نريدُ العودةَ إلى الإسلامِ بحذافيرهِ

شيماء محمد توفيق الحداد

[email protected]

تمهيد:

تناولتْ إحدى المجلات الهادفة موضوعَ الاختلاط كتحقيق صحفي، وهالتني آراء بعض النساء اللواتي يردنه وبكل إصرار!، فأردتُ أن أعقِّب على ذلك التحقيق وعلى آرائهن، لكن بتوسُّع أكبر.. ولا أدري متى يكفُّ ضعاف النُّفوس من عصاة المسلمين وكفار العالم عن تكرير أفكارهم المنحرفة المهاجِمةِ للإسلامِ – رغم وضوح فسادها وبيانه – ممَّا يدفعنا إلى تكرير الرَّدِّ أيضاً[1]!!..

إنَّ ممَّا لا شكَّ فيهِ وَلا ارتيابَ أنَّ دينَ الإسلامِ – المتمثِّلَ في أوامرِ اللهِ تعالى – خيرٌ كلُّهُ للنَّاسِ أجمعينَ؛ مسلمِهم وَكافرِهم، وَمنِ اعتقدَ خلافَ ذلكَ أو ظنَّ خيراً منهُ لمْ يكنْ مستحقّاً لصبغةِ الإسلامِ الحميدةِ، وَلغدا جاحداً لفضلِ اللهِ تعالى كافراً بأنعمهِ، وَالعياذُ باللهِ منْ ذلكَ..

*   *   *

كانَ الجاهليُّونَ يئدونَ البناتِ خوفاً منْ قهرِ الرِّجالِ إذا ما زلَّتِ النِّساءُ، وَكانتْ أقوامُ الفرسِ وَالرُّومانِ تمتهنُ المرأةَ بشكلٍ تضاءلتْ أمامهُ عادةُ الوأدِ عندَ العربِ، وَذلكَ لمرضٍ في قلوبهم وَغرورٍ فارغٍ في صدورهم دفعهم لاحتقارِ الضَّعيفِ – المرأةِ – وَلتقديسِ القويِّ – الرَّجلِ -، فلمَّا جاءَ الإسلامُ قالَ: الشَّرفُ غالٍ وَثمينٌ، وَالامتهانُ خلقٌ مشينٌ، وَالقتلُ جُرْمٌ مبينٌ، فلماذا لا يكونُ هناكَ حلُّ وسطٍ؟!..

هذا الحلُّ لا يقدرُ عليهِ إلا ربُّ البشرِ الخبيرُ بشؤونِ وَأحوالِ عبادهِ وَإمائهِ، وَالحلُّ هوَ تربيةُ البناتِ التَّربيةَ الإسلاميَّةَ الصَّحيحةَ وَتنشئتهنَّ على الفضيلةِ وَالصَّلاحِ وَالتُّقى وَالحياءِ وَالحشمةِ؛ فلا تبرُّجَ وَلا سفورَ وَلا اختلاطَ صوناً لكرامتها أنْ تهانَ، وَحفظاً لشرفها أنْ يدنَّسَ، وَإبقاءً على نقاءِ وَسموِّ مكانتها في المجتمعِ أنْ تُمَسَّ. فكانتِ المرأةُ أيَّامَ العهودِ الإسلاميَّةِ الزَّاهرةِ ملكةً بدونِ تاجٍ، بلْ لعلَّ المتوَّجاتِ منَ الملكاتِ يحسدنها على ما هيَ فيهِ منْ نعيمٍ وَإكرامٍ؛ هيَ درَّةٌ مكنونةٌ ثمينةٌ يكدُّ الرَّجلُ لأجلها سحابةَ نهارهِ وَجزءاً منْ ليلهِ ليوفِّرَ لها لقمةَ عيشها وَرفاهيةَ نفسها[2]، هوَ المسؤولُ عنها أباً كانَ أو أخاً أو زوجاً أو ابناً. يكونُ معها في غدوِّها وَرواحها لا شكّاً فيها فهيَ فوقَ الشَّكِّ وَالريبةِ وَأمنعُ منَ النَّجمِ وَأنقى منْ ماءِ السَّحابِ، بلْ حارساً أميناً لها يرمي ذئابَ الطَّريقِ الشَّاردةَ بشواظٍ حارقٍ منْ نارٍ لتبقى هيَ – المرأةُ - القمَّةَ السَّامقةَ المستعصيةَ على الهوامِ، وَهلْ تسيرُ الملكةُ دونَ موكبٍ؟!. وَحجابُها إبرادٌ؛ إذْ ما عرفَ النَّاسُ قط ألماسةً غادرتْ سترَها أوْ فرَّتْ منْ حصنها المنيعِ، وَلا جوهرةً رمتْ نفسَها في يدِ وغدٍ أثيمٍ وَسارقٍ لئيمٍ.

وَالشَّابُّ عفيفٌ تقيٌّ نظيفٌ إذا ما حدَّثتْهُ نفسُهُ بالمعصيةِ تذكَّرَ مراقبةَ اللهِ تعالى لهُ وَاستشعرَ حرَّ نارِ جهنَّمَ وَخافَ منِ انتقامِ العزيزِ الجبَّارِ منهُ في شخصِ أختهِ أوِ ابنتهِ أو زوجهِ أو حتَّى أمِّهِ فارفضَّ جبينُهُ عرقاً، وَتوهًَّجَ وجهُهُ بحمرةِ الخجلِ وَالخوفِ، وَولَّى قاهراً شيطانَهُ محصناً نفسَهُ لائذاً بالرَّبِّ الرَّحيمِ. لا مغريات أو تبرُّجَ أمامَهُ لينفرَ منْ زوجتهِ أو ينصرَ شيطانَهُ على نفسِهِ؛ فبالتَّالي لا فسْقَ وَلا فجورَ وَلا همَّ وَلا خوفَ وَلا عارَ وَلا.... عنوسةَ.

بيدَ أنَّ هذا العيشَ الطَّاهرَ السَّعيدَ الرَّضيَّ لمْ يَرُقْ إبليساً اللَّعينَ صاحبَ الوعدِ المشؤومِ بإغواءِ البشرِ؛ فأخذَ ينفثُ في ثعابينِ حقدهِ منْ شياطينِ الإنسِ وَالجنِّ وَالكفَّارِ وَالفسَّاقِ ليسودَ الفسادُ كوكبَنا الجميلَ وَيدنِّسَ حياتَنا الفاضلةَ. وَبدلَ منْ أنْ نتكاتفَ كبشرٍ يرنونَ نحوَ السَّعدِ وَيرجونَ الرَّخاءَ إذا ببعضِ النَّاسِ يتشدَّقونَ بكلامٍ يدعو إلى الانحلالِ وَالضَّلالِ، وَكانتْ ثمَّةَ قضايا أوهى منْ خيطِ العنكبوتِ تشبَّثوا بها فِعْلَ الغريقِ، منها:

1-  أنَّ الرَّجلَ الَّذي ينفقُ على حريمهِ إنَّما يتَّخذُ ذلكَ وسيلةً لإذلالهنَّ وَتعذيبهنَّ وَإهانتهنَّ مستغلَّاً إنفاقَهُ وَقوامتَهُ كما هوَ واردٌ في القرآنِ الكريمِ!،  وَالصَّحيحُ في هذا الأمرِ أنَّ الإسلامَ ـ الَّذي أنقذَ المرأةَ منَ الموتِ صغيرةً وَمنَ الامتهانِ كبيرةً وَهيَّأَ لها حياةً كريمةً طوالَ عمرها ـ لمْ يفرضِ النَّفقةَ على الرَّجلِ للانتقاصِ منْ شأنِ المرأةِ، لا بلْ لأنَّ الرَّجلَ ذلكَ المخلوقَ القويَّ الجسدِ المتينَ البنيانِ ينقصهُ شيءٌ مهمٌّ في حياتهِ الصَّلدةِ وَظروفِ عملهِ القاسيةِ؛ إنَّهُ المرأةُ بحنان أمِّهِ وَعطفِ أختهِ وَمودَّةِ زوجتهِ وَأُنْسِ ابنتهِ. فإنْ أردتَّ ذلكَ أيُّها الرَّجلُ فيجبُ أنْ تنفقَ وَتحميَ وَتصونَ، وَإنِ امتهنتَ المرأةَ بسببِ ذلكَ فأنتَ جاهلٌ لا يهمُّكَ أنْ تعملَ نساؤكَ هرباً منْ لسانكَ في نفسِ الوقتِ الَّذي تُراقُ فيهِ كرامتهنَّ أمامَ ذئابِ الطَّريقِ المسعورةِ، وَأنتَ بهذا الآثمُ الأكبرُ وَلكَ العذابُ الشَّديدُ منَ اللهِ تعالى جزاءَ مخالفتكَ أوامرَهُ؛ حيثُ إنَّكَ مجبَرٌ على البذلِ لهنَّ.    

