ليس قدر العرب الاحتلال الصهيوني أو الصفوي
هل سيظل قدر العرب وأرض الإسلام والمسلمين هو الاحتلال؟
هل سيظلون دوماً محلّ تجارب مختلفة من حروب وأسلحة فتّاكة ومذاهب وديانات ومشاريع فكرية مشبوهة ومغرضة؟
هل يجب أن يتحرروا من هذا كي يحتلهم ذاك؟
لماذا لا يتحرر العرب بجهد العرب ويحمون كيانهم وأوطانهم من الغزاة المتربصين مهما كانت مللهم ونحلهم؟
كثيرون، خصوصاً من أدعياء القومية العربية، تراهم يطبّلون ويزمّرون ويهزّون بطونهم لتصاعد القوة الإيرانية في المنطقة، وبينهم من يبرّر ذلك بوجوب ترهيب العدو بالتصفيق لمن يسابقه نحو قوة أكثر منه وسيحدّ من نفوذه أيضاً.
الأشد خطراً في المخيال العربي، عندما تسجّل جهة ما مواقف معادية للمحتلين، تجد ضحايا الاحتلال يرفعونها فوق الرؤوس ويقلدونها نياشين المجد كأنها حملت لهم الفتح المبين، ومن دون أدنى رجوع إلى مرجعية أصحابها ونواياهم ومخططاتهم المستقبلية ضد أمتهم ومنطقتهم.
أذكر مثلاً أن الرئيس الفنزويلي الأسبق هيغو تشافيز لما طرد السفير الإسرائيلي من بلاده على خلفية العدوان على غزة، هب الكثير من العرب إلى ما يشبه مبايعته على أنه زعيم الأمة؛ نكاية في حكام العرب الذين خذلوا أهل غزة، وتغاضى الجميع على مصالحه السياسية في دوائر لعبة عالمية تريد أن تخرج فنزويلا النفطية من مخططات الحضور والنفوذ في ظل عالم نفطي بامتياز.
للأسف الشديد، بعض "المثقفين" وأشباههم سقطوا في وحل التخاريف، ومنذ سنوات وصل الحال بأحدهم على قناة "الجزيرة" أن راح يصرخ بملء شدقيه، ومن دون أدنى حياء أو احترام لمشاعر الملايين وهو يتحدث عن إيران قائلاً: "مرحباً باحتلال الكرامة.. مرحباً باحتلال العزة"!
ترى، متى كان الاحتلال يعيد الكرامة للشعوب؟
متى كانت الفاشية واللصوصية المقنّنة بالهيمنة على مكتسبات الشعوب وثرواتها هي عزّة لهم؟
الذين يفكرون بهذا المنطق السخيف يريدون الشعوب العربية أن تتحوّل إلى دواب –أكرمكم الله- لا تصلح إلا لمن يركب ظهرها، سواء كان هذا أو ذاك، ولا يهم إن حمل عليها بضائع أو براميل المياه أو أكياس الزبالة، ولا يهم من الحامل وإلى أي جهة يولي وجهه.
أكثر من كل ذلك، فقد سمعت من يهلل لإيران أن أطلقت قمراً صناعياً بعد نجاحها في تطوير أسلحة باليستية، وآخر يصفق لنجاحها في فتح مفاعل بوشهر أو تخصيب اليورانيوم في ناتنز، وآخرون يباركون اتفاقها النووي مع الغرب ويرون الدول الكبرى خضعت لملالي طهران.
لكل واحد أبعاده في هذا التهريج الذي ينمّ عن جهل بطبيعة الإيديولوجية الصفوية الاستعمارية التوسعية والعنصرية التي غلفها الخميني تقية بفكر عقائدي وشعارات مقاومة للمحتلين.
أغلب الحكام العرب ساعدوا إيران الصفوية والفارسية في عودتها إلى مشهد الزعامة للمنطقة والسيطرة على منابعها ومعابدها، فقد تآمروا على العراق الذي حارب الخميني لسنوات.. أسقطوا بغداد وجعلوا من عملاء طهران في النجف والحوزات من بأيديهم مقاليد الحكم، تحت الوصاية الأمريكية طبعاً، وبهذا استطاعت إيران أن تزيح من كان شوكة في حلقها، مهما كان اختلافنا مع نظام حكمه.
وجدت إيران ضالتها لما تخلى أغلب العرب عن المقاومة في فلسطين وحاصروها، فلجأت نحو حسن نصر الله ومنه نحو إيران الفرس ونظام الأسد، وبهذا كانت طهران على مسرح القضية الفلسطينية، ومن ثمة مقايضة وابتزاز الغرب والعرب وفق ما يخدم أمة الفرس ومصالح إيران الاستراتيجية.
غبي للغاية كل من يصفق للصفويين وقوتهم العسكرية، ولجمهورية الملالي العنصرية، لأنه يريد احتلالاً جديداً بدل الاحتلال الغربي القائم، وخاصة أن الصفوية تعمل على الهيمنة على كل مقدس ديني وقومي في العالم العربي، ولم تسلم حتى القومية العربية التي هيمنوا عليها من خلال نظام الأسد.
