العربي الإسلامي لا ترتبط بمشروع عام وانما تخضع لسلطةعصى السلطان أولسلطة هوى  العوام أو سلطة الحزبية والطائفيةو.....

 ان الجهد الأكبر الذي ينبغي ان يتجه اليه الخطاب العربي الاسلامي الاستقلالية المنتميةالى الأمة لا الحزب اوالسلطة أوارضاء العامة المتقلبة المتهيجة   الأمرالذي يسهم في  بلورة مشروع مستقل  بديل ينتمي الى المصالحة بين النظام والشعب بحيث تعود الدولة الى الشعب ويعود الشعب الى الدولة ولايكون منفذا لاملاءات الأقوى

والنقطة التي ينبغي التركيز عليها ولفت نظر الى المسؤولين وصناع القرار في الأنظمة العربية  أن  قوّة الفعل الحضاري, إنّما هو كامن في الأمّة، فإذا الدولة أفسحت لها التدبير, بصفة مباشرة, كما هو شأن الدولة الإسلامية، أو بصفة التفويض المتبوع بالمراقبة, كما هو شأن الدولة الغربية الليبرالية، أثمر هذا التدبير نهضة حضارية.

وإذا هي صادرت حقّها في ذلك التدبير, مصادرة مباشرة, أو غير مباشرة، وادّعته لنفسها، فإنّها تكون قد سدّت منابع القوّة في الفعل الحضاري، وعجزت هي أن تنهض بشيء، وذلك هو شأن الدولة العربية الحديثة، وليس لمأزقها هذا من مخرج إلاّ أن تعيد الفعالية الحضارية إلى جسم الأمّة، لتكون هي صاحبة الحقّ المطلق في تدبير شؤونها, اقتباسا من أنموذج الدولة الإسلامية، وليكن ذلك الحقّ مفوّضا للدولة من قِبلها تفويضا إراديا, على أساس من المراقبة والمحاسبة, اقتباسا من أنموذج الدولة اللبرالية الحديثة.

على الخطاب العربي والاسلامي ألا يخضع مشروعه لمشتهيات مواقع القرار والمرجعيات الرسمية أولسلطة العوام

انه خطاب مستقل ينتمي ويرتقي بالأمة ويراعي الاولويات دون تجريح فئوي أو شخصي أو مذهبي طائفي

كما لابد من التأكيد على .احتياج الخطاب العربي  الإسلامي إلى مراجعة ذاته, وإعادة ترتيب سلم أولوياته, وذلك بتغليب قيمة المجتمع على الدولة, والتربية على القانون, وتغليب نزعة الإصلاح على العقوبة والردع. وبذك يكون مستقلا متميزا منتميا مرتقيا 

·  العجز التواصلي

ان خضوع الخطاب العربي الاسلامي لثقافة الانكماش التي تغذيها معاني الذاتية والسلبية والارتجالية والجزئية تحول دون بناء جسور تواصلية مع الآخرين ومالم نستطع خلق سلم اجتماعي ينتمي الى الكل  فان خطابنا سيظل خطابا فئويا محكوما بالتلاشي

 الخطاب العربي الاسلامي هو خطاب الوطن بكل توجهاته وعقائده خطاب المصافحة مع الجميع دون عقد أو توجس أو اضمار مكروه

·  الاستنساخ الماضوي المغرق في البعد عن الزمن والمكان 

ومماينيغي أن يجتنبه الخطاب المستقبلي هو مراعاة الموروث على حساب الشهود  الحضاري سواء أكان هذا الموروث فكريا او حتى فقهيا إذن تحنيط الأفكار يسهم في العطالة التاريخية والتي من ثمارها أيامنا هذه

 نحن بحاجة الى خطاب يتخير الأصلح والأنسب والأفضل لليوم والغد من التراث

ذك أن التراث يتضمن أعرافا اجتماعية واجتهادات ناشئة عن التاثر المصلحي او التاريخي أو من ارث وافد غريب قدس بحكم التقادم الزمني 

 ·  الخطاب  (العنفي )

 ليست السلفية المقاتلة آخر من يحمل السلاح لتغيير الأنظمة فقد سبقها تيارات قومية و...

