قضايا لغوية(3)

قضايا لغوية(3)

اللغات الجَزَرِيّة (السَّاميّة)

د: عبدالكريم مدلج

مصطلح يطلق على مجموعةٍ من اللغات, نطقت بها مجموعة من الشّعوب, كانت تسكن منطقة الجزيرة العربيّة, ثمّ انتشرت خارج الجزيرة العربيّة على شكل موجات متعاقبة استوطنت أرض الرافدين وبلاد الشّام.

وسمّيت هذه اللغات خطأً بـ(اللغات السّاميّة) في معظم كتب فقه اللغة, وشاع هذا المصطلح, وكان أوّل من أطلقه المستشرق الألماني شلوتسر (Shlozer), في تحقيقاته وأبحاثه عن التّاريخ القديم سنة (1781م), وقد استمدّ هذه التّسمية من جدول تقسيم الشّعوب الخاصّ بأولاد نوح ـ عليه السّلام ـ الثلاثة: (سام, وحام, ويافث), الوارد في سِفر (التّكوين) في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي عشر من كتاب (العهد القديم), الّذي يُسمّى (التّوراة).

وهنا يمكننا القول: إنّ مصطلح (اللغات السّاميّة) ليس مصطلحًا علميًّا دقيقًا, وقد جانب فيه صاحبه الصّواب من أكثر من جهة:

أوّلاً: ليس هناك أمّة تُسمّى الأمّة السّاميّة؛ لكي ننسب إليها هذه اللغات.

ثانيًا: إنّ كاتب سِفر (التّكوين) كان يقسم الشّعوب لاعتباراتٍ سياسيّة, وليس لروابط تجمعهم, فمن صادقهم يهود جعلهم من أبناء (سام), ومن عاداهم يهود جعلهم من غير السّاميّين. ومن ذلك:

أ- أنّ سِفر (التّكوين) ذكر كنعان من غير أبناء (سام), وقد أثبت البحث الحديث أنّ اللغة الكنعانيّة هي فرع من أفرع اللغات الجَزَريّة (السّاميّة).

ب- أنّ سِفر (التّكوين) ذكر عيلام من أبناء (سام), وقد أثبت البحث الحديث أنّ اللغة العيلاميّة ليست من اللغات الجَزَريّة (السّاميّة).

ج- أنّ سِفر (التّكوين) عدّ الفينيقيّين من شعوب (الحاميّين)؛ وذلك للصّلات الّتي تربطهم بالمصريّين والبربريّين، وبسبب الحروب الّتي قامت بينهم وبين العبريّين, مع أنّ البحث الحديث أثبت أنّ الفينيقيّين هم من الشّعوب السّاميّة, فضلاً عن قربهم من العبريّين أنفسهم.

وبهذا يتّضح أنّ هذه التسمية لم تُبنَ على أساسٍ علميٍّ دقيقٍ, وإنّما لعبت بها أهواء الغربيّين الّذين يريدون طمس الحقائق؛ لفصل الأمّة العربيّة عن ماضيها, وإبعادها عن حاضرها ومستقبلها؛ فاختار الأستاذ المرحوم (طه باقر) مصطلح (اللغات الجَزَرِيّة) نسبةً إلى جزيرة العرب بدلاً من مصطلح (اللغات السّاميّة)؛ لأنّ الجزيرة العربيّة كانت مهد أولئك الأقوام الّذين شملتهم تسمية السّاميّين, وهذا الرّأي أصبح حقيقةً شائعةً بين الباحثين، وهذا ما نميل إليه.