إعدام مندريس.. وإعدام مرسي!
أ.د. حلمي محمد القاعود
واضح من تتابع الأحداث وسيرها الموتور أن اليهود الغزاة بموافقة العالم الصليبي قرروا التخلص من الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي يمثل لهم صداعا مزمنا ، كما يمثل وجوده مشكلة معقدة لا حل لها ، وخاصة أن هناك الآلاف منذ عامين مازالوا يخرجون إلى الشوارع ويتظاهرون متحدين قانون التظاهر الإرهابي الظالم!
الانقلاب العسكري الدموي الفاشي سيعدم محمد مرسي ظنا منه أن ذلك كما يوحي كفلاؤه من اليهود والغرب والأعراب سيضع حدا لفكرة الثورة المصرية التي هددت وجود الغزو النازي اليهودي وعروش الطغيان ، وبشرت بعهد تنهض فيه العدالة على قدميها ، وتتحرك فيه الأوطان العربية نحو الحرية والكرامة والإنتاج والأمل !
في تركيا التي دمرها كمال أتاتورك ( ابن يهود الدونمة ) ، ومحا هويتها الإسلامية ، وتماهى مع الغرب الصليبي لدرجة استدعاء السفير الإنجليزي لدي أنقرة ليوصيه وهو يُحتضر أن يتولى حكم بلد الخلافة بعد رحيله؛ استطاع عدنان مندريس (1899ـ 1961) الذي كان منتسبا ونائبا عن حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، أن ينفصل عنه عام 1945مع ثلاثة نواب آخرين ليشكلوا حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي بزعامته متحدين إجراءات منع الأحزاب آنذاك. وشارك الحزب الجديد عام 1946 في الانتخابات العامة، وحصل على 62 مقعدا فقط، ولكنه في انتخابات عام 1950 فاز بأغلبية ساحقة شكل على إثرها مندريس حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب أتاتورك.
كان مندريس قد خاض حملته الانتخابية على وعود بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة التي اتخذها أتاتورك وخليفته عصمت إينونو ضد كل ما له صلة بالإسلام ، وحينما فاز مندريس أوفى بوعوده فسمح ببناء المساجد وأعاد رفع الأذان بالعربية وألغى حظر تعليم القرآن وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم، مما أسهم في تراجع حدة التوتر بين السكان والدولة بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام . ولم يعلن مندريس في أي من هذه الإجراءات أنه كان إسلاميا أو مؤيدا للإسلاميين.
في المجال الزراعي قام مندريس بإدخال تكنولوجيا الزراعة إلى الأرياف, وأرسل الجرارات والحاصدات إالى الفلاحين ، ووزع عليهم الأسمدة الكيميائية وأرسل اليهم مرشدين زراعيين, كما انشأ العديد من السدود الكبيرة بمعدل سد في كل منطقة تقريباً, حتى أخذت تركيا تتصدر الدول الأوروبية والشرق الأوسط في إنتاج القمح والبندق والتين المجفف والعنب والقطن والشاي ومختلف أنواع الفاكهة والخضار, وأنشأ العديد من مخازن الحبوب, كما ربط جميع القرى بشبكات طرق, وأنشأ معامل للنسيج وعصير الفواكه والصابون والأدوية والأسمنت ولوازم البناء ، ومصانع للأحذية ودباغة الجلود...
وفي عهده انضمت تركيا إلى حلف الناتو، وأقام علاقات قوية مع الولايات المتحدة ، ووضع تركيا في مواجهة المد اليساري القومي العربي الذي صنعه جمال عبد الناصر.
بيد أن الجيش التركي العلماني المعادي للإسلام ، ظل يترقب وينظر إلى إصلاحات مندريس بعين الريبة والشك ، وفي صباح 27 مايو عام 1960 ( أي منذ خمسة وخمسين عاما بالتمام) تحرك العسكر ليقوموا بأول انقلاب خلال العهد الجمهوري، وقام الجنرال جمال جورسيل، ومعه 38 ضابطا بالسيطرة على الحكم ، وأحال 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وأوقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار وعددا من الوزراء وأرسلهم إلى سجن في جزيرة يصي أدا.
وبعد محاكمة صورية؛ سُجن رئيس الجمهورية مدى الحياة وحكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته ووزير ماليته، بتهمة ملفقة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية! وتم تنفيذ الإعدام بمندريس وزميليه في اليوم التالي لصدور الحكم ، ودفنت جثامين الثلاثة في جزيرة يصي أدا وظلت هناك حتى التسعينيات في القرن الماضي فجرى نقلها إلى إسطنبول حيث دفنت من جديد وأعيد الاعتبار لأصحابها في عهد تورجوت أوزال .
التاريخ يعيد نفسه على أرض المحروسة ، ولكن الانقلابيين لا يعتبرون بدروسه وعبره ، ويظنون أنهم بمنأى عن حكمه . لقد عاد الشعب التركي إلى إسلامه أو عاد إسلامه إليه ، وانمحى اسم الطغاة الذين ذهبوا إلى مزبلة التاريخ ، وصار عدنان مندريس رمزا للإصلاح والشهادة ، أما جمال جورسيل ومن بعده كنعان إيفرين فقد وضعوا في قائمة سوداء ملطخة بالعاروالخيانة .
وهاهو أردوغان يشير إلى أن 27 مايو يوم أسود في تاريخ تركيا، لأنه ذكرى إعدام مندريس وزميليه ، الذين قدموا خدمات كبيرة للشعب التركي وكافحوا من أجل مستقبله، ولم ينظروا يوما إلى الأمة التركية باستعلاء، ولم يتخلوا عن طريقهم وضحوا بحياتهم من أجل الأمة. كما يلفت النظر إلى الانقلابيين الذين أعدموا الديمقراطية في 1960 حيث لا يتذكرهم أحد الآن.
المفارقة أن المعارضة المعادية للإسلام في تركيا تهدد أردوغان الآن بالإعدام، وتضع صورته بجانب خبر إعدام محمد مرسي في إشارة بأن مصيره سيكون مثل مرسي. كما يرددون أنهم سيغلقون مدارس الأئمة والخطباء، وسيغيرون نظام التعليم في تركيا، أي سيحاربون الإسلام كما فعل أتاتورك ! من أي مستنقع يشربون !
الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في مصر لا يتعظ مما جرى في تركيا ، بل في مصر نفسها ، وتردد أبواقه المأجورة بالحرام؛ المقولات التركية المعادية للإسلام نفسها ؛ فيتهمون من جاءت بهم الديمقراطية بأنهم يعودون بمصر إلى الوراء عشرات السنين لأنهم يؤمنون بالإسلام ، وأنهم قسّموا الشعب إلى فصائل وجماعات .. وفتحوا أبواب مصر للمتآمرين والعملاء يعبثون فيها كما يشاءون، وباعوا أقدس مقدسات الوطن .. وأنهم تحولوا بعد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي إلى مجموعة من القتلة الذين يطاردون الأبرياء فى أرزاقهم ؟!...هذه الادعاءات الكاذبة الفاجرة وغيرها ؛ هل هي المدخل إلى إعدام مرسي ؟ وتسويغ حرمان الشعب من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، والحق في التعبير عن نفسه ؟ من المؤكد أنها كذلك وخاصة أن القوم يبررون الفشل الذريع لقائد الانقلاب بمبررات متهافته ، ويدعوننا إلى الصبر سنتين أو عشرا أو ثلاثين أو"اللي مش عاجبه الوضع يغور.. حدود مصر واسعة يخرج من أيها شاء"، ويتجاهلون تماما ما يجري من قتل وانتهاك للحريات ، ومصادرة للأموال ، واعتقالات وتهم ملفقة توجه للأبرياء، ويطلبون منا أن نرضى بالحكم الدموي الفاشي ونقبل به حتى لوتحول المصري إلى مجرد جسر تعبر فوقه البيادة !
مرسي لا يخاف الشهادة ، وهوصامد برجولة حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا .
الله مولانا . أللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !