رسالة لأختي الغريبة

البراء كحيل

[email protected]

الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام وجعلنا من أتباع سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.  إنّ أعظم وأجلَّ نعمة تفضّل بها علينا الله هي نعمة الإسلام فنحن نعيش في دوحة الإيمان مفتخرين أننا عباد للرحمن غير مبالين بأرباب الكفر والعصيان . فلله الحمد أولاً و آخراً على هذه النعمة ونسأل الله أن يثبتنا على هذا الدين العظيم وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين .

لقد دفعني إلى كتابة هذا الموضوع شعوري بغربة أخواتي الفضليات في هذا الزمن الغريب العجيب ولأني قد عانيت ومازلت أعاني المرَّ والأسى بسبب الغربة التي نحياها . وصدق الشاعر إذ يقول :

قال  لي صاحبٌ أراك غريباً        بين هذا الأنام بلا خليل

قلت كلا بل الأنام غريب أنا        في عالمي وهذي سبيلي

إليك أختاه يا من سلكت طريق الحق ورضيت سبيل الإسلام يا من تبعت خديجة وفاطمة وعائشة يا من اعتنقت الإسلام قلباً وقالباً ورضيت به منهجاً للحياة وطريقاً للوصول إلى رضى الملك الجليل , أختاه هذا طريقٌ وعرٌ شاق مليء بالأشواك محفوف بالمكاره مجبول بالمخاطر من سار به تعب وليس الوصول للنهاية سهل سلس بل صعب شاق كيف لا والنهاية هي الجنّة كيف لا والهدف هو الفردوس الأعلى .

أختاه الجنة سلعة الله الغالية لا ينالها إلا المجدون المجتهدون من هجروا الحرام في الدنيا وسهروا الليالي بالقيام وقضوا النهار بالصيام ,

نعم أختاه إنها الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

الجنّة فيها أنهار من عسل مصفّى وأنهار من لبن وأنهار من خمر لذة للشاربين, فيها كل ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب

في الجنَّة أختاه كل ما تشتهينه و ما تتمنينه وتطلبينه ,ليس فيها حرام وكل ما فيها حلالٌ مباح

الجنَّة لا تعب ولا نصب ولا حزن ولا كدر كل ما فيها كامل وليس فيها أي نقص وكيف يكون فيها النقص والله هو من خلقها

أختاه الجنة حياة أبدية فلا موت فيها أو فناء

وهذه الحياة الدنيا ما هي ؟؟؟

الدنيا كدرٌ وتعب حزنٌ ونصب كل ما فيها ناقص ومحال أن يحصِّل السعادة فيها مخلوق

الدنيا دار شقاء وبلاء ومن ذا الذي أدرك السعادة كلها فيها وصدق الشاعر حين قال :

جبلت على كدر وأنت ترديدها= صفواً من الأكدار والأقدار

أختاه هذه هي الدنيا التي نعيش فيها وتلك الجنَّة التي نصبو إليها وتهفو النفوس لها ونحن هنا في الدنيا نلاقي البلاء والشقاء والسخرية والتهكم من قبل أعداء الله أو العصاة وعلينا جميعاً أن نقبل ذلك وأن نصبر عليه لأننا طلبنا جائزة ثمينة غالية وأردنا غاية تهون النفوس في سبيلها ومن طلب الفتاة الحسناء وأراد الزواج بها لم يصعب عليه أداء مهرها فكيف بعروس هي الجنّة مهرها النفوس .

إلى أختي الفاضلة التي ترى نفسها غريبة في مدرستها في جامعتها في عملها فهي قد لزمت الحجاب والباقيات هتكن الستر, وهي ترفعت عن الحرام وغيرها توجه إلى المعاصي بلا خوف أو وجل , إلى من أصمّت أذنها الطاهرة عن سماع المحرمات بينما رفيقاتها تغنين بالفساد وبالفحش من الكلام , إلى من أعمت العين عن سوء النظر وعن المحرم من النظر ورفيقاتها أطلقن لأعينهنَّ العنان بالحرام , فهي بينهنَّ غريبة عجيبة كيف لا تسمع الغناء وكيف ليس لديها صديق أو رفيق كيف القرآن هو وردها والنشيد الحسن هو غناؤها كيف تستر جسدها الطاهر فلا تبدي منه شيئاً . فهي حقاً غريبة في دنيا الجهل والمعاصي وتقول أختي: يا أخي كيف أحيا في هذا الزمن العجيب هل كل الخلق على خطأ وأنا على صواب أيا أخي التهكم والسخرية قد أتعباني ورفيقاتي أصبجتُ لهنَّ مضحكة

