مائة وخمسون غارة روسية ومائتا شهيد سوري، المعطيات المفتاحية لقراءة مؤتمر فيينا

حين كان المجتمعون في فيينا يتبادلون غرورا زخرف كلماتهم الدبلوماسية المطرزة بابتساماتهم المزورة كان طيران الإجرام الروسي ينفذ أكثر من مائة وخمسين غارة للقتل والتدمير على الأرض السورية. كان منها مائة غارة على محافظة حلب وحدها . كما كان يستأنف مع عميله مجرم الحرب بشار وقائع المجازر اليومية على مدينة دوما ، إنسانها وعمرانها ، مساكنها ومساجدها ومستشفياتها . ثم على إدلب وريفها الصامد ؛ ليبلغ عدد الشهداء ( الضحايا ) وجلهم من المدنيين الأبرياء في يوم واحد قريبا من مائتي شهيد .

مائة وخمسون غارة بل جريمة ومائتا شهيد ، عشية لقاء الأنس في فيينا ، يشكل المعطى المفتاحي الأول لمعرفة حقيقة ما دار في فيينا وأبعاد وما سيدور هنا . حقيقة لا يقفز فوقها أو يتجاهلها إلا متخاذل في نفسه أو خائن لقضية شعبه ووطنه .

إن أي قراءة لتمويهات ما قيل وما يكمن أن يقال في فيينا أو في غيرها من محافل المكر الدولي ، بعيدا عن هذا المعطى الأوليّ ، ومع الأخذ بالحسبان هذا الإجماع الدولي على مباركة جريمة حرب الإبادة هذه ، تنفذ على الشعب السوري ، بدعوى الحرب على الإرهاب ستعتبر خيانة لحاضر سورية ومستقبلها . خيانة ستلزم صاحبها وأبناءه وأحفاده كما لزمت خيانة جد الأسد أسرته .

وسيكتب السوريون في تأريخهم لثورتهم عن كل من سيسترسل مع المشروع الروسي – الإيراني : وكان ممن هان وخان وتنازل وتخاذل ، وسار في ركاب المحتلين . ورقص على طبول الغزاة .

وستلطخ الخيانة العظمى كل من سينظر إلى الروس أو إلى الإيرانيين كوسطاء فيما يجري في سورية . بل إن الروس والإيرانيين ، وحسب المعطيات العملية للمشهد الوطني ، أعرق في الجريمة من بشار الأسد نفسه فهو مجرم وقاتل سوري يدافع عن عنقه ؛ وهؤلاء قتلة غرباء لا يربطهم بالمشهد السوري إلا حقدهم على شعب سورية عقيدته وثقافته وهويته .

وإذا كان الروس والإيرانيون يظنون أن الإغراق في جرائم القتل ، والإمعان في حرب الإبادة ، والإصرار على عمليات التطهير الطائفي والمذهبي المكشوفة ؛ ستمكنهم من كسر إرادة الشعب السوري ، ومحو وجوده ، وتغيير هويته فقد أبعدوا في الفهم ، وأغرقوا في الفدامة وأخطأت استهم الحفرة وسيبؤون بإثم سوء تقديرهم ، وانغلاق أفهامهم . إذ ما أكثر ما قتل المحتلون ، وما أكثروا ما مارسوا غطرسة الدم ، واتبعوا سياسات الأرض المحروقة التي يتبعها اليوم الروس والإيرانيون ضد الشعب السوري، وما أكثر ما دمروا من أوطان ، واستباحوا من حرمات ، ثم كما تؤكد شواهد التاريخ دائما كانت إرادة الغزاة المحتلين هي التي تنكسر ، ومراهناتهم هي التي تنحسر ، و يكونون هم الذين يبؤون مع الهزيمة بلعنات التاريخ والأجيال ...

إن تصعيد عمليات القتل والإصرار عليه متزامنا مع لقاء فيينا ( للبحث عن الحل السياسي زعموا ) ، يجري وفق مشروع دولي متوافَق ومتواطأ عليه ، بذرائعه المصنعة التي مجتها العقول والقلوب ، حتى ارتدت بوصف الإرهاب على مطلقيها من الإرهابيين الحقيقيين .

إن جريمة الإبادة تنفذ على الشعب السوري باليد الروسية – الإيرانية ، والتغاضي أو الاشتراك الدولي سيعطي الثورة السورية مشروعية أكبر ، وسيدعم ثوارها بالعزيمة والإصرار أكثر ، وسيعزز مواقف القلة من المتطرفين ، وسيدعم منطقهم ، وسيقطع الطريق المستقبلي أمام أي حل سياسي توافقي يمكن أن يجتمع عليه السوريون . هذه حقائق أولية يجب أن يفقهها الذين لا يفقهون .

وإن لمن المثير للاستنكار والإدانة والاشمئزاز أن يتحدث المجتمعون في فيينا عن مستقبل في سورية ( يؤمن حقوق الأقليات )!! في الوقت الذي تمارس فيه الأقلية الطائفية الأسدية مدعومة من كل قوى الشر في العالم وخصوصا من الروس والإيرانيين أبشع حرب إبادة ، وأشرس عملية تطهير مذهبي طائفي ، ضد الأكثرية من أبناء الشعب السوري شهدها التاريخ .

لن يُفرض أي (حل سياسي ) في سورية بمنطق الغطرسة الفوقي مهما بلغت شراسة المتوحشين . وإن السلم المجتمعي ، لمن يبحث عنه ، لا يفرض بقذائف الطائرات ، ولا بكسر الإرادات ، ولو تحالف عليه كل أشرار العالم كما يتحالفون اليوم على أبناء الشعب السوري. ولم يعد لغزا أمام الشعب السوري ، على صعوبة التفسير ، هذا التوافق العجيب الذي تنصهر فيه كل إرادات الأشرار في بوتقة واحدة على نحو لم يشهده تاريخ الكون منذ كتب الإنسان التاريخ !!

 إن سلاما تفرضه آلة القتل متعددة الهويات ، ويزخرفه مكر الماكرين ، ويمرره تخاذل المتخاذلين ؛ لا يمكن أن يكون ، فإن كان فهو سلام وقتي غير باق ولا مستقر . وإن سلاما لا ترضى عنه الأجيال ، ولا يمتلك فيه أبناء الوطن حقهم في وطنهم قي قراره وفي ثروته وفي فرصته وفي مشروع بنائه ، وفي توجيه بوصلة عزته وكرامته وفي كرامته لن يكون سلاما. ولقد ظن حافظ الأسد في ثمانينات القرن الماضي أنه انتصر !! وظن معه ذلك كل الذين دعموه وشاركوا في التستر على جريمته ، وإخفاء معالمها ، وتجاهل آلام ضحاياها ، كما يريدون أن يفعلوا اليوم بجرائم بشار الأسد ، وجرائم قاعدته البشرية ، وجرائم حلفائه من الروس والإيرانيين والحزبللاويين ..إلا أن الثورة ظلت هي الحقيقية الوحيدة المستمرة في حياة السوريين على مدى جيل من عمر السوريين ..

لن يخدع أحد السويين ، ولا معنى للثورة إذا لم تطح برأس سلطة الإجرام وساقيه المتساوين ساق الجريمة العسكري بكل ما جناه للسوريين وعليهم . وساق الجريمة الأمني في أجهزة الرعب والترويع الأسدي على مدن نصف قرن .

لن تنكسر الثورة السورية ، ولن تنتصر إرادة الأشرار ، وسيبوء القتلة والمجرمون ومناصروهم باللعنة وبسوء الدار ...

والله أكبر ولله الحمد ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: 640