الاتفاق النووي الإيراني في الميزان
بعد مفاوضات شاقة استمرت 12 عاما، منذ اكتشاف البرنامج النووي الإيراني السري عام 2002، ظهرت إلى النور خطة العمل المشتركة الشاملة بين إيران والسداسية، وتم عقد الاتفاق النووي الذي تلتزم طهران بموجبها بوضع قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية عنها.
تاريخ البرنامج النووي الإيراني:
بدأ العمل بالبرنامج النووي في إيران في ستينات القرن الماضي في عهد النظام الملكي، إلا انه توقف بعد الثورة الإيرانية بسبب الحرب مع العراق عام 1980-1988، ثم عاد العمل به بعد انتهاء الحرب، وثار الجدل حوله يتصاعد منذ عام 2002 بعد الكشف عن منشأتين نوويتين سريتين في نطنز وأراك وسط البلاد، وافقت طهران إثر ذلك على أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعمليات تفتيش لمواقعها النووية، وعثر عقب ذلك مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية على آثار اليورانيوم المخصب، ومنحوا إيران مهلة تنتهي في سبتمبر عام 2003، بعدها تعهدت إيران في أكتوبر عام 2003 بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم خلال زيارة غير مسبوقة قام بها وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى طهران، وتم توقيع اتفاق بالخصوص في تشرين الثاني عام 2004، وكان مضمونها يقضي بوقف إيران تخصيب اليورانيوم، وتقديم ضمانات بان البرنامج النووي مخصص للإغراض السلمية، مقابل مجموعة من الحوافز الاقتصادية تقدم من الاتحاد الأوربي لإيران، وتمت لقاءات بين وزراء خارجية الترويكا الأوربية ومنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي (خافير رسولانا) مع الوفد الإيراني المفاوض برئاسة الدكتور (حسن روحاني) في جنيف يوم 5 أب 2005، قُدمت خلاله حوافز الاقتصادية لإيران وكانت تتضمن تطبيع العلاقات التجارية بشكل كامل وتقديم ضمانات أمنية من الاتحاد الأوربي مع مساعدة إيران ببناء مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف وتوفير الوقود النووي للمحطات النووية وتعهد دول الاتحاد الأوربي بقبول إيران في منظمة التجارة العالمية.
ولكن بعد يومين من الاتفاق وفي 7 أب 2005 تم رفض الاتفاق من قبل الحكومة الإيرانية خاصة بعد إضافة شروط جديدة من قبل الاتحاد الأوربي عدتها إيران غير موجودة في الاتفاقية، ومنها تحسين ملف إيران في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، فضلا عن تخلي إيران عن دعم المنظمات التي يسميها الغرب بالإرهابية وعدم معاداة إسرائيل ومساعدة الولايات المتحدة في جهودها لاستقرار الأوضاع في العراق وأفغانستان، وهذه المطالب جاءت بسبب الضغوط الأمريكية على دول الاتحاد الأوربي، واعتمدت إيران في رفضها لهذه الشروط على المادة الرابعة من اتفاقية فينا التي تسمح للدول باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وبضمانات أمنية أمريكية إلى جانب الضمانات المقدمة من دول الاتحاد الأوروبي بعدم التدخل ضد النظام السياسي الإيراني، خاصة وان إيران ليس لديها مشاكل أمنية مع أوربا، قررت الدول الخمس الكبرى في يناير عام 2006 رفع القضية إلى مجلس الأمن، وردت طهران متحدية بالإعلان عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% ورفضت فيما بعد دعوات السداسية الدولية المطالبة بوقف عمليات التخصيب وتقوم زيادة على ذلك بتدشين مصنع للمياه الثقيلة في أراك.
وبعد معاودة الإيرانيين أنشطتهم النووية ومنها تخصيب اليورانيوم في كانون الثاني 2006، عندها تم رفع الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن في آذار عام 2006 وصدر القرار(1696) في تموز 2006 والذي أمهل إيران شهرا واحدا لوقف تخصيب اليورانيوم، ولكن كان رد (علي لاريجاني) الذي حل محل (حسن روحاني) كمفاوض في البرنامج النووي الإيراني إن شروط وقف التخصيب تأتي كنتيجة عن المفاوضات لا سابقة عليها وان خطاب بعض السياسيين الغربيين أنهم غير مطمئنين للهيئات السياسية الإيرانية رأت فيها إيران مصطلحات جديدة وغير مقبولة في القانون الدولي، ومنذ تحويل ملف إيران النووي لمجلس الأمن صدرت عدة قرارات ضد إيران، أولهما القرار (1696) في تموز 2006، والذي تلته عدة قرارات من مجلس الأمن، وفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية إضافية على إيران، وعلى الرغم من مقاومة إيران للضغوط الدولية والاعتماد على الذات في توفير الاحتياجات الداخلية لإيران، إلا إن العقوبات كان لها تأثير على الاقتصاد الإيراني.
