هل توجد إجراءات لحماية خطباء المساجد من عسف التوقيف ؟

جمعتني يوم أمس صلاة التراويح بالأستاذ الجامعي الدكتور قيراط خطيب مسجد محمد السادس بمدينة وجدة الذي تم توقيفه ، فسألته عن سبب التوقيف كما جاء ذلك فيما نشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى بعض الصحف الوطنية فبادر إلى براءته مما نشر على بعض هذه المواقع التي تصرف أصحابها دون علمه لأنه كان يفضل ألا ينشر خبر توقيفه أصلا . وما حز في نفس هذا الخطيب الكفء و المفوه أنه توصل باستفسارات من جهة مختصة بالشأن الديني إداريا  تأولت بعض ما ورد في بعض خطبه تأويلا يجانب قصده  دون أن تستدعيه جهة مختصة  بالشأن الديني علميا لمناقشته . وذكر الخطيب المعني أنه طلب منه الرد على الاستفسارات إلا أنه لم يجد فيما أخذ عليه ما يستدعي الرد لأن الأمر يتعلق بسوء فهم، وسوء تأويل لما قصده في خطبه . ودون الخوض فيما استفسر فيه هذا الخطيب ، وفي الخلفية الحقيقية الكامنة وراء منعه من الخطابة أود التساؤل عن الإجراءات التي من شأن الوزارة الوصية على الشأن الديني أن تتخذها لحماية خطباء المساجد من التوقيف أو المنع من مزاولة واجبهم الديني ؟ ولا تعدم الوزارة الوصية عن الشأن الديني هذه الإجراءات خصوصا وأنها تتوفر على مجالس علمية تضم علماء قادرين على النظر فيما يصدر عن الخطباء من أخطاء محتملة أثناء الخطابة . أما إذا ما اقتصر الأمر على تقارير تنجزها جهات لا علاقة لها بالشأن الديني ، وبعضها لا يملك الكفاءة المناسبة لفهم وإدراك مدلول الخطب، فإن ذلك من شأنه أن يعرض الخطباء لعبث العابثين . وغالبا ما يتصل بعض أعوان السلطة بالخطباء بعد صلاة الجمعة للسؤال عن مضامين الخطب لأنهم إما لا يحضرونها أصلا  أو لا يفهمون ما جاء فيها، ومع ذلك يذهبون إلى المسؤولين عنهم بتقارير فارغة  لا تصف خطب الجمعة الوصف الحقيقي، وربما تكون كاذبة وفيها تلفيق وافتراء، أو تكون عبارة عن وسائل  لتصفية حسابات مع خطباء بعينهم . ومن حق الوزارة الوصية عن الشأن الديني أن تراقب  ما يقدم من خطب على منابر الجمعة في المساجد ، وأن تستدعي الخطباء الذين لا يلتزمون بما يمليه واجب الخطابة كما تسطره الوزارة . ولا أحد يقبل أن تكون منابر الجمعة مسخرة للدعايات الحزبية أو الطائفية أو منابر لبث الكراهية بين المواطنين أو لتصفية الحسابات الإيديولوجية لأن مهمة خطب الجمعة هو تبليغ ما جاء في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون توظيف ذلك طلبا لعرض الدنيا الزائل  أو خدمة لمصلحة مهما كانت ، ومهما كانت الجهة التي تقف وراءها  . ولا شك أن الجهة المؤهلة للحكم على خطب الجمعة هي المجالس العلمية المختصة  التي تمنح التزكية للخطباء ، والتي تستطيع مناقشتهم ومراجعتهم فيما يرد في خطبهم من هفوات محتملة . أما اعتماد تقارير الجهات غير المختصة للحكم على هذه الخطب وعلى أصحابها، فهو إجراء معيب لا يليق بالوزارة الوصية عن الشأن الديني ، ولا يرعى للخطباء قدرا أو حرمة،  وهم يقومون بواجب النصح لله عز وجل ابتغاء وجهه جل في علاه  . ولا يمكن اعتبار النصح الوارد في خطب الجمعة نقدا يستهدف الأشخاص والهيئات والجمعيات والجماعات أو غير ذلك  . فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا ما تناول الخطباء موضوع محرم من المحرمات لا يعقل أن يعتبر بعض أصحاب هذه المحرمات أن الخطباء يستهدفونهم وهم يتناولون وجهة نظر الدين فيها ويؤصلون لذلك بما جاء في الكتاب والسنة . صحيح أنه لا يجب على الخطباء خلال تناولهم لهذه المحرمات أو الممنوعات شرعا التعريض بأشخاص بعينهم لإلحاق الضرر بهم سواء كان ماديا أو معنويا . وفي المقابل لا يجب أن يكون الخطباء هدفا للاتهام إذا ما بلغوا  ما في القرآن الكريم والسنة المشرفة وفق قواعد الدين من محرمات أو ممنوعات . وعلى افتراض أن بعض الخطباء ربما زلت بهم ألسنتهم في بعض ما يرد في خطبهم، أفلا تلتمس لهم الأعذار أو ألا يستدعون إلى مجالس علمية انضباطية  كما هو الشأن في كل الوزارات لتصحيحهم وتوجيههم دون توقيفهم بصفة نهائية كما هو الحال بالنسبة لشريحة الخطباء والأئمة  . ألا يمكن أن تكون مراجعة الخطباء عبارة عن إجراء يسبق توقيفهم ؟ أم ألا يمكن أن يكون التوقيف مؤقتا كإجراء انضباطي من شأنه أن يجعل الخطباء الموقين يراجعون أنفسهم ويصححون مسارهم ؟ لماذا بالضبط  لا تغتفر أخطاء الخطباء وحدهم إذا ما صح أنها أخطاء، ولم تكن مجرد تلفيق وزور وبهتان أو سوء فهم وسوء تأويل صادر حتى عن حسن نية وقلة دراية .نأمل من الوزارة الوصية عن الشأن الديني الموقرة أن تقوم بمراجعة قرارات التوقيف الصادرة في حق بعض الخطباء وعرضهم على أنظار مجالسها العلمية المختصة لمراجعتهم ومساءلتهم وتوجيههم وتصحيح مساراتهم عند الاقتضاء صيانة لكرامتهم التي تجرح بإجراء التوقيف  ، واحتراما لمنابر الجمعة ، وحفاظا على كفاءاتهم  التي لا يمكن أن تعوض في حال توقيفهم . وأخيرا لا بد أن يحظى  الخطباء بالتبجيل المناسب لهم تقديرا لمنابر الجمعة وللمهمة النبيلة التي يضطلعون بها لتوجيه الناس نحو الحق وإلى صراط مستقيم ، وألا يكون تحت رحمة كل من هب ودب ، وضحايا وشايات مغرضة كاذبة تبغي إسكاتهم عن قول كلمة الحق والجهر بها تطبيقا لأمر الله عز وجل . وليعلم الذين يستهدفون الخطباء بغير وجه حق أنهم  ينالون ظلما وعدوانا من أهل الله عز وجل وخاصته ، وقد توعد الله عزوجل من يعادي أولياءه بحرب .         

وسوم: العدد 623