البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن: ضبابية ومخاطر
اللجنة التنفيذية في حزب الجمهورية – المكتب السياسي 20 آب / أغسطس 2015
صدر عن مجلس الأمن في 17 آب/ أغسطس 2015 بيان رئاسي خاص بسورية، وإذا كان من المتفق عليه أن البيانات الرئاسية عن مجلس الأمن لا تحمل قيمة قانونية ملزمة إلا أنها تعبر عن المزاج والرؤية السياسية العامة للدول الأعضاء في مجلس الأمن، وقد صدر البيان بالتوافق من دون أي عملية تصويت، ما يعني أنه يعبر عن رأي جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بما فيها الدول التي تدعي أنها صديقة للشعب السوري.
إننا في حزب الجمهورية إذ نتعرض لهذا البيان بالنقد والتحليل، فإن هدفنا هو نقل مخاوفنا إلى شعبنا وإلى جميع قواه السياسية والمدنية والعسكرية، وتثبيت تطلعات السوريين في الحرية والكرامة والخلاص من نظام الطغمة المجرمة كمبدأ أساسي ومركزي في مقاربة الحلول والمبادرات كافة المطروحة على شعبنا وقواه العديدة.
لقد صدر البيان في عُقب جريمة مروعة ارتكبتها الطغمة المجرمة بحق المدنيين تمثَّلت بقصف سوق شعبي في دوما، ومع ذلك تجاهل البيان هذه الواقعة ولم يشر إليها من قريب أو بعيد، بل استخدم لغة ضبابية غير محددة، فقد دان في فقرته الأولى الهجمات ضد المدنيين بشكل عام من دون أن يحدِّد الجهة التي تقوم بهذه الهجمات، بل استخدم في نهاية هذه الفقرة عبارة ضبابية يمكن أن يُفهم منها معانٍ عدة، وهي “أن حماية السكان المدنيين تقع على عاتق السلطات السورية”، إذ يُخشى من أن يكون معناها إعطاء الحق للطغمة الحاكمة بالقيام بأعمال عسكرية معينة إذا رأت أنها ضرورية لحماية المدنيين كما تدعي من هجمات تقوم بها جهات أخرى.
كما دان البيان في فقرته الثانية بوضوح الحركات الإرهابية المتطرفة، وسمى تنظيمين في هذا السياق هما تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتنظيم جبهة النصرة، وتجاهل ذكر التنظيمات الإرهابية الأخرى، وفي مقدّمها تنظيم حزب الله الإرهابي والميليشيات الطائفية العراقية المتعددة، كما لم يأت على ذكر الطغمة الحاكمة التي مارست، ولا تزال، الإرهاب الأعلى.
واللافت كذلك أن البيان قد أيد خطة ديمستورا لعقد مفاوضات بين من سماهم أصحاب المصلحة، خصوصاً في ظل خشيتنا من أن تمثل خطته إفراغاً لبيان جنيف من مضامينه الحقيقية، وتراجعاً عن قرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرار 2118 لعام 2013، والقرار 2042 لعام 2012.
وما يزيد من خشيتنا أن البيان انتقل مثلاً من إلزامية ووجوب تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة السلطات التنفيذية بحسب ما ورد في الفقرة 16 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 إلى الحديث عن أن تشكيل هذه الهيئة هو إحدى طرق الحل وليست الطريق الوحيد. فقد جاء في البيان ما يلي: “الشروع في عملية سياسية بقيادة سورية تفضي إلى انتقال سياسي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، ويمكنهم من تقرير مستقبلهم بصورة مستقلة وديمقراطية، بطرق منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة، ويتم تشكيلها على أساس الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرار المؤسسات الحكومية في الوقت نفسه”. بينما كان القرار 2118 “يؤيد تأييداً تاماً بيان جنيف المؤرخ في 30 حزيران 2012 والذي يحدِّد عدداً من الخطوات الرئسية، بدءاً بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية …”، وذلك بحسب الفقرة 16 من القرار، أي أن تشكيل هيئة الحكم الانتقالي هي الطريق الواجب قانوناً والوحيد.
كما نلفت الانتباه أيضاً إلى أن البيان الرئاسي قد تحدث عن “تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة”، بينما تحدث بيان جنيف 30 حزيران/ يونيو 2012 والقرار رقم 2118 لعام 2013 عن “تأسيس هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية”، ومن البديهي القول إن هناك اختلافاً دقيقاً بين العبارتين، فالعبارة الأولى تعني أن لهيئة الحكم الانتقالي سلطات تنفيذية كاملة خاصة بها، لكنها ليست بالضرورة كل سلطات الدولة، ما يعني احتمال وجود سلطات أخرى في الدولة خارج نطاق سيطرتها، بينما العبارة الثانية تتحدث عن كامل السلطات التنفيذية في الدولة وتعطيها لهيئة الحكم الانتقالي، ما يعني عدم وجود سلطات تنفيذية أخرى خارج نطاق سيطرتها.
أمام هذه المخاطر والمطبات والضبابية في بيان مجلس الأمن الأخير، فإننا في حزب الجمهورية، نلفت انتباه جميع القوى السياسية والعسكرية التي تضع نفسها في صف المعارضة إلى ضرورة التعاطي بحذر ودقة مع الحلول والمبادرات المطروحة على الشعب السوري، فهذه مسؤولية كبيرة قد يتوقف عليها مستقبل سورية والسوريين. كما ندعو جميع القوى إلى إيصال رسالة واضحة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة أنه لا بديل عن تطبيق قرارات مجلس الأمن بحذافيرها ولا سيما القرار 2118 الذي تبنى بيان جنيف كاملاً، وأنه لا مجال لأن يكون مجرم الحرب الذي استخدم الكيماوي وارتكب المجازر بحق المدنيين وقتل آلاف السوريين في المعتقلات جزءاً من الحل أو من مستقبل سورية.
عاشت سورية حرة أبية
اللجنة التنفيذية في حزب الجمهورية – المكتب السياسي 20 آب/ أغسطس 2015
وسوم: العدد 630