لماذا التشيُع الفارسي
حكمت ناظم -
شبكة البصرةالدعاة والمبشرون الدينيون، كما تكشف حملات التبشير عبر التاريخ، يتوجهون صوب مجتمعات تؤمن بعقائد دينية مغايرة أو مختلفة. فالمسيحيون يرسلون بعثاتهم التبشيرية (لنصرنة) المسلمين وغيرهم، والمسلمون يرسلون دعاتهم (لأسلمة) المسيحيين وغيرهم ايضا. والغريب في الأمر، أن الإيرانيين، الذين يدعون الإسلام، نراهم بدلاً من أن يرسلوا مبشريهم الى مجتمعات غير مسلمة لنشر العقيدة الأسلامية، يرسلونهم الى المجتمعات الإسلامية لنشر(الطائفية) في أوساطها وزرع الفتنة في صفوفها، على أساس التشيٌع الفارسي.!!
فما هو التشيٌع الفارسي، ولماذا تستخدمه إيران في المجتمعات العربية المسلمة وغيرها من الأقوام التي إعتنقت الإسلام منذ قرون؟ وهل أن التشيٌع الفارسي مصدراً لتوحيد الأمة أم أداة لتقسيمها وتفتيتها وزرع الفتنة الطائفية بين صفوفها؟ ثم لمصلحة من تقسٌم المجتمعات العربية على وجه التحديد، الى طوائف وفئات متشرذمة، في ظروف بلغت فيها الهجمة الإمبريالية والصهيونية أعلى درجاتها على العرب وعلى الأسلام؟! وهل يمكن أن يعزل التشيٌع الفارسي عن تلك الهجمة الإمبريالية والصهيونية المتوحشة التي ضربت العراق وشعبه العربي المسلم، كما ضربت أفغانستان وشعبها المسلم وشعوب أخرى ما زالت تحت وقع السياط الأمبريالية والصهيونية؟!
إن منهج التشيٌع الفارسي يعد خطراً كبيراً على الإسلام إذا ما إتخذ منحاً تبشيرياً في بلاد المسلمين. كما أن الآيديولوجيا التي يحتكم اليها هذا المنهج، هي (عقيدية- طائفية- سياسية) تعدُ إحدى أهم أدوات السياسة الإيرانية التي تستخدمها طهران لتنفيذ سياساتها الخارجية، بتبنيها التبشير على وفق هذا المنهج، لزرع الخلايا هنا وهناك لتحويلها الى أوراق ضاغطة على الحكومات وإيجاد موطىء قدم لها، وما حصل في جنوب لبنان نموذجاً، وفي العراق نموذجاً دخل مرحلة إبتلاع الجنوب، وفي غزة وفي البحرين والكويت حالياً حيث وصلت عناصر الأستخبارات الإيرانية لفيلق القدس الى أعلى حلقات التشكيل الأمني الكويتي رغم وجود المخابرات الأمريكية والمخابرات البريطانية، فيما تجري محاولات للتشيٌع الفارسي في مصر وتونس والمغرب.
إن إستفحال التبشير الأيراني للعقيدة التشيعٌية الفارسية يأتي بسبب العوامل الآتية التي سهلت التوجه الإيراني التوسعي :
أولاً- التعاون الإيراني مع الولايات المتحدة لإحتلال العراق، وإيجاد المناخ الملائم للوغل الإيراني نحو المنطقة العربية، عن طريق التبشير للطائفية التشيعية الفارسية.
ثانياً - القبول الأمريكي للمنهج الفارسي القاضي بتفتيت المسلمين العرب من سنة وشيعة والسكوت على الجرائم التي إرتكبتها عصابات بدر والدعوة والصدر وفرق الموت وغيرها.
