تعليم الجهل أم البحث عن المجهول
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي |
علاء الدين آل رشي المدير الإعلامي في مركز الناقد الثقافي |
ليس دفاعاً عن اتحاد العلماء المسلمين ولكنها محاولة لفك المركزية الفكرية عند الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ؟
لا أريد لمقالي هذا أن يوفر على الآخرين متعة البحث ومشقة التفكير، فكما تقول الحكمة :
((إذا كان الجميع يفكرون بطريقة واحدة فهذا يعني أن الجميع لا يفكرون )).
وإنما أهدف :
أولا: نصح الشيخ البوطي وهو الذي شرح لنا في مسجد تنكز في أوائل التسعينيات حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:( الدين النصيحة )، فهذه نصيحة من :
o مسلم يفرق بين الفكرة وقائلها، فلا يقدس الفكرة لمجرد أن قال بها فلان.
o مسلم لا يؤمن بعصمة الأشخاص فزمن المعصومين انتهى .
o مسلم يؤمن أن مصداقية الفكرة لا تستمد من مكانة قائلها، وإنما من عمق دلالتها وحجيتها، لأنه كما يقول بعض الباحثين :
((قد تأتي الألقاب مرتبطة بالدين مثل فخر الدين والدين ليس له فخر واحد ، ونصير الدين والدين ليس له نصير واحد،ولي الدين والدين ليس له ولي واحد ))[1].
o مسلم لايحول الجهد العقلي إلى أضرحة مقدسة تعبد من دون الله سبحانه وتعالى .
o مسلم لايؤمن بإكليروسية ولا بكهنوتية بل بواجب نقد السلطة الدينية فهي الفريضة الغائبة الأوجب في زمن كما علمتنا أنت فضيلة الشيخ (( أصبح الإسلام كلاً مباحاً يتحدث فيه من يشاء بما شاء وكيف شاء )).
o من مسلم إلى عالم يحبه ويحترمه ولكن الحقيقة والبحث عنها أقدس عنده من أي كائن مهما علا قدره .
ثانياً :إثارة البعض في أفكارهم كي يتماهوا مع قاعدة لطالما تعلمتها من الشيخ البوطي : ((إن كنت ناقلا فالصحة أو مدعياً فالبرهان)).
ثالثاً :حتى لا نقع في غواية التفكير المزيف المنهي عنه شرعا ( ولا تقف ما ليس لك به علم ).فلا نصدق أحداً ونسلمه عقلنا فلا زعامة فكرية مؤبدة .
أستاذي الكريم الدكتور محمد سعيد :
لقد عاب الفلاسفة على توماس هوبز مقولته : (الخير مايسر الإنسان والشر مايحزنه ) لأن هوبز بمقولته تلك لايعترف ((أن القيم الأخلاقية موضوعية)) و((إنما ذاتية تخضع لمزاج الإنسان ))[2].
أخشى عليك سيدي أن تكون مزاجياَ على طريقة هوبز أي أن الصواب ماتسر به والشر مالا تعجب به ؟!
فهل من الممكن أن تجيب على سؤالي :
ما مقياس صواب الآخرين عندك ؟!
أرجوك ، لا تقل لي : الإسلام، فالآخر أيضاً ممن تنتقده يجتهد مثلك وربما كان مقنعاً أكثر منك .
أستاذي الدكتور :
ü هلا تواضعت، وقلت: هذا رأيي وليس حكم الإسلام ؟ فليس من حقك ولا من حق أي شيخ تنصيب نفسه نائباً عن الله في الأرض فما رأيك ؟!
سيدي الشيخ :
إن من تأمل أحاديثك وجوانب من سيرتك الفكرية يراك مقاتلاً عنيداً ومقاوماً شرساً ضد كل من قد يختلف معك وكأن فكرك مركزي لا خروج عليه، ألا تشعر بحرج جراء ذلك ؟
ألم تفكر يوماً ما بالاعتراف أنك ساهمت في فترة من الفترات في تمزيق الأمة عندما أعليت فكرة الالتزام المذهبي، وطاردت أوهاماً كنت تظنها حقائق عندما كتبت كتاب السلفية !!واستطعت تحنيط العقل المسلم في خلافات لا تفيد إلا في التوقف والذي هو في حقيقته عين التخلف !!
