خلية حزب الله في الكويت مجرد قمة جبل جليد عظيم

اعتمدت بلاد فارس إستراتيجية ثابتة تجاه دول الخليج العربية منذ حكم الملك رضا بهلوي، وبعد احتلال إقليم الأحواز بمساعدة بريطانيا وإسقاط آخر أمير الشيخ خزعل الكعبي في عام 1925، الذي أفضى بتأسيس دولة «إيران» وأعلنه لأول مرة كبير مستشاري الملك رضا بهلوي، سعيد نفيسي، كانون الأول/ديسمبر 1934 في افتتاحية صحيفة «اطلاعات»، وتلاها الإعلان الرسمي للوزارة الخارجية في آذار/مارس 1935، التي طالبت دول العالم باستخدام تسمية «إيران» لبلاد فارس، وأوصى الملك رضا خلفه، محمد رضا بهلوي، «إنني حررت الضفة الشرقية للخليج (بالإشارة للأحواز)، وعليك أن تحرر ضفته الغربية»، وبعد احتلال الجزر العربية التي تقع في المنتصف الشمالي للخليج العربي من خلال اتفاقية ثنائية بين إيران والاحتلال البريطاني في غياب جهة رسمية عربية عام 1960، طهران بدأت تطالب بضم البحرين لها بصفة المحافظة الـ14 الإيرانية وبدعم كامل من الغرب.

وواصلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفس السياسة التي وضع أسسها بهلوي الأول بقوة أكبر، حيث لم تتغير السياسات الإيرانية شيئًا بعد انتصار ثورة 1979 التي أسقطت الحكم البهلوي، بل زادت حدّتها من خلال اعتماد النظام الإيراني السياسة الطائفية، ودعم الإرهاب، وتجنيد بعض مواطني دول الخليج العربية في مختلف قطاعات المجتمع، وزرع الخلايا المسلحة لتفعيلها لاحقًا، وبدأ يتضح حتى بالنسبة للمحللين الذين يراهنون على أن ستلعب إيران دورًا إيجابيًا بعد الاتفاق النووي، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتمد مخطط طويل الأمد تحت مسمى «أم القرى الإسلامية» لابتلاع المناطق الغنية بالنفط والغاز على ضفتي الغربية والجنوبية للخليج وللتجنيد الطائفي في باقي مناطق العالم الإسلامي، وتستخدم طهران بعض مكاتب التمثيل لمراجع التقليد الشيعة في الدول الإسلامية لتجنيد الموالين لها من بين مختلف شرائح المجتمعات الإسلامية، وهناك أيضًا مكاتب تمثيلية للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في بعض هذه الدول. بينما الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تسمح بوجود مسجد واحد لأهل السنة في طهران. والسؤال المهم الذي يخطر بالبال هو «هل يا ترى سيسمح النظام الإيراني أن يكون مكاتب تمثيلية لعلماء أهل السنة أو قادة العرب في طهران؟». وأبرز مثال لدور بعض مكاتب التمثيل لمراجع التقليد الشيعة في تنفيذ العمليات الإرهابية بالدول العربية، هو محاولة تفجير الحرم المكي في عام 1989، التي أثبتت الأجهزة الاستخباراتية الخليجية تورط أحد أكبر ممثلي المراجع الشيعية والسفارة الإيرانية بالكويت، فضلًا عن حادثة «اختطاف الجابرية» الشهيرة لإحدى طائرات الخطوط الجوية الكويتي بتخطيط وتنفيذ الجماعة الموالية لعماد مغنية، أحد كبار قادة حزب الله اللبناني، في عام 1988.

وتقارير استخباراتية غربية وعربية عديدة تؤكد ممارسة نشاط كبير استخباراتي من قبل السفارات والقنصليات الإيرانية في دول الخليج العربية، وتقدر بعض هذه التقارير تجنيد الآلاف في مختلف قطاعات المجتمعات الخليجية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، أعلنت المملكة العربية السعودية عن إلقاء القبض على خليتي للتجسس لصالح إيران في قطاعات مختلفة من المجتمع السعودية ومنها قطاعي التعليم والصحة والمستشفيات عام 2013، ما يثير الاستغراب في النظرة الأولى هو ماذا تريد إيران من زرع عملاء لها في قطاعي التعليم والصحة؟ لكن المتابعين للشأن الإيراني يعلمون تمامًا أن المحاولات الإيرانية لاختراق دول الخليج العربي لا تختصر على النشاط الاستخباراتي تجاه المؤسسات العسكرية أو الحساسة الأخرى، بل يحاول ملالي طهران وقم إنشاء جماعات موالية لهم في مختلف شرائح المجتمعات الخليجية ومن بين المواطنين أنفسهم، لتلعب هذه الجماعات دور المعارضة لاحقًا، ويتم إنشاء هذه الجماعات بنفس طويل وخلال سنوات وحتى بعض الأحيان عقود من الزمن، مثلما حصل في اليمن ومع جماعة الحوثي.