أهم بنود الاتفاق النووي الإيراني مع السداسية:
بعد كل هذه الأحداث حول البرنامج النووي الإيراني منذ 2002 والى الان، والضغوط الدولية، والتي وصل بعضها إلى التهديد بالقوة العسكرية من قبل أمريكا وإسرائيل، وبعد الأزمات الاقتصادية داخل إيران، وبروز أحداث جديدة في الشرق الأوسط من تمدد للإرهاب والفوضى، دفعت كل الأطراف إلى التوصل إلى اتفاق شامل في يوم الثلاثاء 14 تموز 2015 والذي اشتمل على بنود عدة أهمها:
1- رفع العقوبات المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عن إيران، بعد إكمال متطلبات الاتفاق.
2- فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني طويلة المدى مع استمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة حددت بـ(3.67) في المائة
3- خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى (5060) جهاز طرد.
4- التخلص من 98% من اليورانيوم الإيراني المخصب.
5- عدم تصدير الوقود الذري خلال السنوات المقبلة، وعدم بناء مفاعلات تعمل بالماء الثقيل، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما.
6- السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، ومنها المواقع العسكرية بعد التشاور مع طهران.
7- الإبقاء على حظر استيراد الأسلحة 5 سنوات إضافية، و8 سنوات للصواريخ البالستية.
8- الإفراج عن أرصدة وأصول إيران المجمدة والمقدرة بمليارات الدولارات.
9- رفع الحظر عن الطيران الإيراني وأيضا عن البنك المركزي والشركات النفطية والعديد من المؤسسات والشخصيات.
10- التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.
مكاسب إيران من الاتفاق النووي:
بعد جهد وعمل متواصل لمدة أكثر من 12 عاما، صمدت إيران وقاومت كل الضغوط الدولية عليها، والعقوبات الدولية سواء كانت سياسية أو اقتصادي، واستطاعت تحقيق عدة مكاسب من وراء هذا الاتفاق منها:
1- إن توقيع الاتفاق يمثل خطوة تاريخية للدبلوماسية الإيرانية، ويتيح لها استعادة وضعها الطبيعي داخل المنظومة الدولية بعد أكثر من عقد من العقوبات والعزلة، فقد استطاعت إيران من خلال صمودها وسياستها المرنة واستغلال الفرص التي توفرت لها في الشرق الأوسط، من احتلال أمريكي للعراق وأفغانستان، ثم أحداث سوريا واليمن وتمدد الإرهاب التكفيري في المنطقة، كل هذه سهلت لإيران الصمود والضغط على الغرب للحصول ماكانت تصبو إليه.
2- اعتراف دولي بالبرنامج النووي الإيراني السلمي وبان إيران إحدى الدول النووية في العالم، فلأول مرة في العالم تسمح أمريكا والغرب لدولة من دول العالم النامي بامتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية من خلال المفاوضات وبموافقة دولية.
3- سمح لإيران باستمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% دون إغلاق أي منشأة نووي، فعلى الرغم من إنها نسبة تخصيب ضعيفة جدا ولن تسمح بصناعة أي سلاح نووي مستقبلا، إلا أنها تعد مهمة لإيران، خاصة وان شروط الغرب وأمريكا سابقا كانت تريد وقف تخصيب اليورانيوم بشكل نهائي، وهو ما رفضته إيران وبكل قوة.
4- يسهم الاتفاق في استعادة إيران عافيتها الاقتصادية ورفع العقوبات عن صادراتها البترولية بعد إلغاء العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية المفروضة على البلاد، كما أنه يتيح لها تسويات اقتصادية بتدفق الاستثمارات الغربية خاصة الأوروبية إلى السوق الإيرانية، فمع بداية توقيع الاتفاق بدأت عدة وفود أوربية رسمية وغير رسمية من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بزيارة طهران من اجل الحصول على فرص استثمارية وعقود عمل في السوق الإيرانية الواسعة بعد طول غياب.
