استراتيجية الخلافة المنشودة

معاذ عبد الرحمن الدرويش

معاذ عبد الرحمن الدرويش

[email protected]

أول ما نشأ تنظيم البغدادي تحت مسمى دولة الإسلام في العراق ، ثم ما لبث أن أصبح دولة الإسلام في  العراق و الشام ، و بين ليلة و ضحاها صار اسمه خلافة إسلامية .

هذا من ناحية المسميات ، أما من ناحية الأفعال ، ما هي استراتيجية التنظيم  أمام هذا المسمى العريض ، و أمام هذا المشروع التاريخي العظيم؟.

و ماذا قدم  لهذه المسؤولية  الجليلة  و التي ألقيت على عاتقه ؟ و هو يدعي نفسه أنه  سيقيم  إمبراطورية إسلامية ستضم تحت جناحيه كل بلاد المسلمين في العالم.

نشأ التنظيم في عهد الإحتلال الأمريكي للعراق ، ثم دخل إلى سوريا تحت ذريعة نصرة الشعب السوري ضد عدوه نظام الإجرام الأسدي  و جميع أنصاره روسيا و إيران و غيرهما ، و من ميليشات شيعية من العراق و لبنان و إيران، و وسط تعقد الوضع في سوريا و العراق تم إعلان خلافته المنشودة.

فالتنظيم إذا وجد في زمن الحرب ، و لا يزال يؤسس خلافته المنشودة  في منطقة تعتبر الأكثر إلتهاباً في العالم و ربما في التاريخ.

و ما دام  السلم  بعيداً عن المنطقة مكانياً و زمانياً حتى تاريخه ، فمن الأولى عدم مناقشة هذا الجانب الغائب أساساً.

فما هي استراتيجية دولة الخلافة المنشودة في الحرب ؟.

من بديهيات الحروب ، أن تضع أولويات لأعدائك، و عندما تكون هناك أمامك جبهة مفتوحة ، تحاول منع انفتاح أي جبهة ثانية ، ولو كان ذلك على حساب مبادئك ، ريثما تنتهي من العدو الذي يقاتلك الآن.

فأمريكا و التي تمثل القوة الضاربة في العالم نجد أن استراتيجيتها الحربية ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير.فامريكا الآن عندما تريد أن تقاتل أي عدو تحاول ان تجيش أكبر عدد ممكن من الدول معها، مهما كان هذا العدو صغيراً و ضعيفاً، كما أنها قبل مباشرة الهجوم عليه ، تحاول أن تنخره من الداخل نخراً حتى يكاد يسقط بمفرده.

بينما دولة الخلافة المنشودة لم تترك ملة و لم تدع ديناً و لم تسلم دولة في العالم،إلا و فتحت جبهة حرب عليها.

فتحت جبهة حرب على الأكراد في العراق ، و فتحت جبهة  حرب على الأكراد في سوريا ، و فتحت جبهة  حرب على الشيعة في العراق، و فتحت جبهة  حرب على اليزيدية في العراق ،و فتحت جبهة حرب على النظام السوري ، و قتحت جبهة حرب على النظام في العراق، و فتحت جبهة  حرب على السنة في العراق، و فتحت جبهة حرب على الجيش الحر في سوريا ، و فتحت جبهة حرب على جبهة النصرة في سوريا ، و فتحت جبهة حرب على الكتائب الإسلامية في سوريا...

و عندما اعترض مجلس العموم البريطاني بالمشاركة في التحالف الدولي لضرب تنيظم البغدادي  تم ذبح عامل إغاثة بريطاني حتى تم تجييش الشارع البريطاني و من ثم تم جر بريطانيا للمشاركة  بالتحالف في غضون عدة أيام  ، و الأمر تكرر نفسه مع فرنسا و كانت الجريمة وقعت في الجزائر فتبتها الخلافة المنشودة ، و في كل يوم تقع حادثة ما ، جريمة ما ، في دولة ما و الخلافة المنشودة تتبنى كل ذلك.

فهل من المعقول أن تكون هذه استراتيجية تنظيم يدعي أنه يسعى لإقامة خلافة إسلامية تشمل كل بلاد العالم كما يحلمون؟.

لو كان تنظيم البغدادي  صادقاً بمشروع الخلافة و بعيداً عن الإمكانيات لديه ، لراوغ و ناور و لو قليلاً ،

لكن المشكلة تكمن أن المراوغة و المناورة سواءً السياسية أو العسكرية تتناقض مع الهدف و الدور المرسوم له في المنطقة و في هذه الفترة المضطربة بالذات.

فالدور المرسوم له هو قلب الأوراق في المنطقة  لا أكثر، وخلطها كلما سنحت لها الظروف لكي تستقر في اتجاه ما.

 في خضم هذا الإنقلاب الجذري في ماهية الخريطة السياسية و الجغرافية و البشرية للمنطقة ، و لكي لا تستقر الأمور لصالح أي طرف من  الاطراف المتصارعة في المنطقة ، و لا بد من وجود قوة تعيد قلب الأوراق كلما استقرت على وجه ما ...و سيستمر قلب هذه الأوراق ريثما تنجح أمريكا و حلفاؤها في وضع مخططها النهائي للمنطقة ، ويمكن تطبيقه على الأرض .

وأكبر دليل على ذلك و على سبيل الذكر لا الحصر:

أين معركة(عين العرب – كوباني) ؟.

اندثرت المعركة و اندثرت المدينة ، ماذا جنت جنود الخلافة من تلك المعركة الخاسرة ؟.

فمعركة كوباني كان الهدف منها تهديد القوة الكردية الصاعدة في المنطقة لكي لا تغتر كثيراً بنفسها من جهة و تقدم فروض الطاعة كاملة من جهة ثانية ، وفي نفس الوقت كانت حجة لتسليح الأكراد ، و محاولة فتح ثغرة في الخاصرة التركية ، و التلويح لدولة أو إقليم كردي في سوريا...

و المعارك تستمر و الخسائر تستمر ، و ما يغطي على ذلك سوى أنها تنتقل من جبهة إلى أخرى ، و كلما اشتد ساعد ما في المنطقة ضربته وحاولت إضعافه أو تغيير مسار تحركاته .

يتقدم النظام السوري تضربه ، يتقدم الثوار و الجيش الحر تهاجمهم من الخلف.

تهاجم المناطق السنية في العراق ، تضرب الجيش العراقي ، ...........

و يستمر اللعب بقلب الأوراق إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا

و إلى أن تنجح أمريكا و حلفاؤها في رسم معالم المنطقة الجديدة بما يخدم مصالحهم ، خاصة و أن صمام الأمان لهم و الحارس الامين على مصالحهم  في المنطقة و المتمثل بنظام الأسد أصبح في خبر كان.

و الأخطر من ذلك و السيناريو الاكثر احتمالاً لتنظيم البغدادي في المنطقة ، أن يبقى يعمل بهذا الإسلوب بصورة دائمة تستنزف المنطقة في حرب طويلة الأمد.

فالخلافة المنشودة و الكثيرين من أنصارها يؤيدون كل تلك السياسة الدموية تحت ذريعة أن الخلافة لا تبنى إلا على الجماجم.

متناسين أن الله عز و جل خاطب نبيه محمد  محمد صلى الله عليه و سلم  في كتابه الحكيم حين قال (و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ..)

فرحمة دين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم جاءت للعالمين و ليست للمسلمين فقط  ، في حين أن أول من اكتوى بنار (الخلافة على نهج النبوة ) هم المسلمين أنفسهم تحت بنود الردة و الكفر و حجج ما أنزل الله بها من سلطان.