هل من الواجب علي أن أدرس طريقتك في فهم العقيدة وأن أنازل المعتزلة والخوارج و...
أليس أمام الإسلام معركة أكبر من منازلة هؤلاء ؟! صدقني إنها محوريتك ومركزيتك غير المقنعة والتي تتجلى أيضاً قي نصوص كثيرة من مقدمة فقه السيرة النبوية !!
فضيلة الدكتور : عفوا لقد نسيت فمارست حقي في المساءلة والاستفهام والنقاش معك دون أن أعرفك بمن يناقشك وذلك حتى أريحك فلا تبحث أسفل الصفحة أو تسأل زائغ القلب والفكر فيحدث غاشاً ،وإذا كان الشيخ محمد الغزالي يقول طبيعة الخير الوضوح والتكشف وطبيعة الشر الإبهام والغموض فمن واجبي أن أكون واضحا شفافاً.
أسارع القول :
ü إني لم ولن أنتسب إلى حزب سياسي، فالإسلام أعلى من أي راية رفعت باسمه ومن أجله كما علمني أستاذي أحمد معاذ الخطيب .
ü أحترم رموز المصالحة والفقه التجديدي كالدكتور محمد الحبش .
ü لي صلات حب وتقدير مع آل الفرفور وآل كفتارو .
ü أعتقد الخير الكثير في مدرسة الشيخ حسن حبنكة والرفاعي والدقر وغيرهم .
وحتى لا تصفني بما قلت في أحد كتبك عن الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني يرحمه الله بـ ( المشبوه )، أعلمك سيدي الكريم أني مسبقاً أتنازل لك عن حقي في نعتي بأي صفة تراها وإن كان من الأحب إلي أن تصفني (بالمسلم الناصح).
أجل، سأسامحك في الدنيا من أي مساءلة ولكن لن أعفيك من وقفة يوم القيامة وأنا أسال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
يارسول الله :
ü هل تقبل أن أشتم ولا أعامل من متحدث باسم الإسلام كما عاملت أنت الأعرابي الذي بال في المسجد ؟!
وإمعاناً في الوضوح سأسهل لك معرفتي أكثر حتى لاتنشغل –كما هي عادتك – بترك نقاش الفكرة وصب هجومك ونقدك على قائلها!! .
علاء الدين محمد علي آل رشي مسلم سوري من أصول كردية، تربيت بين يديك خمسة عشر عاماً !!أستمع إليك في مساجد دمشق الحبيبة، ودرست الشريعة في معهد المحدث بدر الدين الحسني وتعلمت من ابنكم فضيلة الشيخ توفيق الكثير من العاطفة لديني، وتابعت الدراسة حتى قبلت في درجة الدكتورة إدارة الأعمال .
في جميع مراحل حياتي كنت شكلاً ومضموناً مستقلاً فأنا مواطن بلا حزب أو جماعة، حتى إن الإخوة السلفيين توعدوني بالنقد والكشف عن حقيقة مذهبي واعتقادي وشهروا بي في بعض مواقع النت، وبهذا:
أغلق الباب عليك سيدي دون تصنيفي تصنيفاً يثير الخوف مني !!
وزيادة في تطمينك راجع ردي على الدكتور طيب التيزيني عندما نقدك في حوار له مع المستقلة فكتبت مقالاً دفاعياً حماسياً عنك حمل اسم ((ويبقى العملاق عملاقاً)) في إشارة إليك ، واليوم أجد نفسي قد بالغت في الثناء عليك وفي نقدي للدكتور الطيب التيزيني فأرجو أن يعد كلامي هذا تراجعاً واعتذراً .
أعمل حالياً في النشر وقد دعمت كاتبة وكلفتها كي تبحث وتنقب في كتبك وأصدرنا عدداً خاصاً عن أفكارك تم تقسيمها وفق أبواب تعبر عن وعي وفهم لفكرك لكن كل هذا الاحترام في جانب والبحث عن الحقيقة في جانب آخر .
2
هناك عشرات الكتب ومئات المقالات التي تنقد وتحاور الشيخ البوطي، ومع أني لا أتفق مع الكثير منها إلا أني أحترم كاتبيها ذلك لأنه و –بصراحة تامة - لم يترك الشيخ سعيد له صاحباً لكثرة إطلاقياته التي تتجافى مع العقل والنقل .
