لا مجال للمقارنة بين ديمقراطية الأتراك وديمقراطيات العرب
أفرزت صناديق الانتخابات البرلمانية التركية يوم أمس عن فوز ساحق لحزب العدالة والتنمية التركي ذي التوجه الإسلامي ، وكان ذلك صفعة قوية للذين يعبثون بالديمقراطية في العالم، ويقدونها على مقاساتهم ، ويتبجحون بأنهم رعاتها والمدافعون عنها ، والذين يعترفون بها حين يفوزون في الانتخابات ، ويكفرون بها حين يفوز غيرهم عليهم . وشتان بين ديمقراطية الأتراك وديمقراطيات بني يعرب . والذي جعل ديمقراطية الأتراك ذات مصداقية هو استقلال الأتراك في قراراتهم وامتلاكهم زمام أمورهم ، والذي جعل الديمقراطيات العربية بلا مصداقية هو تبعية الأنظمة العربية القاهرة لشعوبها للغرب وخضوعها لقراراته وإملاءاته .
والأتراك يتعاملون مع الغرب تعامل الند للند بينما العرب يتعامون معه تعامل العبد للسيد . وقرارات الأتراك تصاغ وتتخذ في تركيا بينما قرارات بني يعرب تصاغ وتقرر في الغرب . ولقد كانت نتيجة الانتخابات التركية يوم أمس صفعة قوية للغرب الذي أراد بخبثه تسويق الانحراف عن الديمقراطية الحقيقية الذي جربه في بلاد العرب، فحقق له ما يخدم مصالحه .ولقد عرفت مصر انتخابات ديمقراطية حقيقية كالتي شهدتها تركيا يوم أمس وقبل يوم أمس، فلما أفرزت فوز حزب الحرية والعدالة ذي التوجه الإسلامي ،قامت دنيا الغرب ولم تقعد ،وبدأ التآمر على هذا الحزب ،وألصقت به تهمة الإرهاب ، وبدأ التخطيط الماكر للإجهاز عليه، فطبخ الغرب انقلابا عسكريا دمويا أزهق مئات الأرواح، وعاث في مصر فسادا ،وأطاح بالشرعية والديمقراطية أمام أنظار العالم دون أن يتحرك ضمير هذا العالم انتصارا للديمقراطية . وساهمت أنظمة عربية مستبدة في مؤامرة الانقلاب على الديمقراطية والشرعية في مصر مخافة أن تصير قدوة في الوطن العربي، وتنهار بذلك تلك الأنظمة التي ترعى مصالح الغرب، و مخافة أن تحل محلها أنظمة ديمقراطية على غرار النظام التركي الذي كذب المقولة التي تزعم أن الإسلام لا يمكن أن يسود ويحكم ديمقراطيا .ولقد أجهز الغرب على كل محاولة ديمقراطية في البلاد العربية بعد ثورات الربيع العربي الساخنة والفاترة على حد سواء . فكما تم الإجهاز على التجربة الديمقراطية في مصر عن طريق انقلاب عسكري مكشوف أعاد مصر إلى حكم العسكر المستبد والقائم بدور دركي الغرب ، تم الإجهاز على التجربة الديمقراطية في تونس حيث انقلب فوز حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي بين عشية وضحاها إلى تقهقر لفائدة فلول النظام الذي أسقطه الربيع التونسي والذي عاد من جديد عودة الأورام السرطانية الخبيثة . وتم الإجهاز أيضا على التجربة الديمقراطية المغربية حيث تبخر فوز حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي ، وصار منطق الحصول على أغلبية المقاعد بلا معنى حين فاز بها من لم يحصل على أغلبية ، وذلك عن طريق المقامرة التي نسبت للتحالفات الحزبية، وهي عمليات سمسرة مكشوفة . ومخافة أن يحصل في باقي البلاد العربية ما حصل من فوز لحزب الحرية والعدالة المصري ، وحزب النهضة التونسي ، وحزب العدالة والحرية المغربي سارع الغرب