2-  قضيَّةُ التَّعليمِ: الإسلامُ لمْ يحرمِ المرأةَ التَّعلُّمَ وَلا التَّعليمَ، بلْ إنَّهُ حثَّ عليهِ وَبشدَّةٍ لتعبدَ الواحدةُ منَّا ربَّها عنْ يقينٍ، وَتربِّيَ أطفالَها عنْ وعيٍ، وَتكونَ مصباحاً منيراً في ليلِ الجاهلينَ الغافلينَ، لكنَّهُ وضعَ قوانينَ لحمايتها أنْ تزلَّ وَتردى ليسَ غيرُ، وكثيراتٌ أولئكَ اللَّاتي كنَّ أستاذاتٍ عبرَ التَّاريخِ[3]، وَلكنْ في إطارِ العفَّةِ وَالاحتشامِ.

وَقدْ تناولَ التَّحقيقُ جانبَ الاختلاطِ في المجتمعاتِ، وَهوَ موضوعٌ خطيرٌ لاستشرائهِ الكبيرِ وتأييدِ المغفَّلينَ وَالمغفَّلاتِ لهُ؛ فواحدةٌ تنعي على المجتمعِ السُّعوديِّ – أدامَ اللهُ سترَهُ – منعَهُ دخولَ المرأةِ في مجالاتٍ تعرِّضها للاختلاطِ، وَأخرى تؤيِّدُ الاختلاطَ لأنَّهُ سادَ معظمَ الوظائفَ!!!، وَهلْ منَ الضَّروريِّ أنْ تتوظَّفَ المرأةُ؟!، ألا يكونُ لها كِيانٌ إلا إذا أشبهتِ الرَّجلَ في هذا المجالِ[4]؟!. إنَّهُ ذنبُنا أنْ حِدْنا عنْ تعاليمِ الإسلامِ فغدتِ المرأةُ العاطلةُ (!!) مثارَ احتقارٍ وَنفورٍ بعدَ أنْ كانتِ المرأةُ العاملةُ محطَّ إشفاقٍ وَرِثاءٍ. لقدْ أبتْ – كما يبدو – قطرةُ الماءِ النَّديَّةُ أنْ تبقى في جوفِ السَّحابِ معزَّزةً مصونةً تنظرُ إلى الدُّنيا منْ علٍّ فلا ترى منها إلا الخضرةَ وَالجمالَ، لقدْ أبتْ ذلكَ وَآثرتْ أن تهبطَ إلى الدُّنيا  - الدَّنيَّةِ – لتختلطَ بطينها وَأوحالها وَتلاقي أنواعَ المخلوقاتِ الشَّرسةِ وَالهوامِ الدَّنيئةِ. وَالمصيبةُ أنَّ قطراتِ السَّماءِ تلكَ تروي العِطاشَ وَتنبتُ الزَّرعَ بأمرِ اللهِ تعالى، أمَّا المرأةُ الَّتي هذا حالُها فتسكبُ ماءَ وجهها وَتذرُّ بقايا حيائها دونَ مقابلٍ سوى كمٍّ منَ نظراتِ الاحتقارِ وَكلماتِ السُّخريةِ وَالاستهزاءِ.

هذا بالإضافةِ إلى افتقارِ الشَّبابِ وَالبناتِ – في هذا العصرِ -  لتربيةٍ إسلاميَّةٍ واعيةٍ تكونُ مناعةً منيعةً وَحصناً حصيناً لهم عندَ الضَّرورةِ – إلا منْ رحمَ ربِّي - ؛ فالشَّابُّ غدا ماجناً خليعاً، وَالفتاةُ متبرِّجةً بتمزيقها ثوبَ الحشمةِ عنْ جسدها وَستارَ الحياءِ منْ وجهها، وَأهواءٌ مريضةٌ وَأفكارٌ منحرفةٌ وَنوايا آثمةٌ يشحنها إبليسٌ بالأفلامِ الهابطةِ وَالأغاني المبتذلة الَّتي زخرتْ بها وسائلُ الإعلامِ المختلفةِ – إلا ما رحمَ ربِّي - .