فضيلة الشيخ : ربما ستسأل مالدافع وراء هذا الشاب حتى يحاورني وهل مثلي متفرغ لمثله ؟!
لأكن صريحا ً معك حتى لاتتعب نفسك في التفكير والبحث عن مؤامرة وجهة تعزوني إليها وسأبدي لك سر نشاطي الذهني في إقامة رياضة عقلية معك إنها خطبتك التي أسمعتنا إياها في يوم الجمعة،(( 12 محرم، 1430 الموافق 09/01/2009م )). عن دور المؤسسات الدينية تجاه غزة.
المشهد مبك والشعوب هائجة والدم يسيل وأنت عوضاً عن الفاعلية والتحرك، تكتفي بخطبة جمعة تصفها أنت في نفس الخطبة بقولك ((وأنا أيها الإخوة لا أعني بالتحرك على المستوى الديني الأنشطة التي يقوم بها الأفراد من أمثالي، لا أعني خطباً تُلْقَى ولا مواعظ تُسمَع ولا بيانات فردية تُكتَب فإن ذلك كله في الغالب يذهب أدراج الرياح))
ياسيدي أنت تصف جهدك وجهد أمثالك بأنها تذهب في الغالب بلا فائدة ثم تقدح وتلمز هنا وهنا بالفاعلين الناشطين فمن ترضى عنه فقد احترنا في أمرنا !!.ومع احترامي لك فأنا أخالفك إذ أي جهد مقدر مهما صغر في ظل حريق عام. ثم ما الذي تطلبه من الخطباء القيام به ؟!
يقول فضيلة الشيخ البوطي حفظه الله تعالى :
((لا أعني الزفرات الاصطناعية أو الحقيقية التي يطلقها بعض هذه المؤسسات هنا وهناك وإنما أعني أن تجتمع هذه المؤسسات كلها على إصدار فتوى تعلن من خلالها حكم الله سبحانه وتعالى، تعلن من خلالها قرار الشريعة الإسلامية في حق من يمدون يد التواصل والود والقربى إلى أعداء الله وأعداء الإنسانية وأعداء إخوانهم في الدين)).
ياسيدي الشيخ :
هل من التفكير العلمي أن تناقش الفكرة بوصف قائليها بأن زفراتهم اصطناعية أو حقيقية ؟
لماذا تريد من الناس أن يسأموا خطابك الذي يتمحور حول ذاته ويدخل إلى نوايا الناس فيحاسبها ؟!
هل تريد منا أن نقتنع أن بكاءك أثناء الدرس خشية من الله أما زفرات من يعمل ولم يحظ برضاك فهي اصطناعية وقد تكون حقيقية؟!.
بالله عليك أليس من المعيب أن تدخل إلى نوايا المسلمين ؟! ومن تقصد بتلك الزفرات ومن هم أصحابها!!
إن الباعث على حواري معك ليس المناقشة من أجل تعديل موقفك من المؤسسات الدينية بل أشترك معك في نقدها فكثير منها يسهم في اللعب على الناس، ولكني أهدف من نصحي لك تحرير عقلك من الأفكار المسبقة وتحرير ذهنك من شواغله التي لاعلاقة لها بالحقيقة .
فضلا ياسيدي : ألم تتعرف على شيء اسمه (فن الإنصات) بالله عليك مارسه بعيداً عن مركزيتك فربما ساهم في تلاق بينك وبين الكثيرين من العاملين في الدعوة الإسلامية من الذين يجافونك وتجافيهم ؟!
هل تعرفت على (فكرة التعاطف) أي أن تضع نفسك في مكان المتكلم وترى ما تحدث عنه من وجهة نظره ومن ثم تستطيع تأجيل الحكم لماذا لاتأخذ بعين الاعتبار مايمكن أن تسهم في كلامك من جناية على جهود مثمرة.
يقول شيخي الدكتور البوطي : ((الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو اسم لعلكم سمعتم به منذ أيام وأنا أيضاً سمعت به منذ أيام وإنه لاسم كبير كبير ولا أدري أين يكمن مسماه، أين هو التحرك من هذه المؤسسات على الصعيد الديني الذي يوازي خط التحرك السياسي)).