من يزعم أن في الاحتلال الإيراني للمنطقة حلّاً للتحرر من الصهيونية، هو مريض يحتاج إلى من يداويه من علله، لأن من يريد أن يستعمرك وينزع عنك سيادتك ويفرض عليك إيديولوجيته هو أخطر ممن يريد أن يأخذ منك أرضك ويطردك إلى المنافي والفيافي.
واهم لمنتهى الوهم من يرى أن زوال "إسرائيل" أو سقوط الإمبراطورية الأمريكية هو تحرّر للأمة العربية الإسلامية، فسقوط هذا يعني منطقياً صعود ذاك، وإن لم تكن أنت الأقوى فسيكون غيرك، وسيبذل على حسابك كل ما في وسعه من أجل الحفاظ على قوته الجديدة.
وجود إيران كقوة إقليمية معناه تقاسم النفوذ في العالم العربي، وهذا بلا شك يعني إعطاء القوة لكل الموالين لها من شيعتها ومليشياتها، وهذا سيسهر على اجتثاث أهل السنّة- خاصة- من الوجود؛ سواء عن طريق العنف والإرهاب، أو بواسطة فرض العقائد الملالية في المساجد والمدارس والجامعات ومراكز التكوين ودور الثقافة وغيرها.
ترى هل الخطر الأكبر يأتي من الذي يستولي على أرضك ويطردك منها، أو من الذي يستهدف عرضك؟
إن الأنظمة العربية التي استغبتها أمريكا ستشرب من علقم الصفويين حتماً، بعدما أعطى الغرب لهم دورهم المعلن من خلال اتفاق النووي، وقد لا يجد العرب أمامهم سوى الرضوخ لتقاسم النفوذ والأدوار بما يخدم مصالح غيرهم على حساب مصالحهم.
غريب أمر بعض الحكام العرب، بينهم من شاركوا في تدمير العراق، وكل المعطيات حينها تؤكد أن إيران ستتقوّى إلى درجة لا يمكن وصفها، وبعد سنوات من احتلال بغداد ها هو الحال وصل بالمدعو علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى القول:
"إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي"، وذلك في إشارة منه إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق.
للأسف لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تمدّد؛ حيث صرنا نشاهد أغلب الأنظمة تتفرج على سوريا وهي تحترق من طرف إيران وأذنابها، والأمر نفسه يجري في اليمن لولا التدخل العسكري بقيادة السعودية الذي أعاد بعض ماء الوجه، ومع ذلك توجد أنظمة عربية خذلت هذه الحملة العسكرية لمواجهة الغول الصفوي الإيراني، وما زالت ترى في الأفعى الخمينية الصديق الذي يؤتمن جانبه.
يوجد من لا يزال يثق بأمريكا التي صنعت إيران على عينها وتحت رعايتها لأنها وجدت فيها مواصفات واستعدادات تخدم استمرار الإمبراطورية الأمريكية، ورغم ذلك ما زلنا - بكل أسف - نرى بعض العرب يهرولون نحو البيت الأبيض من أجل المطالبة بتكسير شوكة المد الفارسي، ويصدقون للمرة الأخرى أن واشنطن يمكن أن تساعد العرب وتدعم قضاياهم.
أمريكا هي التي دمّرت العراق وسلّمته على طبق من ذهب إلى إيران بعدما عجزت في حرب الثماني سنوات من احتلال قرية صغيرة على الحدود، بل تجرعت السم، كما قال الخميني حينها، بسبب الرضوخ لنهاية الحرب مع نظام صدام حسين.
أمريكا هي التي وقفت ضد الشعب السوري في ثورته، ورفضت ومنعت أي دعم للمعارضة؛ وذلك حفاظاً على مصالح إيران.
أمريكا هي التي توجد طائراتها في اليمن، وطالما قصفت مواقع "القاعدة" وغيرها، في حين لم نسمع أنها استهدفت الإرهابيين الحوثيين وهم يرفعون شعارات الموت لها، ويتمددون حتى بلغوا صنعاء وصاروا يتبخترون في قصورها الرئاسية والحكومية.
أمريكا هي التي تقف ضد القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة، وتستعمل حق النقض في مجلس الأمن لمصلحة "إسرائيل"، كما تستعمل روسيا "الفيتو" نفسه لمصلحة إيران في سوريا. ولا يعقل أبداً أن واشنطن تدعم إيران التي تدعي المقاومة والممانعة لو لم تكن تدرك جيداً أن ملالي طهران يتاجرون بقضية العرب والمسلمين الأولى.
أمريكا هي التي لم تتحرك ضد كيماوي بشار الأسد الحقيقي الذي أباد به حتى الأطفال الرضّع، وتجاوز خطوط أوباما الحمراء المزعومة، ولكنها دمرت العراق على مشروع كيماوي كاذب.
بل تدعم طهران لأجل مشروع كان سرياً ووهمياً لدرجة ما، وسيصير حقيقة في المستقبل، فإيران التي صنعت مفاعلات سرية ستحقق مساعيها من أجل الوصول إلى قنبلة نووية بطرق مخادعة تتقنها كثيراً، وحينها سيعلن العالم رضاه بالأمر الواقع كما جرى مع كوريا الشمالية من قبل، خاصة أن اتفاق النووي مع الغرب لا توجد فيه إجراءات ردعية في حال الغش الإيراني، بل كل ما فيه هو التفاوض من أجل المفاوضات دون سقف زمني صارم.
