إقرأوا هذه الفقرة للسفير السوري السابق صقر الملحم في غاية الأهمية
كلام يكتب بماء الذهب
فقرة صغيرة من كتابي: "أعرفهم عن قرب" في عام 2004 زرت الصين بدعوة من وزارة الخارجية الصينية، حيث كانت قد وجهت دعوة الى دبلوماسي واحد من كل دولة من الدول العربية وذلك لحضور دورة لشرح السياسة الصينية حول الوطن العربي وكانت الدورة تتمحور حول طريقة تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية والصين وأشكر الاستاذ فاروق الشرع الذي رشحني لتلك الدورة عن الخارجية السورية، رغم محاولة رياض قمر معاون الوزير آنذاك عرقلة القرار. وفي إحدى المحاضرات التي ألقاها معاون وزير الخارجية الصيني لشمال أفريقيا والوطن العربي، وكانت تحت عنوان: "علاقات اقتصادية وصراعات دولية" أشار معاون وزير الخارجية الصيني إلى أهمية البترول ودوره في الإقتصاد العالمي، وعرّج على أهمية موقع سورية الجيوسياسي وملمحاً بأسلوب غير مباشر إلى احتمال نشوء صراع دولي حول سورية في المستقبل من أجل التحكم بممرات البترول من إيران والدول العربية إلى أوروبا، ومن يتحكم بهذه الممرات سوف يتحكم بأسعار البترول، ناهيك عن موقع سورية بالقرب من الأسواق الخليجية والتي تعتبر ممراً مهما للتجارة التركية مع دول الخليج، وأشار إلى أنه من الواضح أنّه ليس من مصلحة إيران أن يكون هناك خطٌّ مباشر من دول الخليج إلى البحر المتوسط عبر سورية والذي سيؤدي إلى خسارة إيران لتهديدها الدائم بإقفال مضيق هرمز، وكذلك ليس من مصلحة روسيا أن يتم نقل الغاز الخليجي عبر الأراضي السورية إلى البحر المتوسط ومنه إلى الأسواق الأوروبية لأنها ستؤدي إلى إنخفاض أسعار الغاز الروسي. هذا ما قاله الصينيون أصدقاء الروس والإيرانيين بصراحة، أي أن المصالح الإقتصادية لا تعرف العواطف ولا الأخلاق. والمهم فيما قاله وهو المتكلم بطلاقة باللغة العربية: "أخشى في المستقبل أن يكون الصراع على سورية علنياً" في العام 2012 أي بعد أقل من عام على بداية الأزمة السورية خدمتُ في روسيا، وفي أحد الأيام طلب مني السفير هناك أن أرافقه إلى مقابلة مع السيد ميخائيل بوغدانوف معاون وزير الخارجية الروسي لشؤون شمال أفريقيا والوطن العربي والمسؤول عن الملف السوري والذي يتكلم العربية بطلاقة أيضا،ً ويعرف التفاصيل الدقيقة في المشكلة االسورية، والتوزع الطائفي والإثني فيها، وحيث كنت أكتب محضر المقابلة، ومن جملة ما قاله: "يبدو أنَّ القيادة لديكم لا ترغب بالإستماع إلى نصائحنا، ونحن أصدقاؤكم المُقربون، وقد أعطيتم كل آذانكم للإيرانيين الذين سيحولون بلادكم إلى بقايا ركام إذا إستمريتم باﻹصغاء إلى نصائحهم فقط، اﻹيرانيون يريدونكم ضعفاء لتبقوا أسرى في أيديهم، أرجو أن تبلغوا قيادتكم بأنّ السيد الرئيس بوتين منزعج جداً لطريقة معالجتكم للأزمة على الطريقة الإيرانية، وحاولوا أن تفتحوا خطاً للاستماع إلى المعارضة المُعتدلة وقوموا ببعض الإصلاحات الفورية." بعد عودتنا من المقابلة أُصبت بنكسة نفسية قوية، إذ تأكدتُ آنذاك بأننا موالاة ومعارضة، ومهما كبرت مناصبنا، لسنا إلا مجرد بيادق، "والبيدق هو أضعف العناصر" على رقعة الشطرنج الدولية، فقد صدقت أقوال معاون وزير الخارجية الصيني حول الصراع على سورية، وكان معاون وزير الخارجية الروسي أكثر وضوحاً بالإعلان عن رغبته بأن نكون أكثر اعتدالا وانتباها، وليس بيادق لﻹيرانيين، وفي الوقت الذي توزعت مايُسمى بفصائل المعارضة كبيادق ضعيفة في رقعة شطرنج دول متعددة، إحترقت سورية ودُمّرت، وما زال كل واحد فينا ينفخ عضلاته المعبأة بالهواء، مُعتقداً أنه الملك أو الوزير في رقعة الشطرنج الدولية هذه، ونحن مجرد دون كيشوتات مريضة نحارب طواحين الهواء. المصيبة بالنسبة لي أني خدمت في معظم الدول المؤثرة في الأزمة السورية، وأعرفهم عن قرب.
وسوم: العدد 644