إلى رجل المخابرات

فراس حج محمد

[email protected]

الحمد الله الجبار، العزيز القهار، مذل الكافرين وأعوانهم، وناصر المؤمنين وأشياعهم، مقدر البلوى على عباده الصالحين، والخزي والعار على المنافقين، سامع الدعوة، مستجيب الاستغاثة، لا يغفل ولا ينام، ولا يعجزه تجبر الأنام.

والصلاة والسلام على محمد الأمين مبلغ وحي السماء، ومتمم رسالة الأنبياء، جاعل العلماء ورثته، وحملة الدعوة مبلغين لرسالته، صاحب الوعد الصدق، والقول الحق.

أما بعد؛

فيا أيها المخابراتي: إني ناصحك نصيحة الشفوق، من سويداء قلب رؤوم، يفيض بحبك، لأنك مسلم قبل أن تمتهن هذه المهنة التي حولتك من رجل تقوى وصلاح إلى رجل لقطة أخبار ومتزيد أفعال، فعلك فعل أتباع الشياطين من الكهنة في تلك الجاهلية العمياء يتسمعون الأخبار فيتزيدون ويزيدون حتى يملأ كذبهم عنان السماء ويفيض منه قراب الأرض، وإذا بالصدق فيه معدوم، وبعد هذا ما هي النتيجة التي تجنيها من محيطك التي تعيش فيه، ينظر إليك نظرة المرتاب، يتوجس منك الخلق فتنبذ نبذ النواة، وتحارب، وتكون كمن فقد مبرر وجوده بين أهله وناسه.

إني ناصحك لأنك من أمة المليار، أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، أنصحك بأن تصير نصيرا للأتقياء رديفا للأبرار، بأن تظل في صف أمتك، لا تخرج من دائرتها؛ لتؤديَ خدمات ممجوجة إلى أعدائك وأعداء دينك، تحارب- كما يحاربون- أهلك وعشيرتك وإخوانك وأصدقاءك، وكل ذلك مقابل ماذا؟ ... دراهم معدودة، إنها لعمر الحق ثمن بخس مقابل ما أنت صانع بأهل بلدك؛ تبيعهم بمتاع زائل من الدنيا، ويا ليت ذلك لعزك وعز مسئولك، بل إن ذلك من أجل ذلنا جميعا وعز أعدائك الذين هم أعداؤنا، المتربصين بهذه الأمة الدوائر- عليهم دائرة السوء- من أمريكان وصهاينة وغرب ملحد كافر، جيش جيشه بكل ما أوتي من سلاح لحربنا وللفتك بنا، فكيف تمكن له ليغتال أمك أو أخاك أو حتى جارك؟! إنه لا يراعي فينا إلا ولا ذمة.

أيها المخابراتي الهمام الصنديد الشجاع:

تختار أهل الصلاح لتزج بهم في أتون سجون الظالمين، فتكون سببا في شتمهم وضربهم وربما في قتلهم، ونسيت أن من آذى مسلما فقد آذى نبيه ومن آذى نبيه فقد آذى الله تعالى، ومن قتل مسلما أو تسبب في قتل مسلم فقد باء بذنبه وإثمه ولحقته السبة ولزمته الجحيم، إنك متسبب في أذى المسلمين وقتلهم دون سبب، تذكر عندما يتعلق بك القتيل يوم القيامة، ماذا ستجيب؟؟

تختار من صلى وصام، ومن لزم القيام، وكانت أخلاقه النبراس، تختار أهل التقوى والدين، من كانت سكناته تأملا، وحديثه دعوة، ومشيته في الظلم طاعة لله، لا للتجسس على عباد الله، سهر من أجل أمته لتحيا أنت حياة عزة وكرامة، لم يغمض له جفن وهو يفكر كيف يخلص العالم من ظلم الظالمين، وجشع المستبدين، وطمع الرأسماليين، وحقد الملحدين على دينك، هذا الدين الذي دثرته بغطاء سميك، وهللت له حتى غط في أعماقك في سبات عميق، آما آن لك أن تزيل غشاوة عينيك وغلف قلبك لتكون من المدافعين عن الكرامة والدين والعرض والمال، ولتكون سندا للمسلمين.