وَمنْ جهةٍ أخرى فإنَّ الإسلامَ أباحَ الاختلاطَ عندَ الضَّرورةِ أوَّلاً، وَبشروطٍ وَضوابطَ معيَّنةٍ ثانياً، أمَّا لماذا هذهِ الضَّوابطُ فلأنَّ الظَّامئَ لا يصحُّ أنْ يشربَ منْ ماءِ البحرِ مهما كانَ عطِشاً وَإلا حاقَ بهِ الأذى، وَلأنَّهُ لا يُعقَلُ أنْ يأخذَ المريضُ منَ الدَّواءِ ما يزيدُ عنِ الجرعةِ المحدَّدةِ كي لا تتفاقمَ حالُهُ؛ فالفقهاءُ الَّذينَ حرَّموا سفرَ المرأةِ بدونِ محرمٍ وَاختلفوا في حرمةِ ذهابها إلى السُّوقِ بدونهِ أجمعوا على جوازِ هروبِ الأسيرةِ منَ الأسرِ وَإنْ كانتْ في بلدٍ بعيدٍ عنْ بلدها، وَكلُّهم اتَّفقوا على جوازِ معاينةِ الطَّبيبِ للمريضةِ إنْ دعتِ الحاجةُ لذلكَ؛ فإذا ما اضطرَّتِ المرأةُ إلى مخالطةِ الرِّجالِ أوِ الحديثِ معهم في أمرٍ مهمٍّ كاستشارةٍ أو عملٍ فلا بأسَ منْ أنْ يتمَّ ذلكَ بحجابٍ سابغٍ وَلهجةٍ رصينةٍ دونَ أنْ يتعدَّى الحوارُ حدودَ المصلحةِ المرادةِ. وَما شَرَعَ اللهُ تعالى ذلكَ إلا منْ أجلكِ أنتِ أنتِ أيَّتُها المرأةُ؛ لكي تبقي عزيزةً غاليةً وَلا يُنظَرُ إليكِ على أنَّكِ مبتذلة فتخسري الدِّينَ وَالدُّنيا.

وَتطرَّقَ التَّحقيقُ إلى اشتراكِ الصَّحابيَّاتِ – رضوانُ اللهِ عليهنَّ – في الحروبِ وَإلى حادثةِ سيِّدنا موسى – عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – معَ الفتاتينِ، وَفي هذينِ الأمرينِ تحقيقُ مصالحَ دون جلبِ مفاسد؛ إذْ لمْ تكنِ النِّساءُ يقاتلْنَ كاشفاتِ الوجوهِ حاسراتِ الرُّؤوسِ بادياتِ الزِّينةِ متبرِّجاتِ الهيئةِ مرخَّماتِ الصَّوتِ!!، وَلمْ يكنِ الصَّحابةُ – رضوانُ اللهِ عليهم – بناقصي رجولةٍ وَمروءةٍ وَدينٍ. وَكذا الأمرُ بالنِّسبة لموسى صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ، وَأيُّ بأسٍ في أنْ تذهبَ إليهِ المرأةُ ( على استحياءٍ ) وَتخاطبهُ بعباراتٍ موجزةٍ وَقدْ لمستْ موقفَهُ النَّبيلَ معها وَمعَ أختها وَتصرُّفَهُ الشَّهمَ الرُّجوليَّ حيالهما وَليسَ ثمَّةَ رجلٍ يذهبُ إليهِ؟!. أفتُعَدُّ هذهِ القصَّةُ قياساً على وقتنا الحاضرِ الَّذي عمَّ فيهِ الطُّغيانُ وَغاضَ منْ وجههِ الحياءُ وَصارَ الشَّيطانُ يلهو بالبشرِ كيفما يشاءُ؟!!!.

يا إخوةَ الإسلامِ: إنَّ الموضوعَ أخطرُ ممَّا نتخيَّلُ وَلطالما تحدَّثَ الشَّيخُ الأديبُ علي الطَّنطاوي – رحمهُ اللهُ – في هذا الأمرِ مراراً وَتكراراً[5]، وَلطالما قرأَ المسلمونَ في دستورهم العظيمِ قولَ اللهِ تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } وَ { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ }.

أخيراً: إخوتي شبابَ الإسلامِ: ارحموا ضعيفاتِ القلوبِ منَ النِّساءِ وَالفتياتِ، وَتذكَّروا أنَّ لكمْ أخوات وَبنات، وَتذكَّروا أيضاً أنَّ دينَنا العظيمَ يستنجدُ بكمْ، وَلئنْ قهرتُمُ الهوى وَالشَّيطانَ فستكسبونَ رضوانَ اللهِ تعالى وَالزَّوجَ الصَّالحةَ وَالبنينَ الصَّالحينَ في الدُّنيا وَحورَ العينِ في الآخرةِ.

