القمة الفاشلة لتسويق الصفقة الإستراتيجية الغربية الإيرانية

القمة الفاشلة

لتسويق الصفقة الإستراتيجية الغربية الإيرانية

ووعود غير ملزمة بثمن غال للعرب

محمد المذحجي

لندن – «القدس العربي» : انتهت قمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع قادة مجلس التعاون الخليجي بنتائج لا تحتوي على أي ضمانات ووعود ملزمة لامريكا، أو أي جديد بشأن هدف انعقادها الرئيسي ألا وهو اقناع العرب بالقبول بالدور الإقليمي الجديد الإيراني الذي يحاك من قبل «الشيطان الأكبر» تحت المسرح النووي

وبات المسؤولون الامريكيون يصرحون علانية بأن سبب توسع «محور الشر» في سوريا والعراق هو ضعف المؤسسات الدولية، وأن الحل ليس «إضعاف إيران» بل إنشاء شراكة قوية. ويتجاهلون تناقض تصريحاتهم مع الواقع على الأرض وهو السيطرة شبه المطلقة الامريكية على أجزاء وسيعة من العراق، والتذبذب المتواصل لموقفهم من الأزمة السورية.

وكتبتت صحيفة «نيويورك تايمز» عن نتائج القمة أن الرئيس الأمريكي رفض اقتراح تحالف دفاعي رسمي مع دول مجلس التعاون الخليجي الذي يلزم واشنطن بالدفاع عن هذه الدول في حال تعرضها إلى هجوم، وأنه حاول طمأنتهم على أن امريكا جادة في توفير الأمن في الخليج العربي، وأنه لدى واشنطن الرغبة لمساعدتهم مقابل إيران. وأكدت الصحيفة أن باراك أوباما انتهج الطريق الصحيح، ويعلم جيداً أنه لا يمكن ضمان أمن هذه الدول، مثلما فعلته الولايات المتحدة مع اليابان وكوريا الجنوبية.

وسبقت القمة حدثين مهمين وهما الضغط الامريكي الكبير على التحالف العربي للقبول بوقف اطلاق النار في اليمن، والدفع بقوات الحشد الشعبي وعلى رأسها فيلق البدر وقائدها هادي العامري المقرب جداً من خامنئي، إلى ناحية النخيب المحاذية مع السعودية ووضع ضغط أكبر على المملكة من الشمال. وهذا فضلاً عن المجازفات الإيرانية المتواصلة بورقة أمن مضيق باب السلام (هرمز) التي تحدث رغم التواجد القوي للسفن الحربية الامريكية في الخليج العربي

وكشفت مصادر برلمانية عراقية نقلاً عن السفير الامريكي أن قاسم سليماني يشرف على غرفة عمليات جديدة في النخيب برفقة خبراء من الحرس الثوري لشن هجمات على السعودية، واتخذت الصمت السفارة الامريكية في هذا الموضوع واعتبر البعض هذا الصمت تأييدا من جانبها.

واختارت الإدارة الامريكية بتبختر واستعلاء، بدون النظر للواقع السياسي الجديد في الدول الخليج العربية، منتجع كامب ديفيد الذي له «رمزية» بسبب التنازلات الموجعة السابقة تجاه قضية الأمة المركزية أي القضية الفلسطينية، لاستضافة قادة الخليج العربي بدلاً من انعقاد هذه القمة في عاصمة إحدى هذه الدول. وكان هدفها إيصال هذه الرسالة: أن على العرب القبول بما تريده الولايات المتحدة وتقديم التنازلات المطلوبة ولو أن تكون موجعة كسابقاتها

وسبقت القمة موجة إعلامية امريكية حول ضرورة تغيير السياسة الأمريكي تجاه الخليج. وعلى سبيل المثال وليس الحصر عنونت صحيفة فورين باليسي المقربة من مراكز صنع القرار للخارجية الامريكية إحدى مقالاتها بـ «حان الوقت لفك يدنا من يد السعودية». 

وتجاهل الامريكيون حقيقة أخرى وهي أن الواقع السعودي اختلف تماماً مع السابق، وأن الحكم الجديد في المملكة العربية السعودية يعرف قدراته وإمكانيات بلده ويتمتع بالحسم اللازم الذي كان مغيباً في سياسة المملكة منذ زمن طويل، ويعلم جيداً عما تخطط له واشنطن مع حكام طهران تحت طاولة النووي، لانطلاق مشروع تصدير الثورة الإسلامية وزعزعة الاستقرار وتأجيج الفتن والخلافات الطائفية.

وأثناء هذه التطورات المتسارعة والانشغال العربي بالأزمات الداخلية والخارجية والضجيج الإعلامي، تواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية تطبيق مشروعها التوسعي العابر للقارات في العراق وسوريا وغرب أفريقية وشرقها، براحة بالها ورعاية واشنطن، شريكها الجديد. وتستكمل السيطرة على المناطق الحساسة والغني بالثروات النفطية عبر ارتكاب مجازر مروعة بحق الموكن السنة وتهجيره من هذه المناطق وضمها للإقليم الشيعي تمهيداً للحظة صفر الإعلان عن تفكيك العراق وأقلمته

وبعد اقتطاع ناحية النخيب الغنية باحتياطات نفطية كبيرة من محافظة الأنبار السنية والحاقها بمحافظة كربلاء الشيعية، بدأت الحلقة الأخيرة لتهجير السنة من بغداد في الأعظمية من قبل الميليشيات الإجرامية الموالية لإيران وبإشراف من قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، الذي تم نشر صوره متجهاً إلى المزارات الشيعية في شمال بغداد بعد بضعة ساعات من الانتهاكات في الاعظمية

وهكذا يكتمل المشهد في العراق بعد فضيحة المطالبة بكفيل للنازحين من الأنبار لدخول بغداد وطردهم، التي تعتبر رسالة صارخة من الحكومة العراقية لقبولها بتقسيم بلد الرافدين.

ولم تعر إيران أي أهمية في الظاهر واتخذت الصمت الرسمية تجاه قمة كامب ديفيد بهدف تسهيل الموقف لشريكها، العمّ سام، لتسويق بضاعتها. والموقف الرسمي الوحيد الذي تم تسجيله من المسؤولين الإيرانيين هو تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف بشأن توصيف طهران كداعم للإرهاب من قبل الرئيس الامريكي، باراك أوباما

وقال ظريف إن واشنطن لجأت للكذب بهدف استرضاء حلفائها في الإقليم، وإن تصريحات باراك أوباما هي مجرد تكرار الاتهامات السابقة التي لا أساس لها، لتهدئة الأجواء مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأكد أن سياسات إيران في المنطقة تبتني على أساس تقوية العلاقات والتعاون مع الدول المجاورة والعمل المسؤول لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

ومن جانب آخر، حاولت الولايات المتحدة أن تسترضي قادة الخليج عبر اقتراحات جديدة بشأن توفير المزيد من الدعم في المجال العسكري لمكافحة تهديدات إيران والجماعات الإرهابية، فضلاً عن تكرار التصريحات السابقة حول «الالتزام الصارم الامريكي بأمن الخليج». 

وحاولت واشنطن الهروب إلى الأمام وتجاهل المطلب الرئيسي العربي أي ضمان أمن واستقرار البلدان العربية ووقف دعمها لمشروع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية ووضع آلية حقيقية لردعه. وهذا بينما تتمكن الدول العربية من الحصول على أي نوع من أنواع الأسلحة بسعر أقل وفي بعض الأحيان بتقنية وفاعلية أقوى مثل نظام الدفاع الصاروخي إس 300 الروسي

وفي واقع الأمر الإلحاج الامريكي على ضرورة استقرار نظام الدفاع الصاروخي في الخليج هو الاعتراف العملي تسليم العرب للأمر الواقع أي القدرة الصاروخية الإيرانية، ومن جهة أخرى تحاول امريكا لعقد صفقة تجارية لحل جزء من المشاكل المالية لصناعتها العسكرية.

ويظهر امتناع الولايات المتحدة عن إعطاء أي ضمانات ملزمة للعرب، عزم واشنطن لتواصل سياستها وتفكيك دول المنطقة وحتى حلفاءها السابقين في الخليج، والسيطرة على الثروات النفطية بثمن وتكلفة أقل على غرار ما حصل في العراق وليبيا من المحاولات المتعمدة من جهات متعددة إقليمية ودولية ومنها الولايات المتحدة نفسها لغياب حكومة مركزية قوية، فضلاً عن تجميد والاستحواذ على الأرصدة والأموال الهائلة العربية في البنوك الغربية كما حصل مع المليارات الدولارات من أرصدة ليبيا. ومن المحتمل جداً أن تستمر لاحقاً محاولات إيران لتأجيج الوضع في بعض دول الإقليم تحت غطاء مشروع تصدير الثورة الإسلامية كما حصل في البحرين سابقاً.

وهكذا فشلت الولايات المتحدة لتسويق بضاعتها الفاسدة وغير صالحة للاستخدام أي صفقتها الاستراتيجية مع الجمهورية الإسلامية التي كانت تعد وتجهز الظروف لها في المنطقة منذ حرب احتلال العراق في عام 2003 لاستبدال تحالفها مع العرب لشراكة استراتيجية مع «اللاعب العقلاني» أي إيران حسب وصف رئيس الأركان العامة للجيش الأمريكي السابق

والخسارة الأخرى لواشنطن هي تغيير الواقع العربي الذي بدأ بعملية عاصفة الحزم، وأربك حسابات واشنطن في المنطقة، وأفشل الضغوط الامريكية المستمرة لفرض صيغة حل في اليمن وسوريا يرضي شريكها الجديد

وستمضي قدماً القادة الجدد في المملكة العربية السعودية باتجاه الاستقلالية وتبني مشروع عربي واضح ضد التحديات الكبيرة المحيطة بالإقليم، ومنها إنشاء قوة برية لاسترجاع صنعاء تتكون من 50 ألف يمني بالتنسيق مع بعض شيوخ القبائل وتم تجهيز 10 آلاف مقاتل منها حسب بعض تقرير صحفية.