أيها المخابراتي:

لقد اشتغلت بمن هو مانعك وحاميك، ومؤمن لك مجتمعا يفيض حنانا وتآلفا، ونسيت العصاة، وغضضت الطرف عن المخربين، العابثين بأمنك وأمننا، نسيت شلة من زعران مخابيل، لم يتركوا إنسانا إلا وقد نال من آذاهم، حتى لحق أذاهم بالشجر والحجر والحيوان، نسيت أو تناسيت ما بفعل هؤلاء من تدمير في القيم عبر شبكات إرهابية، تشيع الفاحشة عبر صور فاضحة وأفلام خليعة، فلمَ لا تحاربهم، وتدفع بهم ليطالوا ولو جزءا مما يستحقون من أليم عقاب أسيادك؟ أضمنت ألا يقع في حبائلهم ولدك أو ابنك أو حتى أختك أو زوجتك، أم أن هؤلاء عند الماجنين هم الرجال الرجالُ!! رضي عنهم سيدك فأرضاهم ومنحهم حسن سلوك، سيدك مفتقر شرف حيازته أصلا، وأما من كان مثالا للتقوى والشرف فإنه معاقب مسجون، يعيش في أقبية التحقيق.      

أيها المخابراتي المخلص لمن يكيد للأمة:

كيف تنام، وقد بلعت عظام الناس، ومضغت لحمهم، فبقيت عمورته بين أسنانك تؤلم ما تبقى من أضراس العقل في ما فسد من كلام، تعده في عقل خبث فكره، وأسنت معلوماته، فلا يأتي بخير لنفسه فكيف لغيره؟ كيف تنام، وقد ظلمت الخلق، وتناسيت الخالق، الذي توعد الظالمين بشر العاقبة، ووعد المظلومين بنصرة دعوتهم ولو بعد حين، هل لك قدرة على حرب الله عزت قدرته، تذكر كم من جبار قصمه مولاك، وكم من عاتية دمره المنتقم الجبار، لم يسلط عليه إلا أحقر مخلوقاته، تذكيرا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

تذكر أنك لو مرضت لن تشفى إلا بقدرة الله، فكيف بك يا مسكين وقد أتاك ملك الموت وربض فوق صدرك نازعا روحك، هل تستطيع دفعه؟ أم هل تملك يا مسكين رده، وإن ملكت ما ملكت، وأنت في الحقيقة لن تملك شيئا، لأنك ما أنت إلا خادم وتابع وذليل.

أيها المخابراتي:

تذكر قدرة الله عليك، وأنت تخط بقلمك استدعاء مسلم ليقابل ما هو في المرتبة دنيء، وفي ميزان الله خسيس، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، تذكر أنك قد تفقد عينيك أو تُصم أذنيك أو قد تقطع أوصالك بحادث عرضي من تدبير من لا تأخذه سنة ولا نوم، فتقعد ملوما محسورا، نادما، ولات ساعة مندم.

تذكر أن من كتبت فيه التقارير، وأدى ذلك لاعتقاله، تذكر خوفه وجزع صغاره وزوجته، وما تخلفه فيهم من حسرة دنيوية تنقلب عليك حسرة في يوم لا تستطيع فيه دفاعا، وقد فرطت في جنب الله، تذكر أن ترويع المسلمين ليس بقليل عند الله سبحانه، تخيل كم يكون الظلم قاسيا، وكم تكون الدعوة موصولة بالله، وكم يكون القلب معلقا بالجبار، مستعيذا بالله منك ومن جلاوزة أنت جرأتهم عليه، لا يفهمون ولا يتدبرون، هلا نأيت بنفسك عنهم.

أيها المخابراتي:

اتق الله إن كنت ما زلت مؤمنا بوجوده ومؤمنا بجنته وناره ومتيقنا من شديد عقابه، اتق الله قبل أن يكون حالك حال من" قال رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت" ساعتئذ لا مفر من غضب الله.

أؤجل سلامي عليك حتى ترجع إلى صف الأمة وتقوى الله.