 كما أنها ليست هي الصورة المشرقة أو السليمة  للتعبير عن حالة الاستياء التي تتبدى من تدهور شرعية الكثير من الحكومات  العربية

ومن المعيب حقا أن نولع بخطاب يستطيع جر التكفير بعيدا عن التفكير ويضخم العضلات  على حساب العقل ويوهم الصغار بأن مايقوم به جهاد واذا كان شأننا الداخلي (المتدهور ) واضحا حاله للعين ولايخفى على أحد فان هذا لايعطي مبررا لقتل الأبرياء وتدمير أمن واستقرار بلادنا العربية وكل من روج لمثل هذا التكفير فقد وضع نفسه في قفص الاتهام التاريخي  والمساءلة أمام الله والناس

ومن خلال استقراء التاريخ القريب والبعيد ندرك أن أشد الأنظمة تخاذلا هي من طفا على سطحها خطاب (العنتريات ) والزعامات الكرتونية والمتشدقة بالمشاريع الكبيرة  التي خدرت عقل الناس لحساب نفخ الكلمات وشحنها والمزايدة على الغلاب والقتال

وكذك أشد الشخصيات أذى لواقعنا هي تلك التي سمحت لفكر القتل والاغتيال أن يبرمج ويشيع الفوضى  في بلاد ليس لنا بها علاقة مماعمق حالةعدائية عالمية لنا 

ومن المفيد أن أذكررايا للشيخ (محمد عبده) مفتي الديار المصرية، وهو من كبار رجال الاصلاح والتجديد في الإسلام المتوفى سنة 1333 هجرية. يقول رحمه الله :

«القتال في سبيل الله هو القتال لاعلاء كلمته، وتأييد دينه ونشر دعوته، والدفاع عن حزبه، كيلا يغلبوا على حقهم، ولا يصدوا عن اظهار امرهم. فهو اعم من القتال لاجل الدين، لانه يشمل مع الدفاع عن الدين وحماية دعوته، الدفاع عن الحوزة إذا هم الطامع المهاجم باغتصاب بلادنا، والتمتع بخيرات ارضنا، أو اراد العدو الباغي اذلالنا، والعدوان على استقلالنا. فالقتال لحماية الحقيقة كالقتال لحماية الحق كله، جهاد في سبيل الله» 1- تفسير المنار ج2 ص461.

 ثمة فارق كبير من ان ندعي أن أعمالا لاتستند الى الشرعية ونسميها جهادا وبين الجهاد الذي هو في مقاصده انسانية

كما لابد من الايضاح أن اوضح مشروعية اقامة علاقات ودية مع كل شعوب العالم في جو من القسط والبر حيث يقول الله عزّ وجلّ:

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم، ان الله يحب المقسطين)(7).

هذا هو الاساس في علاقات المسلمين بغيرهم: القسط والبر، بشرط ان لا يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا.

وهذا الرأي الشرعي يتناسب مع الاوضاع والقوانين الدولية السائدة، وهو جعل السلم لا الحرب اساساً للعلاقات الدولية الحاضرة ما لم يطرأ ما يوجب الحرب من اعتداء على المسلمين، أو مقاومة لدعوتهم.

اننا نريد أن نسأل القتاليين: هل افناء الخلق هو غاية خلقهم؟ وهل خلقهم الله ليقتلوا؟

 أم  خلقهم ليهتدوا وليعبدوه وليوحدوه؟

وإذا ابيح قتال البعض  فذلك لامر عارض صدر عنهم، وليس ذلك جزاءاً على كفرهم فان الدنيا ليست دار جزاء، بل الجزاء في الاخرة

 السلام اصل من اصول الإسلام الكبرى، لا يسوغ التغافل عنه خصوصاً مع ورود الآيات العديدة التي تؤكده، فهمنا ان الشريعة الخالدة الدائمة للبشرية تنسجم مع متطلبات كل عصر.

انني اطمح الى خطاب يتجاوز اخفاقاتنا وينتمي ويرتقي بالأمة ويعاند ويشاكس كل من يصادر حريات الناس ويتعانق مع الجميع مصارحة وحبا ونصحا وتسامحا وهو خطاب كذلك الخطاب الذي وصفه الامام الجنيديعطي الناس مايطلبون (الواقعية ) ولايحملهم مالايطيقون (الحكمة ) ولا يخاطبهم بما لايعلمون ( المصداقية والاستقلالية )خطاب ينتمي الى الأمة ويسهم في الخروج من المأزق الجماعي ويرفض عنف الأقلية ولايتاجر بقضايا الشعوب