ما الحل للحد من طوفان الفرس على العرب والمسلمين؟
استعمال القوة العسكرية ضد إيران لم يعد ممكناً؛ فقد وقعت اتفاقها مع الغرب، وصارت حليفاً استراتيجياً له، ولا يمكن إخراجها من أي شأن عربي في المنطقة، وسيحافظون على مصالحها خصوصاً في سوريا واليمن ولبنان وغيرهم.
الحلول السياسية والتفاوض سيخدم إيران حتماً؛ لأنه يعني التنازل لاقتسام النفوذ، مما يثبّت الفرس كمحتلين جدد، وهكذا يجد العرب أنفسهم بين محتلّين من هويات مختلفة، ومن يزعم أن احتلال الصفويين للعرب هو أفضل من احتلال الصهاينة فهو جاهل لحقيقة هذا وذاك.
إن كنا دوماً نرى أنه من أسباب دفع أمريكا لغزو العراق والسيطرة على الخليج هي منابع النفط والثروات، فما هي أسباب إيران حتى تخطط لاحتلال العالم العربي وهي التي تحتل الأحواز و80% من بترولها من هذا البلد العربي المحتل منذ 1925؟
بلا شك أن أهم شيء هو تقاسم الأدوار مع "إسرائيل" من أجل إعادة مجد الفرس الضائع وإمبراطوريته المفقودة التي دكّ عروشها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووجدت إيران ضالتها عبر التشيع الذي يخلخل قيم أمة تتدين على عقيدة أهل السنة والجماعة.
لا يوجد أمام العرب إلا دعم ثورات الشعوب ضد المشروع الإيراني في كل من سوريا والعراق واليمن وأيضاً لبنان. وكذلك مساعدة الشعوب غير الفارسية التي تتحرك ضد المحتل الإيراني، وخاصة في الأحواز العربية المحتلة، ودون هذه الخيارات ستبلع إيران المنطقة، خاصة بعد اتفاقها مع الغرب، ورفع التجميد عن ملياراتها وثرواتها، فضلاً عن أسواقها التجارية في الخليج العربي، حيث صار موظفون وعملاء للحرس الثوري يمتلكون شركات عملاقة، بينها التي بهويات مزيفة.
أجزم لو أن أجهزة الأمن العربية ومخابراتها تتابع بدقة حركة الأموال، خاصة في دول الخليج العربي، لتأكدت بأدلة لا يرقى لها شك، أن إيران تقتل العرب بثروات العرب وأبنائهم للأسف الشديد.
من المفروض أننا أمة حرة، وسنبقى كذلك، ولا نقبل أبداً أن نكون محتلّين، سواء من طرف إيران أو الأمريكان، ويجب علينا العمل من أجل تحرير أرضنا.
وهذا يأتي عن طريق بناء قوتنا العسكرية والاقتصادية الذاتية، حيث يجب أن نلبس مما نخيط، ونأكل مما ننتج، وندافع عن أنفسنا بأسلحة نصنعها، وليس برهن ثرواتنا وبالتعويل على أمم أخرى لها مصالحها ومكاسبها حتى تهب وتحررنا. فلا يوجد من على وجه الأرض أبداً من سيدفع فلساً واحداً أو يطلق رصاصة يتيمة لأجل سواد عيون غيره.
لكل أمة عقائدها ومخططاتها وبرتوكولاتها، ونحن الأمة الوحيدة التي فرّطت في قيمها وراحت تتعلق بالقش والغش، فبدل أن تغلب مصالحها راحت ترتمي من العجز في أحضان من يتربص بها الدوائر ويكيد حتى لقبلة صلاتها.
وبدل أن نوهن أكثر المحتل العجوز المتمثل في "إسرائيل"، نهرب نحو محتل آخر، وهو إيران، التي ما زالت في ريعان شبابها، بل تخادعنا بمقاومة مزيفة وهي تتقاسم الأدوار مع أعداء العرب والمسلمين بمختلف دياناتهم.
العبث الكبير الذي نتخبّط فيه هو تسليم أعناقنا لمحتل جديد يكبر وفق صيرورة تاريخية تؤكد أن الإمبراطوريات القائمة ستزول حتى وإن كانت أمريكا، وستحل محلها إمبراطوريات أخرى قادمة من أدغال جديدة.
لقد أتعبنا كثيراً الغزو القادم من بعيد، ولسنوات طويلة، وسيتعبنا أكثر ذلك الغازي الذي يخرج من بيوتنا ويتقن التكلم بألسنتنا، ويعرف عاداتنا وتقاليدنا، وسيعمل من الداخل في إفساد عقائدنا.
حذار! فإن الفرس قادمون حتماً إن لم تدفن مشاريعهم ومخططاتهم وخرافاتهم وأوهامهم في بلاد الشام وأخواتها.
وسوم: العدد 627