مسرحية العبادي العرجاء

 مشهد استعراضي شبيه بالدراما ، تحدث حيدر العبادري عن حملته الاصلاحية بما اطلق عليه التصدي للفساد المالي والاداري ، طبقا لنداء المرجعية (الدينية) وتنفيذا للمطالب الشعبية، وبهذا الاسلوب الاختزالي ، حاول  رئيس الوزراء العراقي، إفراغ مضامين الخطاب الوطني ، المتمسك بحقوقه ، والذي  يسعى إلى إستبدال السلطات الثلاث واحدة من أولويات المطالب الجماهيرية التالية ؛

ــ رفع وصاية المرجعية الايرانية ، وأن تكون مرجعية البلاد المعترف بها هي القانون وليست فتاوي وتوجيهات السيستاني ،

 ــ الإيقاف الفوري لعمليات التطهير المذهبي، من القتل والاغتيال والاختطاف والتهجير، والتعذيب ، وضرورة تشكبل محاكمة جنائية  للاقتصاص القانوني من كافة المسؤولين  والمتورطين أو المتسببين  في ارتكاب هذه الجرائم ـ

 ــ الغاء قانون الارهاب السيء الصيت، الذي أصبح سيفا مصلتا على رقاب أهل السنة

ـــ تشكيل لجنة دولية باشراف منظمة حقوق الانسان الاممية للتحقق من الجرائم  الحكومية  ومليشياتها واجهزنها بشأن الإتهامات الملفقة تجاه المعتقلين، لاسيما المحكوم عليهم بعقوبة الاعدام ـ

ـــ حل مجلس النواب والدعوة إلى إجراء إنتخابات حرة بإشراف دولي محايد ـ لتشكيل حكومة إنقاذ وطني تنقل العراق من واقعه المزري وتخرج شعبه إلى بر الامان ـ 

ــ اعادة كتابة الدستور للإنتقال من (الطائفة) إلى (المواطنة)  ومن المحاصصة إلى (الوحدة) 

ــ تشكيل فريق حقوقي  برعاية منظمة الشفافية الدولية لإعداد ملفات الفساد المالي والاداري  منذ عام 2003 وحتى عام 2015 ويشمل التحقيق السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) ـ

إن ما أعلنه السيد العبادي حتى الآن لايشكل في حقيقته ومعناه أكثر من فصل مسرحي يقف على قدم واحدة ، فالقضية الكبرى لاتكمن في التوصيف النظري للفساد الطافح في السلطة من الرأس حتى اخمص القدم ، ولا ينفع معالجة الوجع الوطني المستديم  خطاب ترقيعي ، يقدم للمتظاهرين (حبة اسبرين) لتسكين وجع  بشمل جسد البلد كله ـ

إن الاولويات تقضي العودة إلى الصفحات الاولى التي دونتها ساحة التحرير عام 2011 وأكد مضامينها الحراك السلمي الاول بمحافظة الانبار في أواخر ديسمبر 2012 إلى  تظاهرة جمعة اللحظة الراهنة من يوم 14 أب 2015