أخواتي فتياتِ الإسلامِ: ارحمْنَ ضِعافَ العقولِ منَ الشَّبابِ، وَلا تبرَّجْنَ تبرُّجَ الجاهليَّةِ الأولى وَلا تبرُّجَ الغربِ السَّافرِ، فأنتنَّ أغلى عندَ اللهِ تعالى منْ أنْ تُرخِصْنَ أنفسَكنَّ هكذا. وَإذا ما فعلتُنَّ سلمتْ لكنَّ قلوبُكنَّ وَاحتفظتْ بطهرها وَأثابكنَّ اللهُ تعالى بثوابهِ الجزيلِ وَبزوجٍ صالحٍ وَذرِّيَّةٍ طيِّبةٍ. وَإذا ما خالفتُنَّ فسيأتي يومٌ تصبحْنَ فيهِ كبيراتِ السِّنِّ قبيحاتٍ فيرسلُ المنتقمُ الجبَّارُ منْ تغوي رجالكنَّ كما فعلتنَّ بالنِّساءِ في صباكنَّ، وَتحلُّ عليكنَّ التَّعاسةُ في الدُّنيا وَيحيقُ بكنَّ العذابُ في الآخرةِ – عياذاً باللهِ منْ ذلكَ - .

إخوةَ الإسلامِ: سنكونُ ظالمينَ إنْ تساءلنا عنْ سببِ معاناةِ الإسلامِ منَ الويلاتِ وَإنْ نقمنا على حياتنا المضطربةِ وَنحنُ نجاهرُ بالمعاصي وَنناصبُ المولى تعالى العِدَاءَ.. لا شكَّ أنَّ وراءَ وجودنا في الحياةِ هدفاً ثميناً يسمو بنا منَ الحضيضِ إلى سماءِ الفضيلةِ وَلذَّةِ الكفاحِ، لنبحثْ عنهُ بدلَ أنْ نضيِّعَ أوقاتَنا وَنتلفَ أعصابَنا في أمورٍ تضرُّ وَلا تفيدُ، وَتغضبُ الرَّبَّ وَالصَّالحينَ وَلا تليقُ بالمسلمينَ. وَلا يقولنَّ أحدٌ: لا أستطيعُ أنْ أفيدَ بشيءٍ، فلو كانَ الأمرُ كذلكَ لَمَا كنَّا بشراً بلْ شيئاً آخرَ[6]! وَلَمَا كنَّا مسلمينَ نحملُ الكنزَ الأعظمَ وَالأثمنَ.. فلْنتُبْ وَلْنعُدْ إلى الإسلامِ قبلَ أنْ نقولَ: يا ليتنا لمْ نكنْ عنهُ غافلينَ..

قــدْ سمونــا للمعــالــي            وَازدرينـــا    الانحطـــــاطْ

وَجفونــــا كــلَّ عــادي           وَالتــزمنــا     بالصِّــــراطْ

              

[1]  إنَّ الاختلاط – وغيره – دسائس تُكُلِّمَ فيها كثيراً حتَّى أوشك الدَّهر أن يجرِّبَ طعمَها!، ومع ذلك بقي الكفَّار والعصاة مصرِّين على محاولة إطفاء نور الله تعالى، { واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ*}، فكان لا بدَّ لنا – جميعاً -  من مواجهتهم.

[2]  في الوقتِ نفسِهِ الَّذي ( تتساوى!!! ) فيهِ المرأةُ الغربية مع الرجل الغربي؛ فكلاهما يُطرد من بيت أهله في سن الخامسة عشرة، وكلاهما يصبح مسؤولاً عن نفسه بعد الآن – وإن كان راتب الرجل أعلى من راتب المرأة!! - ، بينما يبقى المرء فينا – ذكراً كان أم أنثى – في رعاية أبويه ما داما على قيد الحياة، وإن بلغ هو من العمر عتيّاً!!.

[3]  منهنَّ: عائشة وَحفصة وَأمُّ سلمةَ أمَّهاتُ المؤمنينَ رضيَ اللهُ عنهنَّ، وَزينبُ بنتُ الشُّورى أوَّلُ امرأةٍ نالتْ شهادةً علميَّةً، وَغيرهنَّ كثيراتٌ.

[4]  إنَّ منْ واجبنا أنْ نقاومَ الفسادَ لا أنْ نستسلمَ لهُ، وَأنْ نلتزمَ بما ( يجبُ ) أنْ يكونَ لا بما هوَ كائنٌ.

[5]  يُنظر: صور وخواطر، مقالات في كلمات (2،1) ، وغيرها من كتب الشيخ التي تناولت هذه المواضيع بالتفصيل.

[6]  رفع الله قدركم.