ثالثاً – تدهور الأوضاع في فلسطين المحتلة، ووصول القضية الفلسطينية الى طريق مسدود، وتحويل مجرى الصراع، من صراع إسرائيلي- فلسطيني الى صراع فلسطيني- فلسطيني، وذلك بدعم فصيل فلسطيني مقاوم على حساب فصيل فلسطيني آخر بالمال والسلاح والدعم السياسي، الأمر الذي أدى الى إنقسام الكفاح الفلسطيني المسلح وتعزيز إيران لهذا الإنقسام بدعم حماس في غزة، ولم تراع إيران قضية فلسطين كقضية، ولا لمصير الشعب الفلسطيني الذي قد يتعرض الى التشرذم، وهذا عين الهدف لتهميش القضية الفلسطينية وإعاقة كفاحها وتفتيتها وشرذمتها، وهو الأمر الذي تصبو اليه (اسرائيل) والإمبريالية الأمريكية صاحبة مشروع الشرق أوسطية الخبيث. والتساؤل هنا لماذا تتدخل إيران في صلب قضية قومية عربية هي قضية فلسطين؟!
رابعاً- عجز النظام العربي الرسمي حيال الهجمة الإمبريالية الصهيونية وتواطئه معها وتسهيل إحتلال العراق وتدميره والتآمر على القضية الفلسطينية والتسبب في تردي الأوضاع المزرية التي يعاني منها الشعب العربي من أقصى المغرب العربي حتى المشرق العربي، في شكل إنهيارات شملت كل مناحي الحياة، الأمر الذي بات حجة لدى القيادة الإيرانية الفارسية لتقول (العرب عاجزون، ومتآمرون مع الإمبريالية، ويقمعون شعوبهم، وغير قادرين على الإرتقاء بقضاياهم).. وطرحوا أنفسهم ومنهجهم الطائفي التشيٌعي كبديل أمام الجماهير.. وتلك مغالطة مفضوحة طالما نددت الجماهير بالعجز العربي الرسمي ولم تضع سلاح الكفاح جانباً، ولم تهادن النظم العميلة المستسلمة، ولا لأسيادها من إمبرياليين وصهاينة!!
خامساً- الأحباط العام في عموم المنطقة نتيجة الفقر والبطالة والمرض والجوع والجهل، الذي بات يهدد بالإنفجار في معظم البلدان العربية وفي مقدمتها مصر، الأمر الذي هيأ المناخ المناسب للتوغل الإيراني التشيٌعي الفارسي في صفوف الفقراء وصرف ملايين الدولارات لتلك الأوساط، مما جعل الشيخ الجليل القرضاوي يدق ناقوس الخطر ويعلن أن هذا المد ليس إسلامياً ويشكل خطراً داهماً على الإسلام والمسلمين، ولو كان من صميم الإسلام لما كان توجهه نحو بلاد المسلمين، ولذهب الى النصارى واليهود والى ديانات أخرى، لا أن يكثف جهوده بين أوساط المسلمين من أجل التشيٌع الفارسي لتكريس الفتنة الطائفية بين المسلمين، حيث لا يجوز للطوائف المسلمة أن تمارس في ما بينها (التشيٌع الطائفي) و(التسنن السلفي)، لأن في هذا مدخلاً للحساسيات والإحتكاكات والصراعات، وهي مخالفة لنص قرآني صريح يقول تعالى (وأطيعوا الله ورسوله، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وإصبروا إن الله مع الصابرين)، فهل يدرك العرب جميعاً أنظمة وحكومات أن حالة العجز العربية، وحالة الفقر والجوع والمرض والجهل، الي تسود مجتمعاتنا العربية قد ولٌدتْ إحباطاً عاماً مهدَ وسهٌلَ للدولة الفارسية لأن تطرح نفسها كبديل (إسلامي) يملء ما يسميه الإيرانيون بـ (فراغ العجز القومي العربي) كحالة عامة مستشرية، حيث تختفي خلف الدعاوى والمزاعم الإيرانية هذه أطماع فارسية تسعى الى إحياء روح التوسع الإمبراطوري الفارسي، وإعادة إحياء (مجد كسرى) المندثر؟!
