مفاوضات الفوعة ـ الزبداني: المسارات و الهواجس

انتهت جولة المفاوضات الثانية بين حركة أحرار الشام الإسلامية، و الفريق الإيراني برعاية تركية بخصوص  الثنائي الشيعي ( كفريا ـ الفوعة )، و ملحق بهما مزارع ( الصواغية ـ دير الزغب ) في شمال إدلب، مقابل الثنائي السُّني ( الزبداني ـ مضايا ) في الغوطة إلى غير توافق على البنود الرئيسة المطروحة من كلا الفريقين المفاوضَين.

فكانت عقب ذلك موجة من الهجمات لكل من المعسكرين على أهداف الخصم له، حيث قام النظام بعشرات الطلعات الجوية، و الصواريخ الموجهة على الزبداني، و مضايا؛ الأمر الذي جعل المجلس المحلي فيهما يعلنهما مناطق منكوبة، في مقابل قيام لواء بدر التابع لأحرار الشام بضربه أهدافًا محددة بالثقيل المتاح بين يديه؛ الأمر الذي نتج عنه السيطرة حتى مساء الأحد ( 30 /8/ 2015 ) على مباني: المدرسة، و الكهرباء، و ثلثي مزارع: الصواغية، و دير الزغب.

من المتوقع أن تصل هذه الجولة كسابقتها إلى حائط الصدّ بسبب غطرسة الجانب الإيراني في مطالبه، حيث تمثلت مطالبه ـ التي رشحت لحدّ الآن ـ في القيام بعملية تطهير طائفي لكلا المنطقتين يرضى بها الفريقان، حيث يقوم الجانب الإيراني بنقل سكان الثنائي الشيعي من محافظة إدلب و توطينهم في منطقة القصير في حمص، و هو الأمر الذي مهد له حزب الله عندما قام بعملية تغيير شاملة للقصير؛ فهجر سكانها الأصليين عن بكرة أبيهم عقب سيطرته عليها في عام 2013م، لا بل إنه جرَّف المقابر السُّنية في عموم المنطقة، في مقابل نقل سكان كلّ من الزبداني و مضايا إلى مناطق  الشيعة في إدلب لغرض التوطين الدائم.

و كل ذلك يسوَّق تحت عنوان إخراج الجرحى، و المرضى من الجانبين ( كلمسة إنسانية )  كعادة إيران في الترويج لمخططاتها السياسية الطائفية في عموم الدول التي تتدخل فيها تحت شعارات المقاومة و المظلومية.

و بالطبع لم يخل الأمر في الجولة الأولى من المفاوضات من تقديم رشوة للمفاوضين من الأحرار تمثّل في صك مالي مفتوح، الأمر الذي أثار حفيظتهم، و جعلهم يغادرون قاعة الاجتماعات على الفور.

قد يقول عدد من المراقبين: إن في الأمر منطقية، و حجة يسوّقها كل فريق إلى جمهوره.

لنقل: نعم. بيدَ أن الأمور لا تحسب بهذه السذاجة السياسية؛ فمناطق الشيعة في إدلب لا قيمة إستراتيجية لها، فهي جزر معزولة وسط محيط سُني يكاد أن يبتلعها لولا اعتزاز أهل المنطقة بهذه الفسيفساء الطائفية التي تتميز بها محافظة إدلب ( سُنة ، دروز ، شيعة، علويون، نصارى ).

في حين أن تفريغ منطقتي: الزبداني، و مضايا من سكانها السُنة يجعل المنطقة محسوبة بالكامل لحزب الله من غرب دمشق حتى العمق اللبناني الشيعي، و يعطي حزب الله حرية في التنقل، و سيطرة على طرق مواصلات سورية ( المفيدة ) التي تنوي إيران رسم حدودها وفق الخطة ( ب ) في التعامل مع الثورة السورية.

و هو الأمر الذي لم يُخفِه بشار الأسد في خطابه الأخير أمام ممثلي المنظمات المدنية، و الحقوقية. و هو ما بات يخشاه المواطن السوري ممثلاً بفرض حلول من بعض الرعاة الدوليين للقضية السورية ( روسيا، و ديمستورا ) الساعية للالتفات على مقررات جنيف ( 1، 2 ) على الرغم من ضبابيتها، و هزالها؛ من خلال الترويج لتقسيم سورية إلى كانتونات، و مناطق مظللة بألوان بحسب غلبة كل فريق عليها.

صحيح أن الأمور في سورية قد اتجهت إلى شيء من ذلك نتيجة حماقات نظام الأسد الذي جعل النسيج الاجتماعي السوري يتمزق بطريقة يصعب رتقها في المدى المنظور، و بسبب وجود ( داعش ) الذي أزال الحدود بين المكون السُّني الموزع على طرفي الحدود بين العراق و سورية، و أوجد من الأحقاد ما يكفي بين المكونات العرقية السورية ( أكراد، تركمان، عرب )، و العراقية ( أكراد، آشوريين، و يزيديين، و تركمان، و عرب )؛ لا بل إنه انتقل لمساعدة نظام الأسد في شدّ العصب العلوي تجاهه في مناطق ريف حمص الشرقي، بعد سريان شيء من التململ بين العلويين مؤخرًا تجاه بيت الأسد.

و لكن ذلك كلّه لا يعطي مبررًا لأيٍّ كان أن يشارك في إنضاج هذا الحل؛ فتجربة حمص القديمة ما تزال ماثلة في الأذهان، فهاهي قد أُفرغت من الثوار، و من أهلها السّنة، و مكنت المشروع الشيعي من التحكّم بطريق دمشق ـ الساحل ، الذي يسعى الآن لتفريغ دمشق من سُنتها، من خلال عملية تغيير ديموغرافي شاملة تتمثل في مخططات التنظيم التي سيشرع في القيام بها في المناطق الثائرة عليه، على غرار ما أخذ يفعل في أحياء أخرى من حمص كبابا عمرو.

إنّ حساسية السوريين تجاه هذه الحلول الهادمة لمفهوم الدولة الوطنية الجامعة لكلّ السوريين ( طوائف، و أديان، و إثنيات ) تجعلهم يرفعون آلاف الإشارات الحمراء في وجه هذه المخططات، و يتمنون على فريق الأحرار التفاوضي أن يأخذ مكانه مقابل الفريق التفاوضي الإيراني و هو مشحون بهذه الحساسية.    

وسوم: العدد 631