إلى إشعال نيران الفتن الطائفية في باقي بلاد الربيع العربي حيث حول ثورات شعوبها إلى ثورات مضادة من أجل إعادة أوضاعها إلى ما كانت عليه في ظل الأنظمة الفاسدة المنهارة ، وذلك في ليبيا واليمن. وتدارك الغرب سقوط النظام المستبد في سوريا متظاهرا بمحاولة دعم إسقاطه ،والحقيقة أنه هيأ له أسباب البقاء بل حرص الغرب على نقل تجربة العراق إلى سوريا والتي مكنت لنظام طائفي يخدم مصالحه بعد غزو العراق وتدميره . وواجه الغرب ظهور الأحزاب ذات التوجه الإسلامي في الوطن العربي بتشجيع النموذج الطائفي التابع لنظام الفقيه الولي الإيراني . والغرب يفضل هذا النموذج الطائفي على النموذج الديمقراطي التركي . واضطر الغرب بسبب ذلك إلى التقارب مع نظام الولي الفقيه الذي يعبث بالديمقراطية على غرار عبث الأنظمة العربية بها حيث يسوق الاستبداد تحت رداء الديمقراطية الزائفة . ومكن الغرب لنموذج النظام الطائفي في العراق والذي انتشرت عدواه في اليمن وفي سوريا ، وسكت الغرب سكوت الشيطان الأخرس عن الزحف الطائفي في العراق وسوريا واليمن لأنه يخشى انتشار التجربة الديمقراطية التركية التي من شأنها أن تحرر الوطن العربي من هيمنته . ومن أجل الإجهاز على هذا النموذج من الديمقراطية صنع عصابات داعش الإجرامية المحسوبة على الإسلام ، والإسلام منها براء ، من أجل تشويه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي تسير على خطى حزب العدالة والتنمية التركي . وعن طريق صناعة عصابات داعش الإجرامية وبثها في العراق وسوريا وليبيا لتتبادل أدوار مسرحية هزلية فيها مع النظام المستبد في سوريا، والنظام الطائفي في العراق ، والنظام الانقلابي الداعم لفلول النظام البائد في ليبيا. وبذريع محاربة داعش أجهز الغرب في سوريا والعراق على الديمقراطية حتى لا تحذو حذو الديمقراطية في تركيا المستقلة في صناعة قراراتها . وبهذه الذريعة سكت الغرب عن التدخل العسكري الروسي الإيراني في سوريا بل طارت طائراته وطائرات الروس و طائرات الصهاينة جنبا إلى جنب في أجواء سوريا والعراق لمنع قيام ديمقراطية على غرار الديمقراطية التركية في سوريا والعراق وباقي البلاد العربية . ولقد حاول الغرب نقل ما يسميه بالفوضى الخلاقة من البلاد العربية إلى تركيا عن طريق تحريك حلفائه الأكراد لزعزعة استقرار تركيا وإفشال حزب العدالة والتنمية إلا أن الشعب التركي خيب مسعاه يوم أمس وصفعه صفعة قوية وقطع عليه طريق تصدير الفوضى والاضطراب السياسي إلى بلاده . ولقد أسقط فوز حزب العدالة والتنمية التركي أقنعة الأنظمة العربية المنبطحة أمام الغرب والمنفذة لأجندته الهادفة إلى منع ما يسميه الإسلام السياسي الذي يعتبره مصدر تهديد لمصالحه الاستراتيجية وعلى رأسها وجود الكيان الصهيوني المحتل في قلب الوطن العربي . فمتى ستفيق الشعوب العربية من سباتها وتحذو حذو الشعب التركي الذي ضرب أروع الأمثلة في الوعي ، وقرر أن يخوض المستقبل كند للغرب لا كقن له كما تريد لشعوبها الأنظمة العربية المعادية للديمقراطية الحقيقية والمتوجسة منها لضمان بقائها واستمرارها المانع لتقدم الأمة العربية .
وسوم: 640