اليقين الثابت لدى معظم المراقلبين بأن من يستمد قراره من رجل ايراني مقيم في البلاد ، لايمكن أن يكون مستقلا في أي من قراراته ، بل أن مثل هذا الشخص  لايمكن أن يكون موضع ثقة مواطنيه ، وبالتالي فإنه لايصلح لقيادة الدولة أو يكون رئيسا للحكومة ، وهو يعلم بأن أقواله  لايمكن أن يكون مستقلا في أي من قراراته ، بل مثل هذا الشخص لايصلح أن يتولى أية  مسؤولية ، وبالتالي فإنه لايصلح لقيادة الدولة أو يكون رئيسا للحكومة ، وهو يعلم بأن أقواله لم تمس سوى القشرة السطحية من معاناة المواطنين ، القابعين تحت خطوط الفقر والمرض والامية وانعدام القانون  ; كان على العبادي  أن يتحدث اولا عن انعدام الامن وغياب سلطة القانون ، كان عليه أن يكشف عن الانتهاكات اليومية من عمليات التعذيب البربرية والقتل العمد لسجناء الحرية، والتطهير المذهبي، كان عليه قبل أن يرفع الستار عن مسرحية إصلاحاته العرجاء أن يقر بأن حكومته  تتبع المنهج التقليدي نفسه الذي كان قائما منذ عهود (علاوي ، ايراهيم الجعفري، المالكي)  وبقي  الحال مستمرا عليه ، بل تجاوز العبادي أسلافه جميعا، بمضاعقة عملية الاقتلاع الديمغرافي  وتطبيق نظرية المرجعية في تهجير مدن بكامل سكانها لــ(إحلال) لون مذهبي بعينه ، فتحت نظر وسمع حيدر العبادي خرج على الدنيا (ابو عزرائيل) متباهيا بقتل شباب ديالى وتكريت، وبأمر العبادي نفسه ، منع أهالي الانبار الذين هدمت طائرات ومدفعية الحكومة  منازلهم  من دخول بغداد إلا عن طريق كفيل !! ، أي مسرحية يريد رئيس الوزراء عرض فصولها ، وهو من منح الضوء الاخضر وعبد الطريق أمام جرائم  مليشيات الحشد الشعبي بقيادة حزبه ( الدعوة)  وجموع القتلة من  بدر والعصائب ، الذين اولغوا في دماء العراق ،فعملوا على  توسيع  وتطوير أساليب القتل  والتعذيب والارهاب ،  ومنها إستمرار القهر النفسي والامتهان الجسدي لحرائر العراق ، مما لم يكشف حتى الان عن كل تفاصيله ، المراقبون المعنيون بحقوق الانسان يأن مايجري تحت مسؤولية العبادي ؛ يؤكد حقيقة  في غاية الاهمية ؛ وهي أن ما يرتكب من جرائم  بحق العراقيين  سجناء رأي أم ضد نشطاء الحراك السلمي ، أم غيرهم  سواء في هذه المنطقة أو تلك ، هي  بالمعايير الرقمية وحسب الاحصاءات الحكومية نفسها ، تعتبر من العمليات اليومية الروتينية ، بعبارة أخرى الجرائم الحكومية لم تتوقف ، بل تضاعفت معدلات  حالات الإنتهاك الوحشية طبقا لتقارير وبيانات جمعيات حقوق الانسان الدولية  ، فالتقارير الاممية تؤكد بإن  ممارسات اجهزة حيدر العبادي الرسمية ومليشيات الاحزاب ، قد تجاوزت  افعالها المشينة  كل مايتصل بكرامة الكائن البشري،  بعد أن تنكرت لابسط القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الانسان ،فلم تتوقف الانتهاكات داخل المعتقلات وخارجها ، وبهذا السلوك اللا اخلاقي  المنفلت الذي تصر عليه الحكومة السادسة  تجاه المواطنين ، تحولت  حياة العراقيين  إلى جحيم لايطاق، شرع ابوابه أمام إستهتار غير مسبوق لقوى الجيش والامن الداخلي  ومليشيات السلطة واحزاب الحكم ، بسبب من فرادة  وحشيتها،  وعدد الضحايا ،مما  يجعل من عملياتها الدموية يفوق في معدلاته وبربريته جرائم الإبادة ضد الانسانية ، وهذا ماتؤكده  التقارير الدولية المحايدة  الصادرة  في النصف الاول من عام 2015 التي وصفت ماجرى ويجري في العراق من أسوء عمليات التطهير العرقي في تاريخ هذا البلد  . بعد أن قفزت أرقام الضحايا إلى المرتبة الاولى في النصف الاول من العام الحالي وقد توجت باعلان الرئيس فؤاد معصوم، المصادقة على مراسيم الاعدام المتراكمة في السنوات السابقة “حفاظاً على أمن المجتمع” بحسب زعمه، فيما يعتبر مجزرة جديدة بحق مئات الأبرياء. وقال معصوم في كلمة متلفزة بثت في ساعة متأخرة من ليلة 13 /8/2015 ، “حفاظا على امن المجتمع، فقد صادقنا على مراسيم الإعدام التي كانت متراكمة في رئاسة الجمهورية منذ السنوات السابقة لأسباب عديدة”. وقد أكد معصوم خلال لقائه بعدد من وسائل الإعلام “لست ضد أحكام الإعدام التي اقرها الدستور ووقعت على مراسم الإعدام التي كانت متراكمة منذ السنوات السابقة”، مؤكداً “وجود 700 حكم بالاعدام متراكم من الرئاسات السابقة”.

كل ذلك يجري تحت عباءة  ثلاثية (المرجعية ، الإصلاح ، صوت الشارع )، وقد استنفرت لهذه الاهداف الزائفة ؛ قوى المليشيات الدموية بكل اسلحتها  وعزز حزب الدعوة القابض على السلطة  حملته الهمجية بكل مايتيسر له من أدوات الموت الاحتياطية . ففي  يوم 12 آب 2015 ، اقدمت  مليشيا الخزعلي المعروفة بأسم “عصائب اهل الحق ” على اختطاف 50 شابا من احد الطرق العامة بعد اقامتها سيطرات وهمية مهمتها إغتيال واختطاف الشباب على الهوية ولاسباب طائفية . وفي اليوم نفسه اقدمت ميليشيات الحشد الشعبي ، على تجريف بساتين  قرية (المخيسة)  احدى توابع ناحية صيدا في محافظة ديالى، بعد أن تم وضع اليد عليها وغصبها من أصحابها، بذريعة انها تعود لإرهابيين في المنطقة المذكورة. وقد جرى ذلك كله  بإشراف مدير الناحية ومسؤول الميليشيا فيها ، وقد  اكد سكان القرية المنكوبة بالارهاب الحكومي ، ان افراد المليشيات اعتدوا عليهم بالسب والاتهامات. وقد تعرضت  القرية نفسها خلال الأيام القليلة الفائتة إلى مئة وخمسين قذيفة هاون، امطرتها عليهم ميليشيات  الحشد الشعبي بذريعة محاربة الارهاب.. وتواجه محافظة ديالى  تحت اشراف مباشر من حيدر العبادي عمليات إقتحام شبه متصلة، يواصل فيها الحشد الشعبي  إختطاف وقتل مئات الشباب بهدف تغيير ديمغرافية المحافظة ، وقد عهد العبادي بهذه  المهمة  لـ(هادي العامري)  الذي يجاهر بجرائمه الطائفية  بمباركة حكومية فاضحة، مع قيامه بمنع مواطني المحافظة  من العودة لمدنهم وقراهم الا بعد اعلانهم  (البراءة)  من مذهبهم ، على طريقة (التوابين) التي ابتدعها فيلق بدر تجاه اسرى الحرب العراقيين في إيران خلال الثمانينيات من القرن الفائت

د. سيف الدين هاشم

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 629