ولع بالشهرة
ولع بالشهرة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
يبدو أن الفتى طبيب الأسنان ، رقص في عيادته فرحاً ، حين قيل له إن روايته تم اختيارها ضمن أفضل خمسين رواية في العالم .. فقد عبرت الصحف والمواقع الضوئية عن فرحته بهذا الحدث التاريخي بطريقة فاقعة ! وكيف لا يفرح والجهة التي اختارت الروايات الخمسين ( لا أحد يعرف طبيعتها تماما ! ) ، لم تأخذ رواية واحدة لديستويفسكى أو تشيكوف أو تولستوي أو توماس هاردى أو ديكنزأو بلزاك أو غيرهم من أعلام الرواية والأدب الإنساني في العالم ؟
شهوة الشهرة تصمى ! وتدفع صاحبها أحياناً إلى مهاوى الهلاك ، وقد تدرّ عليه عشرات الجوائز والرحلات وترجمة أعماله واستقباله من قبل أكابر العالم . ألم يحدث هذا مع سلمان رشدي وتسليمه نسرين ومحمد أركون وأدو نيس ومحمود درويش وأشباههم ؟
بيد أن الفتى طبيب الأسنان لم يكتف بما عبر عنه في روايته : الشذوذ والدعارة وفصامية المسلمين ودموية الإسلام ، فدخل مسانداً للتمرد الطائفي ، وكتب ينعى على المسلمين في مصر تمييزهم ضد النصارى في الوظائف والمناصب ، وحكي قصة شاب زاره مع والده للعمل سكرتيراً في عيادته (!) ، وقبل أن يجرى له المقابلة انتحى به الأب جانباً ، وأخبره أنهما من النصارى الذين يرفض المسلمون تعيينهم !.. وينبئنا الفتى طبيب الأسنان أنه عيّن الشاب الذي ما زال يعمل لديه حتى الآن . وانطلق من هذه القصة ليصم المسلمين بالتمييز ضد النصارى وعدم تعيينهم في الجامعة والوظائف والمجالس النيابية ، وبعد أن فرغ من إدانة الأغلبية بكل قسوة وخشونة وعمومية ، فإنه أخذ يتحدث بلطف ورقة إلى أصدقائه النصارى الذين يستقوون بالخارج ، والكنيسة التي خلطت الدين بالسياسة ، ويعتب على المتمردين تصعيدهم لمطالبهم .
اللعب بالورقة الطائفية جواز المرور إلى الشهرة والجوائز والمناصب والمنافع وكما رأينا شخصيات وأحزاباً ومؤسسات تنهض على هذه الورقة ، فإن طبيب الأسنان الذي تبناه اليساريون والعلمانيون يوم انشق على إحدى الجماعات الإسلامية ، لم يترك الفرصة وأخذ يلعب بالورقة الطائفية ، فمكسبها مضمون بلا ريب ، لأن المتمردين الطائفيين يستندون إلى القوة العظمى في العالم ، التي تملك الرفع والخفض ، وإدخال جوانتانامو ، والإخراج من غياهب النسيان ، وتصنع النخب الثقافية الموالية والمعادية ، وتمنح وتعاقب ، ثم وهو الأهم تصنع الانفصال وتغذي الحروب الطائفية والمذهبية ( ألم تقم دولة في جنوب السودان ، وأخرى في شمال العراق ، والبقية تأتي ؟!..) .
الأغلبية الإسلامية هي التي تعانى من التمييز والاضطهاد والقهر ، ووحدها التي يطبق عليها القانون الجنائي والعسكري والطوارئ ، وأفرادها يدخلون المعتقلات إلى أجل غير مسمى ، وتصادر ممتلكاتهم ومكتباتهم ، وتقصف رقابهم وأقلامهم ، ولا تجرؤ السلطة الفاشية الرخوة على الاقتراب من المتمردين الطائفيين حتى لو قدموا طلبات لمحكمة العدل الدولية لمحاكمة الرئيس والوزير والخفير ، بحجة الإبادة الجماعية والاضطهاد الديني والتمييز الوطني ..
طبيب الأسنان ، ينسى ذلك ويتجاوزه ، ولا يذكر شيئاً عن حقوق الأغلبية المهضومة والمضطهدة والمهانة ، ويتغزل في قادة التمرد وإنسانيتهم ووطنيتهم ، وإن أشار إلى المخطط الصليبي الاستعماري الإجرامي من ورائهم ، فهو يتحدث عن الدسائس الأجنبية للتفريق بين المواطنين في الوطن الواحد ، والتحريض على الفتنة بين الأقلية والأغلبية ، ولكنه لم يقل شيئاً عن الرغبة العدوانية والتعصب والعنصرية والكراهية التي يحملها المتمردون ، ويتحركون بها لبث الفوضى الخلاقة في أرجاء البلاد ، وفرض مطالبهم غير القانونية بالابتزاز والتشهير والإرهاب واعتمادهم القوى الواضح على الدعم الصليبي الاستعماري الذي لا يخفى ، مادياً ومعنوياً .
طبيب الأسنان يرى اعتقال " وفاء قسطنطين " في وادي النطرون مجرد تقاعس من جانب الدولة عن تنفيذ القانون ، ونسى أن ضبط وإحضار هذه السيدة كان قراراً كنسياً عبّر عن قوة الكنيسة وهيمنتها وإذلالها للسلطة الرخوة ، وتأديب لها كى لا تقف في طريق التمرد الطائفي وإرادته !
يرى صاحبنا أن أحداث أبو فانا كانت تعبيراً عن فقدان الثقة في القانون مما دفع الناس إلى انتزاع حقوقهم بأيديهم حتى حدثت جرائم بشعة عندما تم خطف رهبان دير أبو فانا وتعذيبهم وفى المقابل لقي مواطن مسلم مصرعه برصاص أحد الأقباط ! تأمل صياغة القضية وتمييعها وتفريغها من محتواها الحقيقي .
المذكور لم يشر إلى الرهبان المحاربين الذين قاتلوا واستخدموا السلاح للاستيلاء على أرض الدولة ، وجعل خطف الرهبان المحاربين أشد وحشية من قتل المسلم البائس الذي لم يهتم أحد بدمه أو قيمته !
وتناسى أن قتال الرهبان كان تجربة ناجحة وتقليدا ظافرا لما فعله اليهود الغزاة في فلسطين مع أهلها البائسين قبل 1948حين أرادوا الاستيلاء على أراضيهم وقراهم ومدنهم ونجحوا في ذلك نجاحاً مدهشاً . وقد توج نجاح الرهبان بمؤتمر شعبي في " أبو فانا " بعد استسلام السلطة الرخوة وضياع حق القتيل المسلم البائس ، وقد وضع قادة التطرف مع عضو مجلس الشعب المسلم عن ملوي حجر الأساس لبناء سور على الأرض التي تم للمتمردين الاستحواذ عليها ، وتعادل أربعة أضعاف ما كانوا يطلبونه قبل معركتهم الظافرة !.
وكان من المفارقات أن تبرع أحد قادة المتمردين بثلاثمائة ألف جنيه ، يخصص نصفها لبناء السور والنصف الآخر لبناء مدرسة في قرية عرب قصر هور ! لقد تم الاحتفال بانتهاء الأزمة ، وجاء الراهب مكارى والأب أغناطيوس من مارسيليا الفرنسية لحضور الحدث العظيم الذى يعد بداية عهد جديد يكتب صلاة الشكر النصرانية والأذان الإسلامي !
لو أن طبيب الأسنان الباحث عن الشهرة قرأ تصريحات الأنبا مرقص الرجل الثاني في الكنيسة ( المصري اليوم 25/8/2008م ) ، وتأمل إملاءاته ومطالبه التي تجاوزت الحدود لما انحاز للتمرد الطائفي ، ولما ردّد دعاواه الظالمة . لقد زعم مرقص أن ألف كنيسة في مصر لا تكفى اثني عشر مليوناً من النصارى ، وطالب بإعلان رأس السنة الفرعونية إجازة رسمية للدولة وعيداً للشهداء .. ترى من الذى أنبأ مرقص أن عدد النصارى 12 مليوناً ؟ في أي تعداد جاء هذا الرقم ؟ وماذا يعنى عيد النيروز أو رأس السنة الفرعونية ؟ أتوقع قريباً أن يطلب نيافته إلغاء بناء المساجد ، وإلغاء عيد الفطر وعيد الأضحى والاحتفال بشهر رمضان والمولد النبوي لأن ذلك يمثل عدوانا على النصارى ، وجرحاً لمشاعرهم ، واضطهاداً لهم ، وتمييزاً بينهم وبين الأغلبية !
من المؤكد أن اللاعبين بالورقة الطائفية يعلمون أبعاد التمرد الطائفي ، ولكنهم يميعون المسألة بحثاً عن المزيد من الشهرة والمنافع الحرام ، على حساب الإسلام والمسيحية والوطن جميعاً ، ومهما يكن من أمر ، فإني لا أظن الأمور ستمضى على هوى المتمردين أو اللاعبين بورقتهم ، فللشعوب حسابات أخرى !!
حاشية:
اعتذرت بريطانيا العظمى لدولة قطر ، بعد أن قام صليبي إنجليزي متعصب بقتل شاب قطري في لندن .. لا توجد دولة في العالم اعتذرت لمصر على قتل أبنائها ، وما أكثر القتلى ، والسبب بسيط للغاية فمصر تقتل أبناءها في الداخل والخارج ماديا أو معنويا ، ولا ترى قيمة للمصري إلا إذا كان من أهل السلطة.. ولعل ذلك يفسر شماتة الشباب في حريق الشورى وتمنيه أن يلحق به الشعب وأعضاء المجلسين!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم !