الخللُ الخطيرُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

د. حامد بن أحمد الرفاعي

العقيدةُ هي الخصوصيِّةُ الدينيِّةُ..التي تُميِّزُ أتباعَ الأديِّانِ بَعضهم عنْ بعضٍ..فَلكُلِّ أتباعِ دينٍ عقيدتُهم التي تُميِّزُهم عنْ غيرِهِم في تدينهم وعلاقتهم بربهم،بكل تأكيد الحقيقة الربانية واحدة لا تتعدد ولكن فهم البشر لها يتعدد..وَهَذِه المسألةُ حسمَ الإسلامُ موقِفَه مِنْها بِنصيِّنِ قُرآنيينٍ مُحكمينِ الأول في قوله تعالى:"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"والثاني في قوله تعالى:"لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"وذلك لإنهاء جدلية الإيمان والكفر فيما بينهم..فهذا الأمر مرد الحسم القاطع فيه إلى الله جلَّ جلاله هو الذي يفصل بينهم بشأنه كما في قوله تعالى"إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"وذلك لينشغل النَّاسُ في المُشتركِ الربَّانيِّ مِنَ القيمِ والمبادئ والأخلاقِيات..التي تُعينُهم عَلَى إقامةِ الحياةِ..مِمَّا هُو مُقررٌ في الشرائعِ الربَّانيِّةِ..وتَزخرُ به الرسالات الربَّانيِّةُ الإنسانيِّةُ..التي بَشَّرَ بها أنبياءُ اللهِ ورسلُه عَبرَ الزمانِ وعَلَى امتدادِ المكانِ..والتي اكتملت وتمت برسالة خاتم الأنبياء والرسل سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم..وذلك من أجل النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض وعمارتها..وللأسف حدثَ خللٌ خطيرٌ في فَهمِ العلاقةِ بينَ وظائفِ العقيدةِ والشريعةِ والرسالةِ..وهُو أنَّ نفراً مِنْ أجيالِنا وأجيال البشرية من كل ملة ودين تَأثُراً ببعضِ العُلماءِ والمُفكرينِ المتشددين..وسّعوا مَهمةَ دائرةِ العقيدةِ عَلَى حِسابِ مَهَمَةِ دَائِرَتيِّ الشريعةِ والرسالةِ..حتى أصبَحت العقيدةُ النافذةَ الوحيدةَ التي يُطلّون منْها عَلَى النَّاسِ يُكفرون بعضَهم ويُصنِّفونَ آخرينَ بمسمياتٍ جارحة مؤذية..فَأحدثُوا بذلك فتنةً مُدَمِّرَةً في كيانِات الأمم..وعَطّلوا المُشتركَ الربَّانيَّ بينَ أتباعِ الأديَّانِ المُتعلقِ بالنهوض بواجبات ومسؤوليات أمانة التكليف الرباني لهم جميعاً..

ألا وهي مِهمةِ الاستخلافِ في الأرض وَعمارتِها.. ومنْها: التعارفُ، والتفاهمُ، والتعاونُ، والتنافسُ، والتعايشُ والتدافعُ.. التي شرعها رب العباد للعباد سبحانه منْ أجلِ العمل معاً على مُقاومةِ الفسادِ..وفعلِ الخيراتِ وإقامةِ العدلِ والأمنِ في مَيادينِ الحياةِ..كما هو مؤكدٌ في قولِهِ تَعَالى:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ"وبعدُ..فإنَّ الخيرَ كُلَّ الخيرِ في المحافظةُ عَلَى التوازُنِ المُحْكَمِ الراشدِ..بينَ وظيفةِ العقيدةِ والشريعةِ والرسالةِ..وعدمُ العبثِ وإحداث تداخل مخل بين تَخصُصِات وظائِفِها وَإخراجِها عنْ سياقِ تَكامُلِها الربَّانيِّ المُتوازنِ المُحْكَمِ.