نصر الله.. و.. التعبئة العامة..
نصر الله.. و.. التعبئة العامة..
عقاب يحيى
كان نصر الله، ومعه حزب الله، وولي الفقيه.. يطرح المقاومة ضد الكيان الصهيوني.. " فجأة " انتقلت المقاومة إلى تحرير البلدان العربية من تاريخها وثوراتها، وحقوقها...وها هو يعلن"التعبئة العامة" لخوض الحرب المقدّسة، وكي " لا تسبى السيدة زينب مرتين" ؟؟.. وقد صار اسم السيدة زينب قميص عثمان مليء بالدماء، والثقوب..
ـ السيد صبحي الطفيلي ـ الأمين العام الأول لحزب الله ـ حين قررت إيران إنشاء ذراع لها بأمر صريح من ولي الفقيه عام 1984.. من خلال محاولة السيطرة على حركة أمل، ثم شقّها.أعلن مراراً خلافه الجوهري مع أصحاب القرار في الغاية التي من أجلها أنشئ حزب الله..حيث كان مؤمناً بأن يكون حالة مقاومة ضد الكيان الصهيوني.. وليس حالة لبنانية، ومذهبية يقتصر برنامجها على"تحرير" الأرض اللبنانية وحسب، ثم يستثمرون ذلك في مشروع إيران القومي، المذهبي..حاصروه.. فانسحب.. وجاؤوا بتلميذهم المعدّ في قم، والمنضوي تماماً كجندي منفذ.. ليبقى شبه أبدي أميناً عاماً.. ثم ليحاط بما يشبه القدسية ..فيدخل بيوت وقلوب ملايين العرب كمقاوم عنيد ضد الكيان الصهيوني.. يسدّ فراغاً قاتلاً في الوضع العربي المنهار، ويقدّم لقيمات دسمة للجائعين العرب إلى حركة تقاوم الطغيان الإسرائيلي، وإلى شخصية كارزمية طالما تعلق المخيال العربي، وليد تاريخ الأفراد والملوك والحكام المستبدين بها.. ليضفي عليها، ويسقط كثير المشاعر والطموحات.. ثم تُكبّر وتُنفخ لتصبح ظاهرة تقترب من العبادة لدى كثيرين ..
ـ إيران وهي تواصل مشروعها التارخي الذي لم ينقطع من أيام الشاهنشاهية، والذي تلوّن بالإسلام السياسي ـ المذهبي.. عرفت كيف تختار شعاراتها المقبولة في الشارع العربي، وكيف تملأ فراغاً كبيراً أنتجه تحطم المشروع العربي النهضوي، وانهيار النظام الحاكم وتفريطه بأهم قضايا العرب فلسطين.. فركب عليها، واحتضنها شعارات نارية، وأطروحات متميزة عن السائد في مشاريع الحكام العرب : الصلح والاستسلام عبر سياسة التوسل والتسول.. فنجح في استقطاب فئات شعبية واسعة.. يعزز ذلك ما قام به حزب الله من عمل مقاوم على مدار السنوات كان له دوره الحاسم في تحرير الجنوب ثم في ذلك الالتفاف الشعبي حوله من المحيط للخليج، وهو يفرش الأرض العربية الواسعة والمتصحرة للمشروع الإيراني يجوب الوطن العربي بترحاب، ويحمل معه حركة تشييع مسلحة بأنياب التفسيخ، والتقسيم.. والحرب الأهلية .
***
في تاريخ الحركات الشيعية تراث كبير وهام من الخبرات التنظيمية، والبناء العقيدي، والإعداد الجيد للدعاة والإطارات والخطاب المقبول جماهيرياً.. ومن خلال المظلومية كان يجري تحشيد الناس بذلك الذهن الانتقامي، الثأري، الحاقد ضد آخر يعتبره التواصل للذي كان قرون الاصطراع والاحتراب، والمطاردة.. وما احتوته من تصفيات، وظلم.. فتمّ اسثمارها في التعبئة البنيوية لشتى فئات الشيعة، بمن فيهم تلك النخب الموظفة في المشروع.. والتي تغرف من خزين الأحقاد لتجنيد المؤيدين بعد غسل أدمغتهم الوطنية وتحويلهم إلى أدوات مجرثمة بروح الثأر، والانتقام، والحكم ..ثم أصبغوا على الطائفة العلوية ما كان يلزمهم، ويحتاجه الطاغية الأكبر حافظ الأسد باعتبارهم جزءاً من الإثني عشرية، ومستتبعات ذلك في التحالف الاستراتيجي الذي حرص عليه ذلك الطاغية، حتى سنوات حرب إيران والعراق، وتحوّل ذلك التحالف إلى تبعية بعد مجيء الوريث، واعتماده على الخبرات الإيرانية حتى في أمنه وحراسته الشخصيين .
ـ نجح حزب الله في أطروحاته سنوات وهو يُظهر تطهّره، وزهده بالحكم، وابتعاده عن أي موقع فيه، وأنه حركة مقاومة وفقط حتى شكّل دولة ضمن الدولة لها كل مواصفات الدولة..مسلحة بما يفوق الجيش اللبناني، وجميع القوى المليشياوية التي نمت عبر الحرب الأهلية، والتي فرض عليها نزع سلاحها إلاّه.. لينتقل عبرها من التطهّر إلى التدخل السافر.. ومن حركة مقاومة إلى شبه حاكم للبنان..
ـ في ذلك المسار كان ملفتاً للانتباه تلك العلاقة العضوية مع النظام السوري على مرّ عقود احتلاله للبنان ومفاسده فيه، والمتناقض ـ نظرياً ـ مع جميع أطروحات حزب الله، بما فيها جوهرها : المقاومة.. حيث كان النظام السوري، على امتداد حكم الطاغية الأسد ووريثه نظاماً ارتدادياً بامتياز عن الخط الوطني، مقايضاً مثل أي تاجر سمسار بلا أخلاق، وقد وجّه أبلغ الضربات لحركة المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وفعل في لبنان ما هو أسوأ من الاحتلال الإسرائيلي.. في نخر البنى الداخلية وتلغيمها بأجهزة الأمن، والمخبرين، واللعب بالنسيج اللبناني.. وفوق ذلك، وأهم من ذلك أنه كان نظاماً تسووياً بالجوهر ـ عكس خطاب نصر الله وإيران من ورائه ـ وأنه لم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ العام 1974، وأنه حاول بكل الوسائل للوصول إلى حل تصالحي مع الكيان الصهيوني.. ناهيكم عن طبيعته الأحادية، وما يفعله ضد الشعب السوري من جرائم وأفعال مناقضة لشعارات إيران وحزب الله، بما في ذلك الخلفية الإديولوجية المتناقضة فيما بينهما...
ـ هذا السر في العلاقة العضوية لم يكن يجد تفسيره سوى في الكهف الطائفي المشترك الذي يلتقيان فيه.. والذي يحوّل النظام السوري إلى قاعدة، وذراع، وشريك صغير في أحسن الأحوال في مشروع ولاية الفقيه..
***
في السابع من أيار عام 2007.. سقطت أقنعة التطهر والنأي عن التدخل في الشؤون الداخلية.. حين قام حزب الله باحتلال بيروت.. كاشفا بذلك الزيف الكبير في كل تاريخه المصنّع، وأنه مدّ البساط عبره وصولاً لوضع اليد على لبنان قوة طاغية تتحكم فيه وتنسف أسس التعايش والتوافق فيه..وإدخاله علانية حظيرة التبعية للنظام السوري..
ـ هذا الانكشاف المريع تواصل بوقاحة أكبر في اغتيال الحريري وما أحدثه من زلزال.. ليس فقط باتهام حزب الله مباشرة في عملية الاغتيال.. وإنما أيضاً في وقوفه العلني ضدّ إرادة أغلب اللبنالنيين في إخراج الوجود السوري للنظام القاتل، وفي ذلك الاصطفاف المشبوه وما تلاه من إنجاد للنظام السوري ومنع انهياره المتوقع .
***
ووفقاً للرايات المرفوعة، والخطب الطنانة حول ثورات الربيع العربي في تونس، ومصر.. واليمن، والبحرين.. ونسبياً في ليبيا..ظنّ كثير أن مواقف حزب الله"الديمقراطية" ستكون بالقطع إلى جانب الشعب الثوري المنتفض طلباً للحرية، والإصلاح، والتغيير.. وإذ بالحقيقة أقوى من كل زيف الشعارات، والتسويقات..
لقد تخندق الحزب، وأمينه العام في موقعه الطائفي الطبيعي.. ذراعاً مشوّها.. لا يجد أي تبرير سوى المشترك المذهبي، وسوى الموقع في المشروع الإيراني.. وهذا في مرحلة كانت فيها الثورة السورية سلمية لأشهر طوال، ولم يكن هناك لا داعش ولا ماعش.. ولا سلاح.. ولا "تكفيريين"...!!!! ..
ـ كانت الأوامر العليا صريحة : إنقاذ النظام السوري بكل الوسائل، حتى لو كان التدخل المباشر..فكان الذي كان فيما يشبه احتلال بلادنا من قبل مليشيات طائفية من بلاد عديدة، وعلى رأسها قوات حزب الله..وقد خلع نصر الله جبته السابقة.. وارتدى جوهره بوقا مدافعاً عن كل أنواع الجرائم، وجندياً تابعاً للأوامر الصادرة إليه من إيران .
ـ ورغم عملية الإنقاذ التي حصلت، والتحول الذي حدث منذ استرجاع القصير..إلا أن إرادة الشعب السوري كانت أكبر، وتصميمه على اشتلاع نظام الفئوية والإجرام أقوى.. وقد تتالت الانهيارات والخسائر..وبما يشير إلى إمكانية تهاوي النظام في أي وقت، أو انحساره في أقفاص متقطعة.. وربما ما يحكى عن فرض أمر واقع كيانات طائفية وغيره، خاصة بعد" عاصفة الحزم" وتوابعها وما أنتجته من مفاعلات .
ـ حزب الله ممثلاً بأمينه العام.. يشعر بالخطر اليوم.. وسقوط النظام السوري يعني سقوط قاعدة استناد المشروع الإيراني في المنطقة.. وما يجري في اليمن يصبّ في الاتجاه نفسه، ومثله في العراق بتلاوينه الكالحة أو المتموجة.. لذلك يخرج عن طوره.. متحولاً من قائد حركة مقاومة.. إلى زعيم مليشياوي إيراني.. مستعد أن يشعل المنطقة بحروب أهلية وطائفية.. وقد فقد زمام تلك الحكمة التي كان حريصاً على التمنطق بها..وقد باتت خطاباته مثل القنابل الموقوتة التي عطّل الزمن مفعول كثيرها..
ـ حزب الله، ومن خلفه إيران يريدون إشعال بلادنا بحروب طائفية مسعورة.. لذلك يصعّدون، ولذلك يستنفرون قواهم في شتى أنحاء المنطقة..ولذلك أيضاً، وأيضاً نحن جميعاً مطالبون بإسقاط هذا المشروع، ووعي مخاطره.. ورفض الانجرار إليه.. تمسكاً بالتعددية، والنظام الديمقراطي.. والمساواة بين جميع الناس على أساس المواطنة.. وإيقاف مدحلة التعبئات الطائفية بكل صورها.. وعدّتها.. ليرتفع الوطن راية الجميع، وهدف الجميع ..