الفن الإسلامي
الفن الإسلامي
صالح البوريني
يطرح عنوان هذا المقال مجددا قضية الفن الإسلامي ، ويستدعي فتح هذا الملف أسئلة تلمع في ذهن القارئ : ما هو الفن الإسلامي ؟ ما تعريفه وما هي مجالاته وحدوده ومحدداته وشروطه ؟ متى كانت بداياته في التاريخ ، وكيف كانت انطلاقته الأولى ، وما هي المراحل التي عبرها وتطور خلالها ، ماذا كانت أسسه وماذا دخل عليه من تجديد ، وما هي النوافذ التي أطل منها والآفاق التي انفتح عليها ، وماذا أخذ من ثقافات الأمم والشعوب الأخرى وماذا أعطى ؟؟ ماذا قدم الفن الإسلامي للعالم ؟
وإلى أي مدى عبر الفن الإسلامي عن شخصية الأمة وتراث شعوبها المتنوع ؟ وهل مثل آمالها وتطلعاتها وصور روحها ونبض إنسانها ومشاعره وطموحاته ونظرته للحياة ؟؟ وماذا عن الفن الإسلامي المعاصر وعلاقته بالقديم وتفاعله مع الجديد ؟ وهل أرسى هذا الفن لنفسه تقاليد ومذاهب خاصة رسمت معالم الطريق التي لا يحيد عنها فهو مستمسك بها متشبث بتلابيبها لا ينفك عنها ولا ينعتـق من قيدها ؟ أم انه امتلك قدرا من المرونة واللياقة المعينة على حسن الانتـقال من لون إلى لون مع الالتزام بالأطر الشرعية ؟
كل ذلك وسواه يمثل طرحا تفرضه الحاجة إلى وجود فن إسلامي ملتزم وبلورة توجه فني يعبر عن رسالة الأمة وشخصيتها الحقيقية وخصوصيتها الفنية ، توجه فني يطرح الفكرة ويعرض النموذج ويعالج الخطأ ويقدم البديل الموضوعي والعملي لما تغص به الساحة من غثاء .
وبينما يرى الدكتور عماد الدين خليل في كتابه ( في النقد الإسلامي المعاصر ) " أن الفن التشكيلي الذي قدمه المسلمون في تاريخهم لا يعني ـ في كثير من جوانبه ـ فنا إسلاميا بالمفهوم التصوري ـ العقيدي ، وإنما لا يعدو أن يكون ـ فيما عدا بعض الحالات ـ محاولات جمالية تفتقد الكثير من العناصر الفنية ولا تستمد وحيها من فكرة الإسلام عن الإنسان والعالم " ، مما يفيد بأن الفنان المسلم لم يتمثل الإسلام ولم يستثمر ما فيه من دعوة إلى قيم الجمال والحق والسمو فلم يكن فنه تعبيرا عن حقيقة الإسلام ورؤيته الفنية الرفيعة بل كان دون مستوى الإسلام . فإن النظرة السائدة في ساحة الفن والتي ترى أن الإسلام يشكل بتعاليمه وأحكامه قيدا على انطلاق الفن وانفتاحه على آفاق الحياة في ظل مفاهيم الحداثة والتبعية وغياب تمثل الإسلام شكلا ومضمونا في الأغلبية الساحقة من الأعمال الفنية ، هذه النظرة تعتبر الإسلام مسؤولا عن إعاقة الفن وحجر عثرة في طريق انطلاقه وتقدمه .
وإزاء هذه النظرة الحاقدة فإن مسؤولية الكتاب والأدباء والنقاد المسلمين وكذلك مسؤولية المخرجين والفنانين المسلمين تتضاعف وسط هذا السيل الطاغي من الافتئات على حقيقة الإسلام ، وتفرض وجود توجه عملي جاد يقوم على إخراج أعمال أدبية وفنية إسلامية في كل مجالات الفن الملتزم ، تـنطلق من ثوابت الإسلام العقيدية وتصوراته الجمالية للكون والإنسان والحياة والتي لا تتعارض مع الفطرة السليمة ولا مع العقل السليم ولا مع الحس الإنساني في صورته السامية ، تعالج واقع الحياة الإنسانية وتصور المعاناة الاجتماعية وتعبر عن آمال وتطلعات الإنسان وعواطفه في ثوب جميل مدهش غير متكلف .