فلو كان المبشرون بالتشيٌع يأتون على أساس الإسلام الخالص، وليس بصيغة التشيٌع الطائفي الى الأوساط والدول غير المسلمة، لكان الجهد مباركاً بإقناع تلك الأوسط غير المسلمة بدين الحق والعدل والإنصاف، دين الرحمة والمساواة والتسامح. ولكن لماذا هذا الجهد الكبير والأموال الطائلة للتشيٌع الطائفي الفارسي في الأوساط المسلمة؟ فلو كان القائمون على هذة الدعوة التبشيرية المشبوهة فعلاً مسلمين، لما فعلوا ذلك، لأنهم بفعلتهم هذه يمزقون نسيج المجتمعات المسلمة ويدخلونها في متاهات من الصراع الطائفي قد يصل الى الإحتراب.. والتساؤل هنا، لمصلحة منْ هذا التوجه؟!
أمريكا تريد تمزيق وتفتيت المجتمعات العربية إثنياً ومذهبياً طائفياً، وذلك هو منهجها الإستراتيجي الراهن.. والكيان الصهيوني يرى في تمزيق المجتمعات العربية وتقسيمها إنقاذاً له لكي ينسجم مع كيانات ضعيفة ومتناحرة مع بعضها، ليتمكن من الإندماج معها وقيادتها كما قال شمعون بيريز رئيس الكيان الصهيوني قبل بضعة أيام في معرض التصنيع العسكري الأسرائيلي ((نحن لدينا عقول تُصَنِع السلاح، أما دول النفط - يقصد الدول العربية المنتجة للنفط - فليس لديهم سوى إنتاجه))!!، وبكلامه هذا قد أهان كل الدول العربية نظماً ورؤساء وحكومات بأن ليس لديهم عقول تُصنٌعْ، إنما يستخرجون النفط لا غير.
أن إيران تنفذ ستراتيجية أمريكا والكيان الصهيوني بأداتها الطائفية التي تقوم على اساس تمزيق المجتمعات المسلمة، ومحاربة الإسلام الحنيف. ؟! فهل تشعر إيران بأنها مسلمة حقاً في الوقت الذي تعمل فيه على التشيٌع الفارسي ولمصلحتها القومية الفارسية، وليس لمصلحة الطائفة الشيعية العربية المحبة بصدق للعروبة والإسلام وآل البيت العظام؟!
الشعب العربي في العراق بطائفتية المسلمتين السنة والشيعة، لا يفعل ذلك، ويحترم كل المذاهب والأديان والقوميات الأخرى على أساس مدى إقترابها أو إبتعادها عن وحدة الشعب، ووحدة الوطن والحفاظ على هويته ومصالحه العليا. تلك هي معايير الشعب والأمة، وغير ذلك ينظر بعين الريبة الى المبشرين الإيرانيين وخلاياهم التي يعملون من خلالها على زرع الفتنة الطائفية بين المسلمين في كل مكان، فمحاولاتهم في مصر وتونس والمغرب، حيث ظهرت بوادر مثل هذه الخلايا، بعد أن راحت ممثلية العراق في القاهرة ترعى مقار التشيٌع الفارسي ظاهرياً وهي في شكل " حسينيات " توزع من خلالها الأموال والكتيبات الفارسية المسمومة على البسطاء والفقراء والمعوزين المصريين المسلمين من أجل (التشيٌع) في الظاهر في الوقت الذي هو (تشيٌع فارسي) يستهدف تأسيس خلايا تعد إمتداداً لجيش القدس وللحرس الإستخباري الإيراني، والملاحظ هنا أن إيران تدفع عملائها للعمل بدلاً عنها في الواجهة، كما يحصل حين تأمر طهران حزب الله في الجنوب اللبناني لتنفيذ عمل ما. وما يحصل في القاهرة يتكرر في تونس والمغرب والبحرين والكويت وغيرها. !!