فما الحل وما الطريق الصواب ؟؟؟؟؟؟

أختاه كما أسلفت سابقاً نحن طلاب آخرة ومن طلب الآخرة بذل في سبيلها كل غال وثمين وهان في سبيلها العذاب والشقاء , أختاه هذا ديدن النبيين والصالحين فكلهم تعرضوا للعذاب والتهكم والسخرية من قومهم نعم فهذه سُنة الله في أرضه أن ينال أهل المعاصي من أهل الإيمان. فقد قال الله :

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }العنكبوت2

(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا) أي بقولهم (آمنا وهم لا يفتنون) يختبرون بما يتبين به حقيقة إيمانهم نزل في جماعة آمنوا فآذاهم المشركون , تفسير الجلالين

نعم أختاه هذه الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فلا سعادة للمؤمن إلاَّ بلقاء ربه العظيم ولا يهنأ المسلم من شقاء الدنيا وبلائها إلاَّ هناك في جنة الخلد

أختاه نعم أنت غريبة وهنيئاً لك بغربتك كيف لا عزيزتي فهذا الدين قد جاء غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء الذين اهتدوا عندما ضلَّ النَّاس واستيقظوا بينما غفل النَّاس وعملوا الخير بينما قام النّاس بفعل الشر

أختاه لك الفخر بدينك بحجابك بسترك فأنت جوهرة ثمينة خفيت عن الخلق لغلاء ثمنها وعظيم قيمتها أختاه أما رأيت __ اللؤلؤ والياقوت لماذا ارتفع ثمنه نعم أختاه لأنّه اختفى عن الناس واحتجب عنهم فكلُ ما ندر كان غالياً ثميناً قيماً وأنت نادرة الوجود فأنت غالية ثمينة كريمة مكرمة عندنا

أختاه هنّ في ضلالهنَّ يغرقن ولا تظني أنهنَّ سعيدات لا والله أيتها الكريمة بل هنَّ يعشن في فراغ روحي ونفسي لا مثيل له , نعم رغم سفورهنَّ واستماعهنّ للغناء رغم التفلت والحرية التي يزعمن أنهنَّ يعشن بها رغم كل هذا هنَّ فارغات أجسادهنّ خالية من الراحة أو الاطمئنان فهنَّ في قرارة نفوسهنّ يعلمن أنهنّ لا يملكنّ شيئاً وهنَّ يعلمن أنك الطاهرة النقية التقية ووالله إنّهنّ ليحسدنك ويتمنين أن تضلي كما ضللن وتسقطي كما سقطن ,

فحذار حذار أيتها الغالية واعلمي أنّك في سعادة وراحة لا يملكها أحد في العالم أنت المحجبة التي لا تخشى العار وأنت الطاهرة التي لا تخشى الهتك وأنت المصلية التي لا تخشى غضب الرب وأنت قارئة القرآن التي ترتقين وتعلين به فأي سعادة تعيشين بها وأي كنز تملكين غفلت عنه

أختاه مم الخجل والحياء ومم التستر والهروب سبحان الله هل الحجاب عيب وهل السفور مفخرة وهل استماع الأغاني رقي واستماع القرآن مذلة ومهانة , أعوذ بالله بل أنت الكريمة المكرمة وهنَّ الساقطات اللاتي سقطن في بحر الشهوات فلا منقذ لهنّ من ذاك البلاء .

زعمن أنّ السفور تقدم ورقي إي والله إنّه تقدم خطوات نحو جهنَّم والفخر والعز والكرامة والعظمة في طاعة الله وحب الله ومرضاة الله .

