عيد المترجمين
د. مراد زروق
أستاذ الترجمة في جامعة غرناطة
باحث في العلاقات الدولية /جامعة الأوتونوما /مدريد
يصادف عيد الفطر المبارك هذه السنة «اليوم العالمي للترجمة»، وهو يوم تطرح فيه أفكار جديدة تخص بالأساس الباحثين في مجال الترجمة، وكذا المترجمين المحترفين واللغويين.
وإذا كان تخليد هذا اليوم مناسبة في الجامعات الغربية لتنظيم الندوات وإصدار أعداد خاصة من المجلات المتخصصة، فإنه في العالم العربي لا يأتي بجديد، اللهم باستثناء النحيب الذي تعودنا سماعه منذ زمن، والأسف على ما فات من الأيام الخوالي. فما إن يشرف شهر سبتمبر على نهايته، حتى تتقاطر المقالات التي تبكي عهد الترجمة الذهبي، وتُذكر بمناقب الخليفة العباسي المأمون وترجمات ونُقول حنين بن إسحاق وثابت بن قرة وعظمة بيت الحكمة، إلى درجة أصبح معها هذا التناول النكوصي لقضية الترجمة عقبة تقف دون التفكير العلمي في مشاكل الترجمة عند العرب. بل أكثر من ذلك، كرس هذا النوع من الكتابات مغالطات كبيرة، من قبيل أنه لولا الترجمة لما عرفت الدولة العباسية آنذاك ما عرفت من تقدم حضاري وازدهار علمي، والحال أن الترجمة كانت أداة انفتاح على الآخر وعلومه، ووسيلة لتوطين بعض معارفه، أما التقدم والازدهار فكانت أسبابه الذاتية والموضوعية متوفرة.
موضوع اليوم العالمي للترجمة هذه السنة هو «المصطلحية: كلمات تتكلم»، ما يعني أن المتخصصين في الترجمة واعون تمام الوعي بأهمية المصطلح في مجال تخصصهم. هذا الأمر يجرنا للتفكر في دور مجامع اللغة في الدول العربية فيما يخص النهوض بالمصطلحية، والتنسيق بين بعضها بعضا حتى لا تعم الفوضى مجال الاصطلاح، دون أن ننسى وضع اللغة العربية الحرج، خصوصا في دول المغرب التي تعرف تدافعا بين العربية والفرنسية. والحقيقة أنه لم تعد للمكانة التي تحظى بها هذه اللغة في المستعمرات الفرنسية القديمة مبررا بعد التقدم الهائل الذي عرفته لغات مثل الإنجليزية والإسبانية، إضافة إلى ضرورة التعاطي مع الصينية التي سيكون لها باع يقاس بقوة الصين مستقبلا.
إن الحديث عن اللغة لا يدخل في باب الترف الفكري، بل يجب أن يكون من أولويات الدول، والدولة التي ليست لها سياسة لغوية لا تحترم نفسها ولا مواطنيها. لقد أصبح الباحثون في الجامعات الفرنسية يكتبون مقالاتهم بالإنجليزية لعل أفكارهم ونظرياتهم تتجاوز الحدود، وفاقت اللغة الإسبانية اللغة الفرنسية انتشارا، ومع ذلك ما زالت دول شمال إفريقيا تتشبث بالفرنسية التي -بالمناسبة- أحبها كثيرا وأدمن على القراءة بها، لكن هذا لا يمنع من قول الحق وهو أنه لم يعد لهذه اللغة مكان في مدارس المستعمرات الفرنسية القديمة، وأنه حان وقت استبدالها بالإنجليزية.
اليوم العالمي للترجمة مناسبة للتفكير في كل هذه المشاكل، وفي ما ننتظره من الترجمة كعلم وممارسة وصنعة لا غنى عنها. وعوضا عن ربط الخطاب حول الترجمة في العالم العربي بإشكالات فضفاضة، كالمشروع النهضوي العربي والنهضة الفكرية والحضارية وهي على أية حال رواسب مشروع سياسي فاشل، سيكون من الأفضل التفكير في أزمة اللغة العربية وزحف العامية الذي أصبح يضيّق الخناق تدريجيا على العربية الفصحى، والسياسات اللغوية المتآكلة. بل حتى الترجمة في ذاتها تعاني مشاكل بنيوية في الدول العربية، كانعدام التخصص في المجال الأكاديمي وفي سوق العمل، ما ينعكس سلبا على تكوين المترجمين المحترفين، ويفتح الباب على مصراعيه أمام مرتزقة الثقافة، هذا دون أن ننسى غياب سياسة ترجمية متوازنة، الأمر الذي لا يبدو غريبا في ظل التيه العلمي والثقافي الذي تعيشه الدول العربية.
كثيرة هي المشاكل التي تنتظر حلولا، لكني سأقف عند هذا الحد حتى لا أكدر عليكم صفو عيد الفطر.. وكل عام وأنتم بخير.