لن أدافع عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فأصحابه وشيخه ليسوا بحاجة لمثلي ولكن أناقشك في خلل تقديرك الفكري الذي يتلخص في :
ü التبسيط المخل : فلا يصح وأنت تخاطبنا أن تقرر علينا أن (اسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ) اسم سمعنا به منذ أيام صحيح أن الاتحاد زار دمشق مؤخراً، وهي خطوة فريدة لاتحاد العلماء وإيجابية تشكر عليها الدولة على حسن تواصلها مع الطيف الإسلامي الواسع .
v ولكن ألا تستغرب حقاً سيدي الشيخ أن تكون أنت آخر من يسمع عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ؟!!
v لماذا لم تشتغل بالتواصل مع مفكري العصر والمتحدثين عن الإسلام ولما لا تسأل الشيخ القرضاوي عن مشروع الإتحاد وهل وصل بنا البعد عن العقل العلمي أن ندرس الجهل بدلاً من البحث عن المجهول ؟!
ثم ليس من أيام سمعنا بالاتحاد العالمي فالكثيرون سمعوا به منذ أعوام وقد جاء في أخبار موقع إسلام أون لاين ولا أعذرك أبدا إن لم تكن لك به صلة جاء الخبر الآتي :
لندن- علي الحلواني- هاني بشر- إسلام أون لاين.نت/ 12-7-2004 :
((دشن علماء ومفكرون مسلمون الأحد 11-7-2004 في مؤتمر تأسيسي في لندن "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يهدف إلى تشكيل مرجعية دينية للمسلمين فقهيا وثقافيا في جميع أنحاء العالم.
وقد نظمت المؤتمر لجنة تحضيرية يرأسها الداعية الإسلامي دكتور يوسف القرضاوي. وشارك في أعمال المؤتمر التأسيسي علماء سنة وشيعة ومفكرون ورؤساء هيئات من الدول العربية والإسلامية، يتصدرهم الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام الجديد لمنظمة المؤتمر الإسلامي.))
أكرر لك سيدي الشيخ إن حواري معك ليس دفاعاً عن أي مؤسسة ولكن أردت الوقوف أمام منهجك الفكري في بعض تجلياته لا كلها - القائم على :
يقول أستاذي الدكتور البوطي :
(((الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هذا الاسم ينسجم انسجاماً تاماً مع فتوى ينبغي أن تصدر من هذا الاتحاد ولكنه لا ينسجم أبداً مع تحرك أعضاء هذا الاتحاد يميناً وشمالاً حركات سياسية تنافس أو تسابق أو تزاحم الناس المختصين بالسياسة والذين يتحركون بطبيعة الحال في هذا الصدد وعلى هذا المستوى
من مشكلات الدكتور البوطي في بعض مواقفه المتسرعة التمسك بالنظرة الظنية والدفاع عنها بوسائل غير علمية لا تصمد أمام النقد .
الاتحاد العالمي صباح مساء يصدر الفتاوى التي تدعم صمود غزة وتحث على النصرة ولكن المشكلة أن فضيلتكم لا فضولية لها أي لا تسأل ولاتبحث وتعتمد الظن والتخمين .
ثم من قال لك :
(إن الإتحاد يزاحم السياسيين في شيء))
إن مايقوم به الاتحاد من الزيارات هو نوع من الخروج عن ذهنية مخاصمة الحاكم وحسن الصلة والتواصل مع القيادات بالتي هي أحسن والخروج من دائرة التشهير والتكفير إلى المصارحة والمناصحة .
سيدي الكريم لا خير فيك إذا لم تستمع لنصيحتي ولاخير فيَّ إن لم أقل لك ما أؤمن به وأذكرك ياسيدي بضرورة التوبة من كبائرك الفكرية والتي منها تجنيك غير المقنع على مدرسة الإصلاح ورموزها الأفغاني و محمد عبده .فقد بالغت وطففت حتى خرج أناس على المنابر يقولون إثماً وعدواناً
و أن تعلمنا أن الإسلام ليس أنت فحسب وأن تتواضع وتتواصل مع الجميع وأن فهمك للإسلام ليس هو الفهم الصحيح الأوحد وأختم مقالي هذا بدعاء رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين زميل الدعوة ونصير فكرتك فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي : اللهم اجعل يومنا خيرا من أمسنا، واجعل غدنا خيرا من يومنا.ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير .