ماذا سرق الصبيان في "ما بعد السلفية"؟

ماذا سرق الصبيان في "ما بعد السلفية"؟

محمد جلال القصاص

كشف الكرام الأفاضل الذين نقدوا كتاب "ما بعد السلفية"، أن اللذين كتبا الكتاب لصوص، سرقوا  كتابات غيرهم ونقلوا منها، وفضلًا عن أن بضاعتهم مسروقة فإنها فاسدة. بمعنى أنهم سرقوا فاسدًا.

وثمة سرقات أخرى فاسدة يحترفها هؤلاء وأمثالهم ظهرت في أماراتها في السرقة التي بعنوان "ما بعد السلفية" وغيرها. تتمثل هذه السرقات في سرقة الفكرة نفسها، ثم التقافز في المشهد ليقال أنهم قد سبقوا غيرهم .. بمعنى اوضح: حالة من "التصابي الفكري" .

رأوا أن النقد للفكر السلفي قد اشتد، وأن الأحداث توالت على التيارات السلفية منذ يونيو 2013م، ونفر الجميع من السلفية حتى عامة من هم تحت مظلتها، ولم يستطع المستمسكون بها الحفاظ عليها. رأوا ذلك، ونفوسهم تواقة للتقافز في المشهد كالصبيان لفتًا للانتباه واستجلابًا لنظرات المعجبين وتصفيق الغافلين، فعمدوا إلى فكرة "ما بعد السلفية"، أو "ما بعد الجماعات الإسلامية"، وهي خاطرة تحركت في رأس الدكتورة هبة رؤوف في منتصف التسعينات وظهرت في مقالات لها في جريدة الشعب وقتئذٍ، والدكتورة هبة جاءت من طريقٍ آخر، ترى أن الجماعات الإسلامية عمومًا خروج عن السياق المجتمعي وحالة من السباق خارج المضمار.

في الأعمق: تنطلق –كما يبدو لي- من رؤية بن خلدون وعلماء الاجتماع في أن المجتمع له السيطرة الأكبر على الفكرة والقائمين عليها، والتيارات الإسلامية ترفض فكرتها وتقف بوجهها تمامًا إذ تحاول التيارات السلفية فرض رؤية جديدة على المجتمع، تحاول الجماعات الإسلامية إخضاع الواقع للفكرة وليس العكس، كما فعلت الرسالة النبوية من قبل. فهما اتجاهان منفصلان، وثمة تداخل، وقد يحدث الالتقاء، وخاصة مع طول المعركة وشراستها، وانتشار "المتوسطون الجدد".

وفيما هو أعمق

أن فكرة الـ "ما بعد" فكرة غربية ليست من بنات أفكارنا نحن المسلمين. فالفكر الغربي تجمع من أخلاط متنافرة، ولا يحافظ على شيء، فليس لديه ثابت، حتى أخص شيء لدى الإنسان، وهو "الأسرة" تجدها متغيرة .. متطورة تطال كل ممكن وإن كان قبيحًا عند أصحاب الفطرة السليمة، فالحضارة الغربية حضارة الـ "ما بعد" وليست حضارة الأصالة  كما يذكر الدكتور عبد الوهاب  المسيري. كلما استقر شيء أو بدا استقراره هبوا وتصايحوا يسألون: ماذا بعد؟، والإجابة تأتي بنقد الموجود والثورة عليه، لا بالنصح له وتصويبه.

وهؤلاء الصبية رغبةً في التعبير عن الذات يسرقون. يسرقون الفكرة ويسرقون النص أملًا في "جديدٍ" يتطاولون به على مسرح الأحداث. وقد فعلوها من قبل في "الدولة المدنية"، وغيرها. وأنى؟!!