قضايا لغوية(1)
قضايا لغوية(1)
(تعاقب حروف الصفير)
د: عبدالكريم مدلج
لكل حرف من حروف العربية حيّز ما في جهاز النطق, يخرج منه الحرف, ويسمى مخرجًا, وهناك حروف قد تتّحد في المخرج, أو قد تتقارب, فيجمعها قاسم مشترك, أو صفة مشتركة, كحروف التفخيم, أو حروف الشدّة, أو حروف الإطباق, أو غير ذلك من الصفات الأخرى ...
وهناك مجموعة من الحروف تسمّى: (حروف الصّفير), وهي: السّين والصّاد والزّاي. والصّفير: هو صوت يخرج من بين الشّفتين يشبه الصّفير عند النطق بأحد حروفه.
وسببه: انحصار الصّوت عند خروج أحد هذه الحروف بين طرف اللسان والثّنايا العليا, فيضيق منفذه فيصفر في خروجه, وقد تتعاقب هذه الحروف فيما بينها, فتبدل من بعضها.
يحكى أنّ رجلين اختلفا في اسم طائرٍ مرّ بهما, فقال أحدهما: هو الصّقر, وقال الآخر: هو السّقر, فتراضيا بأوّل واردٍ يرد عليهما فإذا رجل قد أقبل, فسألاه, فقال لهما: ليس كما قلت أنت, ولا كما قلت أنت, إنّما هو الزّقر. وقد ورد عن العرب أنّهم قالوا: صندوق وزندوق وسندوق, بتعاقب الحروف الثلاثة فيما بينها.
وهكذا نجد الاختلاف في قراءة بعض حروف القرآن الكريم, بين قارئٍ وآخر, وقد يكون الاختلاف داخل الرواية القرآنية الواحدة بين طريق وآخر, كقوله تعالى: } أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ { [الطور 37], حيث قرئت بالصاد مرةً, وبالسين أخرى, وكذلك قوله تعالى: } وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { [البقرة 245], قرئت بالسين والصاد. وهذا ما يقال في:
قوله تعالى: } لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ { [الغاشية 22].
وقوله تعالى: } وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْم { [البقرة 247].
وقوله تعالى: } وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً { [الأعراف 69].
أمّا قوله تعالى: } اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ { [الفاتحة 6], ففي } الصِّرَاطَ { أربع لغاتٍ:
1- (السِّرَاط) بالسين وهو الأصل, وهي قراءة ابن كثيرٍ في رواية قنبل والقواس.
2- (الصِّراط) بالصّاد؛ لمجيء الطَّاء بعدها, وهي قراءة ابن كثير في رواية البزّي, وأبي عمرو في رواية هارون, وحمزة في رواية العجلي, وبقية السبعة, وكذلك العشرة.
3- (الزِّراط) بالزَّاي الخالصة, وهي قراءة أبي عمرو فيما رواه الأصمعي.
4- إشمام الصَّاد الزَّاي([1]), وهي قراءة حمزة في رواية خلف وخلاّد والدّوري.
كل ذلك قد قرئ به, وهذا يعني أن حروف الصفير تتعاقب فيما بينها, فيأخذ كل حرفٍ منها مكان الآخر في الكلمة ولا يغير من معناها.
(1) والمقصود بالإشمام هنا هو: خلط صوت الصّاد بصوت الزّاي فيمتزجان فيتولّد منهما حرف ليس بصادٍ ولا زايٍ.