5- الاتفاق يسمح لطهران باستعادة أموالها المجمدة في بنوك الخارج والتي تقدر بالمليارات مما يعزز من نموها الاقتصادي، فقد قدرت بعض الإحصائيات إن الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج تقدر بـ(150) مليار دولار، وهو مبلغ ليس بالقليل ويمكن إن يساهم في دعم الاقتصاد الإيراني بقوة.
6- رفع الحظر عن الطيران المدني الإيراني وأيضا عن البنك المركزي والشركات النفطية والعديد من المؤسسات والشخصيات، التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا.
7- حصول طهران على اعتراف غربي بأهمية دورها ونفوذها وتأثيرها كمفتاح لحل الكثير من الأزمات المنطقة ومواجهة الإرهاب، فقد أثبتت الوقائع إن لإيران دور في المنطقة وأنها استطاعت إن تدخل بقوة في أزمات المنطقة جعل عملية إبعادها عن حل هذه الأزمات في غاية الصعوبة.
مساوئ الاتفاق النووي:
على الرغم من ما حققته إيران من مكاسب من الاتفاق النووي مع الدول الغربية، والذي عد اكبر مكسب للحكومة وللدبلوماسية الإيرانية، إذ تعد إيران أول دولة من دول العالم النامي تستطيع انتزاع حق من الغرب عن طريق المفاوضات وبدون خسائر أو الدخول في مواجهات عسكرية معهم، على قرار ما حصل للعراق من 1991 إلى الاحتلال عام 2003، إلا إن هناك عدد من الملاحظات التي يمكن استنتاجها من هذا الاتفاق ومنها:
1- القرار الجديد المرقم 2231، يلغي بشكل مشروط القرارات الدولية السابقة التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي وتحت البند السابع للأمم المتحدة، وهذا الإلغاء هو مشروط حتى نهاية المدى الزمني للقرار الجديد، ويمكن إحياؤها من خلال الآلية الموضوعة في القرار الجديد لإعادة العمل بالحظر، كما أن إلغاء القرارات والحظر مرتبط بوفاء إيران بالتزاماتها، وتأييد ذلك من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وينص مشروع القرار على أن إلغاء القرارات السابقة يتم بعد استلام تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول التزام إيران بكافة التزاماتها، وفي حالة إذا ما ادعى أحد أعضاء دول مجموعة 5+1، أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران نقضت بنود الاتفاق، يمكنه أن يرفع ذلك إلى لجنة مشتركة من 8 أعضاء (إيران، أمیركا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، والاتحاد الأوروبي)، وإذا لم يتم حل ذلك في هذه اللجنة الذي يمتلك الجانب الغربي الأكثرية فيها دائما، سيتم رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يصوت على استمرار إلغاء القرارات السابقة - وهي طريقة جديدة التف فيها الغرب لمنع الصين وروسيا من حق استخدام النقض الفيتو- وإذا لم يتم التصويت خلال الثلاثين يوماً على القرار، فان الحظر سيعود إلى ما كان عليه، وسيعمل زناد الحظر تلقائياً، بحسب المصطلح الدارج، وهذا يعني حسب رأي العديد من الباحثين إن إيران ستكون رهينة الدول الغربية وتقارير المفتشين الدوليين – على قرار ماحصل في العراق- وان أي سوء تفاهم بين إيران والمفتشين الدوليين سوف يؤدي إلى فرض العقوبات مجددا.
2- إن وجود أطراف أخرى في المفاوضات مثل روسيا والصين وألمانيا، هي تحصيل حاصل من اجل إضفاء السمة الدولية على المفاوضات، خاصة وان هذه الدول كانت في الماضي مترددة في تطبيق عقوبات صارمة على إيران، يعتقد البعض إن إيران نووية لا تشكل مثلا خطر جدي على ألمانيا أو مصالحها في المنطقة، وان روسيا والصين كان لهما دور في تطوير هذا البرنامج وفي مد إيران بالسلاح المتطور، إذ كان للشركات الروسية دور في بناء محطات الطاقة النووية ومنها محطة بوشهر، كما كانت الصين الممول الرئيس لإيران في مجال الصواريخ البالستية، ووجودها في المفاوضات حسب رأي الكثيرين هو لا جبار هذه الدول على تطبيق العقوبات ضد إيران في حال فشل تطبيق الاتفاق لأنها من الدول التي وقعت على الاتفاق ومجبرة للالتزام به، كما إن طريقة التصويت التي وضعها الغرب تجعل الفيتو الروسي الصيني غير ذي فائدة.
