سورية .. خطوط حمر كثيرة وخط أخضر مفتوح

لكي لا يسيء أحد تفسير الكلمات فإن كاتب هذا المقال يؤمن بخط أحمر واحد يحوط الحياة الإنسانية ، والكرامة الفردية والجماعية لجميع البشر ، ولجميع أبناء أي مجتمع ، مهما تكن انتماءاتهم أو هوياتهم الأساسية أو الفرعية ...

ولكن ما يجري في سورية ، وعلى الهوية السائدة من أبنائها ، وتردداته المتعددة على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية أصبح يحمل دلالات عنصرية مقيتة ، يصعب على أي محلل سياسي مهما تكن خلفيته الإنسانية والمدنية ، أن يجد تبريرا أو تسويغاً لها .

لن يصلح الحديث عن التطرف والمتطرفين ليكون ذريعة تسويغية تسوغ السياسات والمواقف لدول كبرى ، ولمؤسسات دولية ؛ الأصل أنها بلغت من مراحل الرشد الإنساني والحضاري والمدني ما يجعلها أكبر من أن تنحدر إلى مستوى العنصرية اللاأخلاقية التي نتابع ترديها فيها .

 ففي الوقت الذي أطلقت فيه هذه الدول يد الطاغية السفاح في أديم المجتمع السوري يقتل رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا ، ويدمر عمرانا بلا حسيب ولا رقيب ، وبكل وسائل القتل بما فيها الأسلحة المحرمة دولية من غازات كيماوية وقنابل عنقودية وفراغية وصواريخ استراتيجية؛ نجد هذا العالم ( شديد التحضر ) ينتفض غاضبا كلما قيل مُس طرف لأقلية عرقية أو دينية أو مذهبية ولو كان المس أحيانا أكاذيب مدعاة ، أو ملابسات ظرفية ، أو وليد أخطاء عارضة تعودنا دائما أن نستمع من الذين يخوضون الحروب تسويغها وتمريرها .

ومع كل ما يعتصر قلوبنا من ألم ونحن نشاهد أوابد الحضارة السورية تدمر ، على أيدي زُمَر من أهل الجهل والبغي بخلفياتهم المختلفة ومنها المذهبية والطائفية ، نشعر أحيانا بالاشمئزاز أو الاستفزاز حيال من يصدر بياناته يبكي الحجر والطين ، على قيمة الحجر والطين ، ويغفل عن صورة الطفل الصغير عفرها الدم والتراب . أي إنسان هذا الذي ينتصر للحجر ويستهين بالبشر ؟!

منذ اندلاع هذه الثورة فرض العالم ، المتحضر ، على ثوارها كما على أبناء الشعب السوري خطوطا حمرا كثيرة . منها ألا تنعم منطقة محررة بالأمن والاستقرار ، وذلك بتمكين بشار الأسد دائما بقصف وتدمير أي شبر من أرض يتم تحريره . وذلك أولا ليتخوف المواطن السوري من عملية التحرير . ولتقترن عملية التحرير بعملية التهديد والقتل والترويع . وثانيا لكي لا يكون للثورة السورية نماذجها المتقدمة في الإدارة والعمارة وإشاعة الإصلاح مقابل ما عاشه الشعب السوري على مدى نصف قرن من أفانين الفساد ..

خطوط حمر كثيرة تأخذ على أيدي الثوار وداعميهم ، لا تخفى على المتابع اللبيب . ومع كل خط أحمر ترتسم ( لا ) دولية كبيرة ، وأمام كل (لا ) تُلقى في وجه الثوار ( نعم ) قاتلة في تمكين بشار الأسد وتعزيز قدراته ، وإطلاق يده ، كل ذلك خارج إطار القانون الدولي ، وخارج إطار قانون الحرب الذي ينظم العلاقة بين المتحاربين .

الروس يسلحون بشار الأسد بلا حدود ، والإيرانيون يدعمونه بلا قيود ، وقرار ( المقاتلون الأجانب ) الصادر عن مجلس الأمن يشكل خطا أحمر على مقاتل دون مقاتل وأجنبي دون أجنبي ، فالباكستاني والأفغاني والإيراني والعراقي واللبناني المدعومون من دول ، والمتدربون فيها ، والمسلحون منها ، والمنقادون لها ؛ لم يعودوا حسب طريقة تنفيذ هذا القرار أجانب على الأرض السورية ، بينما المقاتل الأجنبي هو الفرد المستنفر بشخصه الذي أزعجه فيما ظن مشهد الدم والقتل على الأرض السورية فاندفع عفويا على غير هدى ,,,,,

 يستخدم بشار الأسد الطيران الحربي ضد المدنيين العزل ، فيما يسمى جريمة حرب في القانون الدولي ، ولكن حصول الشعب السوري على مضاد الطيران يدافع به عن نفسه وأطفاله ومدنه وبلداته خط أحمر ..

 لقد تشكل التحالف الدولي ،وتحركت أساطيله الجوية من أجل أفراد في المجتمع السوري ، من غير تقليل من قيمة الفرد ، وامتدت مساحات قرى مثل ( معلولا ) و( عين العرب ) لتتجاوز حدود العالم لأن اليزيدين خط أحمر ، والأكراد خط أحمر، والمسيحيين خط أحمر، والعلويين خط أحمر ؛ أما السواد العام من أبناء الشعب السوري فخط أخضر مباح أو مستباح ، خراف للذبح بكل سكين وخنجر . وما زلنا نردد شعارنا المتعالي : الإنسان خط أحمر . حتى لا يدّعي علينا مدع أننا نهون من قيمة إنسان دون إنسان . وننتصر لجماعة دون أخرى

ويوم وصل الثوار إلى منطقة كسب على الساحل السوري ، سبقتهم البرقيات سريعة : ( الساحل السوري ودساكر آل الأسد خط أحمر .. )

وحين اقترب الثوار من مطار دمشق كان الأمر الدولي الفوقي ( دمشق خط أحمر )

ويسكت العالم اليوم عن تهجير سكان الزبداني ، وإبادة سكان دوما والغوطة أجمع ، لتبقى كفريا والفوعة ونبل خطا أحمر ..

وبينما يتغافل العالم عن حصار سكان الغوطة تجويعا لمدة أكثر من عامين ، وتتعلل منظماته في عدم إيصال المساعدات لمستحقيها من المدنيين ، ولكن قطع الماء عن دمشق ولو لساعات لترويض الوحش القابع هناك خط أحمر ..

كل الخطوط الحمر نافذة على الشعب السوري والثورة السورية من موقع القوة والغطرسة الدولية المتجلببة زورا بالقانون الدولي وبشريعة حقوق الإنسان ؛ بينما تظل يد المجرم طليقة ، وضوؤه وضوء شبيحته في القتل والتدمير دائما أخضر .

كلهم ينادي على القاتل المبير بعد خمس سنوات من الصراع ...

هلاّ ..وهيّا ..

ولكن ليس أمامهم وأمامه إلا المصير المحتوم

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 630