عندما يخجل القلم
هل يمكن لقلم أي كاتب أن يصيبه الوهن كما الإنسان ، فيضعف ويجد صعوبة في مواكبة الأحداث ومسايرة تطورات الأوضاع الداخلية والخارجية ، القريبة منه والبعيدة ، الخاصة والعامة ؟
هل يمكن للقلم أن يلحقه الهرم فيعجز أن يترجم همّ صاحبه الذي حمله العمر كله ، وهموم المحيطين به الذين تعوّد أن يكون إلى جانبهم ويترجم أوجاعهم ؟
هل يمكن للقلم أن يشيخ قبل الأوان ويصبح يابسا يسهل كسره وانكساره ؟
تختلجني هذه الأسئلة وأنا أجد نفسي أتفرّج على كل المآسي التي تعيشها فلسطين وأشاهد على القنوات العربية والأجنبية دماء الإخوة الأشقاء وهي تسيل في كثير من الأقطار وأحصي معهم عدد القتلى الذي لا يمرّ يوم إلا ونسجل رقما مفجعا . رغم كل هذه المآسي إلا أني لم أكتب عنها شيئا ... تملكني الرعب .. خشيت أن يكون قلمي قد أصابه الوهن ولحقته شيخوخة مبكرة ، أو هرم وأحالني إلى وحدة قاتلة لأني في غيابه سأكون مرغمة على أن أكتم كل وجع في نفسي دون ان يسعفني قلمي ..........
هذا الصباح .. أوحى لي قلمي أنه لا يعاني من وهن ، ولم يدركه الهرم بعد ، ولكن تملكه الخجل ، فصمت ....
رغم حجم المأساة إلا أننا لم نقدم لإخواننا في فلسطين سوى الكلام الذي يأتي على أشكال متنوعة .. مرة على شكل تنديد ، ومرة على شكل تضامن معنوي ، ومرة يكون حسرة وألما قد يتحولان إلى دمع نذرفه في السر أو في العلن ..
رغم ما كتبناه عن غزة طيلة سنوات مضت ، إلا أن إخواننا لا زالوا تحت الحصار الذي حرمهم حقهم في الحياة ، وجعلهم يغرقون أحيانا في ظلام دامس في عصر تنوعت فيه مصادر الطاقة ، وأصبح العالم ينير الأنفاق والسراديب والمغارات .. لا زلنا نحن نصنع موتنا بما نكتبه ، ولازالت غزة الأبية تصنع حياتها بقدرتها على التحدي رغم النار والحصار ..
تحدثنا كثيرا ، لكن إسرائيل مستمرة في عملية تهويد القدس ، وإفراغها من المسلمين والمسيحيين لتكون لها وحدها وتحقق خرافتها الساذجة رغم أن الحفريات لم تنبئ بأي وجود لهم .. وها هي اليوم تتطاول على المسجد الأقصى وتريده لها وحدها احتفالا برأس السنة العبرية ولتصلي صلاتها التي تدعو إلى إبادة الجميع لترقص هي على أشلاء الأبرياء .
مئات المعتصمين من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ لا زالوا يكابرون دفاعا عن الأقصى ، ونحن هنا لا لنا نتداول الأخبار عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي ونندّد ونستنكر و.........
ويسترخي قلمي .. لا يريد ان يواصل الكتابة ، عاد إليه الخجل مما يجري ومن مواقفنا التي لا تزيد عن حروف يسودّ بها بياضنا .....
وسوم: 639