3- استمرار الخطابات المتشنجة رغم الاتفاق النووي تؤكد استمرار الخلافات بين إيران وأمريكا، فقد قال المرشد الأعلى " علي الخامنئي" في لقاء مع طلاب الجامعات الإيرانية قبل الاتفاق النووي بأيام، وفي خطبة عيد الفطر 2015، إن المواجهة مع ما يسميه الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا، وخطر إسرائيل على العالم الإسلامي لم ينتهي، وأكد على استمرار جهوزية إيران لأي مواجهة محتملة، وإن إيران سوف لن تتخلى عن ما سماهم حلفاءها في المنطقة، وهي سوف تستمر في دعمهم، كذلك أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني عن غضبه من الاتفاق خاصة اعتراض الحرس الثوري على الفقرة الخاصة بالصواريخ البالستية.
وفي خطاب الرئيس الأمريكي " باراك اوباما" بعد الاتفاق النووي، فعلى الرغم من انه يساند الاتفاق النووي مع إيران وانه هدد الكونغرس باستخدام النقض ضد أي قرار قد يتخذه الأخير ضد الاتفاق، إلا انه قال "إن هذا الاتفاق مع إيران يشبه الاتفاقات بين أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق، حيث كان السوفيت أعداء لأمريكا إلا أننا عقدنا معهم عدة اتفاقيات كانت في النتيجة لمصلحة أمريكا"، كذلك إعلان المتحدث باسم البيت الأبيض إن هذا الاتفاق لن يلغي الحل العسكري في حال أخلت إيران بأحد بنود الاتفاق، وان عقد الاتفاق هو لإعطاء فرصة للدبلوماسية للتأكد من سلمية برنامج إيران النووي،، كما إن رئيس وزراء بريطانيا" كاميرون" في خطابه بعد الاتفاق قال: "على إن عقد هذا الاتفاق لا يعني إن الدول الغربية تقف إلى جانب إيران في قضايا المنطقة"، تدلل هذه التصريحات بان عقد اتفاق مع إيران لا يلغي الخلاف والعداء، كما إن المنطقة لا تتحمل حروب جديدة لذلك عملت أمريكا على تهدئة الوضع في المنطقة، خاصة إن سرعة تطور أحداث المنطقة فرضت على أمريكا عدم الدخول في مواجهة مع إيران حاليا، لذلك لا يمكن بالتكهن في سياسة أمريكا المستقبلية تجاه إيران ونظامها السياسي الذي لم تعترف به أمريكا لحد ألان.
4- يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين إن القول بتحسن الاقتصاد الإيراني بعد الاتفاق النووي فيه مبالغة كبيرة، إذ ما خسرته إيران خلال العقود الماضية وفي ذروة أسعار النفط التي وصلت إلى (150) دولار للبرميل لا يمكن إن يعوضها أي زيادة في الإنتاج حاليا، مع تراجع أسعار النفط إلى مستويات متدنية، وزيادة المعروض من النفط بسبب رفض السعودية وبعض دول الخليج خفض الإنتاج الذي أدى إلى الأضرار بالسوق النفط العالمية، كما إن السوق الإيرانية ليس بالسوق التي تجذب المستثمرين كثيرا، لأسباب عديدة منها وجود الأسواق الخليجية ذات الإمكانات المادية الهائلة والآمنة التي يمكنها جذب إي مستثمر غربي، كذلك عدم وضوح نتائج الاتفاق النووي مع إيران بعد، وأخيرا أوضاع المنطقة وخاصة في العراق وسوريا واليمن ذات الاهتمام الإيراني غير مستقرة ومقبلة على تحولات كبيرة، وحسب رأي الخبراء إن الشركات الاستثمارية والنفطية العالمية تبحث عن الربح السريع والأماكن الآمنة وهي غير مستعدة للعمل في بيئة غير مستقرة منذ عقود.
5- شروط وتعهدات ومراقبة البرنامج النووي الإيراني التي تمتد إلى سنوات طويلة قيدت إيران أكثر، وجعلت برنامجها النووي مكشوفا وتحت رحمة الغرب، فقد منع التخصيب في محطتي (فوردو، ونطنز)، ومراقبة الأنشطة النووية تبدأ من المناجم إلى المحطات، وعدم بناء محطات جديدة لمدة 15 سنة، وتفتيش المواقع العسكرية التي تثار الشكوك حولها، وهذا يعني إن إيران سوف تواجه مشاكل عديدة مع المفتشين وخاصة حول المواقع العسكرية التي أكد الإيرانيين أكثر من مرة بأنها خط احمر، ولن يسمح بتفتيشها، وقد تكون تجربة العراق مع المفتشين الدوليين هي السائدة مع إيران أيضا.