وما يحدث في الكويت حاليًا هو تجسيد كامل لما تتخطط له طهران ووصلت إلى مراحل متقدمة من مشروعها هناك، بحيث تَخَطَّت الجماعات الموالية لإيران مرحلة المعارضة وأصبحت تسيطر على مراكز حساسة ومهمة في الحكومة ومجلس الأمة والمجتمع في الكويت، الحالة الكويتية هي النموذج المثالي لفهم التخطيط الإيراني وكيفية إستراتيجيتها لابتلاع دولة بأكملها من خلال إنشاء جماعات موالية لها وتحويلها إلى المعارضة الداخلية وبعدها ابتلاع مؤسسات الحكومة والمجتمع تدريجيًا، ويواصل النظام الإيراني نفس المشروع وبنفس الأساليب في البحرين والإمارات المتحدة العربية والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

وصعّدت إيران من نشاطها الإرهابي ضد دول الخليج العربية بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كشفت في كانون الأول/ديسمبر 2012 المعارضة الأحوازية عن بعض تفاصيل خلية إرهابية كانت تنقل السلاح والذخيرة والمتفجرات من إيران والعراق عبر البحر والصحاري إلى الكويت والمنطقة الشرقية في السعودية، وتلقى أحد الضباط الكويتيين التدريبات اللازمة على الأراضي الإيرانية، وأيضًا كشفت هذه المعلومات عن مخطط إيراني لتفجير بعض المساجد الشيعية الكبيرة في الكويت، وما أدى إلى نصب كاميرات المراقبة في المساجد والحسينيات الشيعية من قبل الأمن الكويتي حينها، وخلال العام الماضي أفادت المصادر الأحوازية عن مخطط إيراني لإنشاء فيلقًا جديدًا للدول الخليج العربية على غرار فيلق بدر في العراق، وتم تكليف الحري الثوري بتشكيله، ودرّب الحرس الثوري آلاف العناصر الشيعي الخليجية خلال العامين الماضيين على الأراضي الإيرانية والعراقية بإشراف ضباط الحرس الثوري ومساعدة خبراء من حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية، ما أكده في أب/أغسطس 2014 رئيس العلاقات العامة لميليشيات الباسيج الإيرانية، إسماعيل أحمدي، عن حتمية تشكيل ما وصفها بـ«المقاومة» على أراضي المملكة العربية السعودية.

واكتمل الجزء الأكبر للصورة التي كشفت عن جزء منها المعارضة الأحوازية، بإلقاء القبض على خلية حزب الله في الكويت الذي تم بفعل تنسيق استخباراتي بين بعض الدول العربية، وأرعبت الكثيرين الكمية الهائلة من الأسلحة النوعية والمتطورة وأكثر من 19 طن للذخيرة، فضلًا عن كميات كبيرة لمواد شديدة الانفجار، وحسب تقديرات الخبراء، هذه الكمية الهائلة من العتاد والذحيرة العسكرية تفوق احتياجات خلية بسيطة تنوي تنفيذ بعض تفجيرات إرهابية، وقدر هؤلاء أنها تكفي للقيام بحرب عصابات وشوارع لعدة أشهر في الكويت.

كما كشفت سابقًا مصادر استخباراتية عن التواصل المباشر ودعم إيران للخلايا الإرهابية العنقودية التي ألقى القبض الأمن السعودي على 431 عنصرًا منها في تموز/يوليو الماضي، ما يوضح تفعيل الجزء الخطير للمشروع الإيراني أي «تسخين الأرض» في دول الخليج العربية من خلال استهداف الشيعة بعمليات إرهابية ولزوم إنشاء لجان شعبية شيعية للحفاظ على أمان المواطنين لإثارة دعاية حول ضعف الحكومات هناك، وتمهيد الأرضية الملائمة لتفعيل الخلايا النائمة التي أنشأتها طهران منذ سنوات على أراضي هذه الدول، وتحويلها إلى معارضة داخلية وتشريع نشاطها الموالي لإيران من خلال التأكيد على الدفاع عن حق المواطنين

وسوم: العدد 633