نحن والله يا أختاه نشفق عليهنّ ونخاف على أجسادهنّ الناعمة المنعمة من حر جهنّم ونريد أن تسوقيهنَّ إلى جنة الإيمان وإلى روضة الرحمن فيكون لك الأجر العظيم في انتشالهنّ من ظلام المعاصي إلى نور الإيمان

أختاه لا تيئسي من استهزائهنّ بك وبحجابك وبالتزامك فأنت الطبيب الذي يداوي أمراض ذنوبهنَّ بالحكمة , أعلم أنّ الأمر مر وقاس وأنهنّ لا يرضين بالنصح بل أنت تخشين النصح لهنّ لكن اعلمي أنّ المحاولة الأولى صعبة لكنّ الأمر يسهل بعدها ويصبح من المسلَمات

أختاه فليكن دينك وحجابك مفخرة لك لِكَي يعصمك الله من النَّاس وحذار حذار أن تخجلي من التزامك فكيف يكون ذلك وهل الطهر يجلب الخجل وكيف ذاك فأنت قدوتك فاطمة وعائشة وهنَّ قدوتهنّ مغنية أو ممثلة أو راقصة فمن أحق بالخجل أختاه نحن أم هنَّ ؟؟؟

أختاه طريق الدعوة شاق صعب لا يخوض غماره إلا الفرسان ولا يركب مخاطره إلاّ الشجعان فهل ترضين أن تكوني إلاّ فارسة فوق جوادها حرة أبية تحلقين في معالي السماء وكل هذا في سبيل رضى الملك العلام

أختاه و الله أنت في سعادة وطمأنينة قد فقدتها صديقاتك ورفيقاتك وقد قال العابد الزاهد إبراهيم بن الأدهم

(( نحن في سعادة لو علم الملوك والأمراء تلك السعادة لنازعونا عليها بالسيوف))

نعم فعزك وفخرك وسعادتك بحجابك وطهرك وغربتك أيتها الغريبة , فانظري إلى تلك السعادة التي تكونين بها عند تلاوة القرآن أو الاستماع إليه فقد بلغت مكانةً لم يبلغها أحد من العالمين ولقد صدق شيخنا الملهم المربي العالم التقي الشهيد شيخ الإسلام بن تيمية حين قال

(( في الدنيا جنّة لا يدخل جنّة الآخرة من لم يدخل تلك الجنّة))

هل تعلمين ما هذه الجنة إنها القرب من الله ولذة مناجاته

أختاه الفاضلة إذا ما سخرن منك ومن حجابك والتزامك فتقبلي ذلك برحابة صدر وبقلب مشفق عليهنَّ وحاولي أن تظهري لهنَّ أنك لست منزعجة كارهة حتّى لا يكررن السخرية حاولي نصحهنَّ بالحسنى فإن أبين حاولي إيجاد طاهرة نقية مثلك فلن تخلو الدنيا أبداً

أختاه انظري إذا ما مشيت في الطريق كيف حتّى الفاسق الماجن يحترمك ويقدرك ويخشى المساس بك بينما هنَّ بضاعة معروضة لكل راءٍ وناظر

أختاه و الله أنت أجمل وأكرم وأعز وأفضل بحجابك والتزامك وقربك من الله , واعلمي أنّ الجائزة هناك في الدار الآخرة وأنهنّ سيندمن على كل ساعة قضينها في معصية الخالق بل على كل دقيقة وثانية قضينها في الحرام قال الله :

ِإنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ{29} وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ{30} وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ{31} وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ{32} وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ{33} فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ{34} عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{35} هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{36} المطففين

هذه كلمات خرجت من أخ لك يخشى عليك الزلل واعلمي أختاه أنك أعلم مني بها لكنها تذكرة فعسى الذكرى تنفع المؤمنين فما رأيتِ من حُسن الكلام والبيان فهو من الله العزيز الرحمن فله الحمد والمنَّة وأسألك الدعاء وما رأيت من شطط وزلل فمنِّي ومن الشيطان أستغفر الله منه وأعوذ بالله من الشيطان

أخيراً على الأهل مراعاة غربة الفتاة في مجتمعها وذلك بعدم التشديد عليها في المنزل فما تراه من جمال لباس صديقاتها لا بأس إن لبسته في المنزل حتَّى لا تشعر بالحرمان أو بأنها من عصر أخر ويجب أن يُحسن الأهل التعامل مع أولادهم فوالله الولد أو البنت الصالحَين هما كنزٌ ثمين في البيت علينا حفظه ورعايته وصونه .

كتبت هذه الكلمات محاولاً أن أجد العلاج الناجع لمرض الغربة الذي نعيشه ولا أرى غير الاعتزاز بهذا الدين هو خير علاج .

كتبتها والقلب يعتصر على مسلمين لا يعلمون من الإسلام غير اسمه ومن الدين غير رسمه نسأل الله الهداية للجميع و اعلموا أنّ من خطَّ هذه الكلمات بأمس الحاجة للدعاء فلا تنسوه ووالديه وأصحاب الفضل عليه من دعوة صالحة في ظهر الغيب.