6- معارضة عدد من الدول للاتفاق النووي وعلى رأسها الكيان الصهيوني، والمدعوم من منظمة ايباك اليهودية في أمريكا، هذه المنظمة التي تملك الكثير من التأثير على أعضاء الكونغرس والحكومة الأمريكية، علما إن لمنظمات الضغط اليهودية تأثير على العديد من دول أوربا وليس في أمريكا فقط، لذلك اعتقد إن هذا التأثير والضغط سوف يستمر على الحكومات الأوربية والأمريكية، وقد يضع العديد من العقبات في طريق تحقيق الاتفاق، ولا ننسى معارضة بعض دول المنطقة ومنها السعودية التي أكدت أنها لا تعارض الاتفاق بشرط ان يمنع إيران من إنتاج سلاح نووي، كذلك تطالب السعودية بموقف أمريكي لردع النفوذ الإيراني بالمنطقة، ومنعها من دعم بعض المنظمات المسلحة، ويرى البعض إن عدم تنفيذ أمريكا لشروط هذه الدول، قد يقود إلى قيام هذه الدول من زيادة دعمها للمنظمات الإرهابية مثل (داعش، والنصرة)، من اجل إجبار أمريكا على أتباع سياسة تتوافق معها، مما قد يقود إلى وضع العراقيل أمام الاتفاق النووي.
7- سيفتح الاتفاق الباب لسباق التسلح وأجواء الاستقطاب في المنطقة، ومزيد من السياسات الصراعية التي تستنزف موارد وجهود ينتظر أن توجه لملفات التنمية البشرية المتدهورة (الصحة والتعليم والإسكان...الخ). وإذا كان من غير الوارد أن تستسلم دول المنطقة لدور إيراني، فإن الاستسلام لأجواء الصراع والتناحر لا تبدو مستبعدة، فقد وقعت السعودية اتفاقا نوويا مع كوريا الجنوبية، خلال استقبال العاهل السعودي لرئيسة كوريا في الرياض، كما استقبل الملك سلمان رئيس الوزراء الباكستاني المقرب من الرياض نواز شريف، وهو ما استدعى تاريخ من الدعم السعودي للبرنامج النووي الباكستاني، وبهذا قد تحاول أمريكا وبدفع من الكيان الصهيوني إن تفشل تنفيذ الاتفاق في محاولة لمنع أي دولة في المنطقة من التحرك صوب الطاقة النووية وتكون منافسة للكيان الصهيوني، وتضع مصالح الغرب في الخطر.
ختاما، على الرغم من التهليل والمباركة الدولية لهذا الاتفاق، إلا إن بعض المحللين والمتابعين لهذا الاتفاق يرون إن فيه الكثير من نقاط المعوقات والفخاخ، والتي قد تكون نقاط معرقلة بدلا من إن تكون حلا، لذا على إيران إن تكون أكثر حذرا من الاتفاق النووي مع الغرب، خاصة وان لإيران تاريخ حافل بالمشاكل معهم، وما البرنامج النووي إلا جزء بسيط من هذه المشاكل، ومسوغ لاستمرار الضغط على إيران، فحتى لو إن إيران كسبت جولة ما في المفاوضات من خلال رفع العقوبات الدولية أو الاعتراف ببرنامجها النووي السلمي، إلا إن شروط التفتيش على المفاعل النووية والمواقع العسكرية تعد سلاح بيد الغرب يمكن من استغلاله إلى ابعد حد من اجل الوصول لأغراضهم وغاياتهم، فمن جهة يريد الغرب إن يبرئ ساحته أمام العالم وانه فعل ما بوسعه لأجل الاتفاق مع إيران، ومن جهة أخرى قد تستغل فرق التفتيش الدولية لأغراض استخباراتية للتجسس على إيران، ونؤكد مرة أخرى إن تجربة العراق مع المفتشين والغرب واضحة أمام الإيرانيين، وهذا مادفع المرشد الأعلى إلى دعوة الإيرانيين إلى الحذر من مخططات الغرب، والى التأكيد على عدم استغلال الاتفاق النووية من قبل الغرب أو محاولة الالتفاف عليه.
وسوم: العدد 630