إن التسويق للعقيدة (التشيٌعية الفارسية)، وليس الشيعة العرب، في الأوساط والدول المسلمة هو إيجاد موطيء قدم إستخباري تخريبي، لنشر الفتنة والصراعات الطائفية- كما أسلفنا- لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تغذي التطرف في الأوساط المسلمة، كما أنها ليست في مصلحة الطائفة الشيعية العربية، حين يتحدث الأيرانيون ويتصرفون بإسمها وهي براء من كل ممارسات الطغمة الشعوبية في قم وطهران. فالشيعة العرب محترمون، ولا أظن أنهم يرتضون أن يكون عليهم وصياً، يتحدث ويمارس كل أساليب الإنحطاط الأخلاقي بإسمها، كما تمارسه الآن إيران في منهجها (التشيعي الفارسي)، الذي تريد تطبيقه لأغراض سياسية ستراتيجية تطمح اليها الدولة القومية الفارسية، دون أن تكون لها أي علاقة بالدين الإسلامي الحنيف، ولا بالشيعة العرب الأصلاء الحقيقيون، إنما بواقع سياسة إيران الأستراتيجية، التي تستهدف موطىء قدم سياسية في البلاد العربية المسلمة ولأغراض باتت مكشوفة.
إن جهود إيران التبشيرية مخزية وعقيمة، وهي ورقة ستراتيجية خاسرة، إفتضح أمرها حين تلاقت هذه الأداة مع السياسة الأستراتيجية للكيان الصهيوني ومع مخططات الشيطان الأكبر أمريكا، لتقسيم المنطقة وإعادة رسم خرائطها السياسية وفقاً لمنظورهما، والذي زاد عليه المنظور الإيراني الخبيث.
فلا أحد من دول العالم يتقبل بين ظهرانيه طابوراً خامساً يسرح ويمرح ويشرعن السياسات والفتن والأغتيالات كما يحصل في العراق الآن. فالمدرسة (التبشيرية التشيعية الفارسية) غالباً ما يسقط خطابها الفكري في تناقضات فاضحة، فهي أحياناً تدعو الى وحدة المسلمين وتناسي الخلافات، وإن السنة والشيعة طائفتان مسلمتان ليس بينهما خلافات في أصول الدين الأسلامي، ولكن هذه المدرسة تعمل على الأرض وتدفع بشبكة دُعاتها التبشيريين في أوساط المسلمين السنة من أجل تشيعهم الفرسي، والهدف هو زرع (نواة) سياسية لاعلاقة لها بالإسلام ولا بشيعة آل البيت العظام، تستثمرها إيران لمنهجها القومي الفارسي، وترصد لهذه المدرسة أموال طائلة تحت غطاء ديني عقيدي تخطط له السياسة الخارجية الأيرانية.
لقد إستمر (التشيع الفارسي) في لعبته القديمة التي تريد طهران إحيائها في هذا العصر في عملية تقسيم العرب المسلمين وتهميشهم وتفتيتهم والطعن بتاريخهم وتشويه رموزهم. وعلى وفق هذا المنهج تقوم إيران على أساس دولة دينية تتبنى التشيٌع الطائفي كمذهب رسمي للدولة الإيرانية، ولا غرابة في أن يعلن الكيان الصهيوني كونه " دولة " دينية في المنطقة ويطلب من الجميع التعامل معه تبعاً لهذا الأمر. كما أنه من الملفت أيضاً أن يأتي الرد الرسمي على تصريح الشيخ الجليل القرضاوي من لدن وكالة (مهر) الإيرانية الرسمية، ولم يأت من الحوزة الطائفية في قم، وهذا ما يثير الدهشة ويؤكد أن المنهج (التشيٌعي الفارسي) هو منهج سياسي تكفلت بالرد الأستفزازي القاصر والسخيف تلك الوكالة.. ولعل الورقة الإيرانية الصفراء هذه، هي آخر أوراق الخريف الآيديولوجي الفارسي في عالم الإسلام والعرب!!