تهافت مقال التنظيمات الدينية أخطر تهديد للهوية المغربية

كالعادة نشر موقع هسبريس المتحيز بشكل واضح للعلمانيين مقالا للمدعو سعيد الكحل الذي دأب على نشر مقالات تفيض حقدا وتحاملا على أصحاب التوجه الإسلامي في المغرب على وجه الخصوص وخارجه عموما . ولما كانت آفة الرأي الهوى كما يقال ، فإن مقال هذا الشخص يطبعه التهافت ، وفيما يلي أولا ما جاء في المقال :

يقفز صاحب المقال على تاريخ الإسلام في المغرب وكأنه كان بلدا علمانيا ، ويرى أن الحركات الدينية إنما هي موجات ظهرت في سبعينيات القرن الماضي ، ويقصد بها تنظيمات ما سماه الإسلام السياسي وكأن للإسلام له أوجه منها وجه سياسي . وتحدث عما سماه موجة الأخونة التي فرخت في نظره عددا من التنظيمات الساعية لما سماه أسلمة الدولة والمجتمع كمقدمة لقيام نظام إسلامي يحكم بالشرع ، ويقطع مع النظم العلمانية . ويذهب إلى أن الدولة المغربية استنبتت التيار الديني السلفي لمواجهة ما سماه التيارات الدينية السياسية . ويرى أنه من رحم التيار السلفي خرجت ما سماها الطلبنة نسبة لحركة طالبان التي نعتها برمز التشدد ومعاداة المكتسبات المدنية والحضارية . ويرى أن ما سماه الدعوشة نسبة لداعش هي آخر تيار ديني متشدد  قد فرخه التيار السلفي والإخواني  ، والذي يريد إقامة دولة الخلافة الإسلامية .ويرى صاحب المقال أن هذه التنظيمات الدينية تشكل خطرا حقيقيا وتهديدا مباشرا للهوية المغربية، وذلك باستغلال الدين. وفي المقابل يرى أن ما سماه الحركات الفكرية والسياسية التي عرفها المغرب منذ ستينيات القرن الماضي أو ما سماه الحركات اليسارية والقومية لم تكن تهدد الهوية المغربية في ثوابتها ،وذلك من خلال تحييد الدين وفصله عن السياسة .ويذكر أن كثيرا من مناضلي الحركات اليسارية كانوا متدينين يمارسون الشعائر الدينية ،وأن المهدي بنبركة كان يلبس الجلباب داخل الفصول الدراسية . وينسب صاحب المقال لما سماه التنظيمات الدينية تكفير الدولة ، والتحريض على العنف و القتل . ويذكر أن المساجد اعتلى منابرها دعاة التطرف بمباركة الدولة ، وبسبب وجود المساجد في الكارجات ودور الصفيح ، كما يذكر أن أساتذة مادة التربية الإسلامية، وخريجي شعبة الدراسات الإسلامية استغلوا المؤسسات التعليمية في غياب ما سماه المراقبة الصارمة حيث سوقت آلاف الأطنان من كتب الغلو ،كما أن أساتذة مواد أخرى تحولوا إلى دعاة وشيوخ متطرفين يهاجمون ما سماه التعابير الدينية ويقصد بها الزوايا والمواسم . ويتهم صاحب المقال هؤلاء المتطرفين كما وصفهم باعتماد عقيدة الولاء والبراء التي تضرب عقيدة الولاء للوطن وتكفره ، وتنشر ثقافة الكراهية والبغض . ويضرب أمثلة على ذلك بحكاية سائق الطاكسي الذي لم يرد نقل فتاة متبرجة بتطوان ، وحكاية صاحب المحلبة الذي رفض استقبال النساء في محلبته بسلا ، وحكاية المدرس الذي رفض قبول تلميذة بلا حجاب بمراكش ، وحكاية الطبيب الذي رفض إسعاف فتاة سكرانة بوزان . وينسب لمن سماهم متطرفين تكفير الدولة ، ومؤسساتها الدستورية ، وتكفير المواطنين الذين ينخرطون في بناء هذه الدولة المدنية ، كما أنهم يرفضون التعامل بالوثائق الإدارية ، ويرفضون العمل في قطاعات الدولة ، وأنهم قد فعلوا فعلهم في كل شرائح المجتمع الشعبية، والمثقفة ،والشبابية، والنسائية ،والطلابية حتى صار المجتمع يطبع مع الممارسات المتطرفة ،وإن كان يرفض الإرهاب . ويرى صاحب المقال أن المجتمع  المغربي يشهد ما سماه الأخونة والسلفنة والطلبنة والدعوشة نسبة لتيار الإخوان المسلمين والتيار السلفي وتيار طالبان ، وتيار داعش  وشبه تأثير هؤلاء  التدريجي بانتشار الصدإ تحت الطلاء . ويعطي أمثلة لهذا التأثير كانتشار ما سماه اللباس الأفغاني الدخيل إلى المغرب ،وهوعنده انعكاس للتطرف ،وكتحريم  الشواطىء ، وتحريم الاحتفال بالأعياد الوطنية ، واعتماد ما سماه الزواج العرفي تحت شعار : " زوجتك نفسي" بلا ولي ولا توثيق ، وتحريم إقامة الحفلات ، ومنع النساء من زيارة الأقارب خصوصا الذكور منهم ، وتحريم تشييع الجنائز بترديد كلمة التوحيد . وينهي مقاله بالقول كلما تباطأت الدولة في التدخل إلا وتمدد التيار الديني المتطرف، وتغلغل في المجتمع .

أما هفت أوهفات أو تهافت هذا المقال فكالآتي :

ـ القفز على تاريخ الإسلام في المغرب، والتأريخ لما سماه التنظيمات السياسية  الدينية في سبعينيات القرن الماضي ، وكأن الدول التي قامت في المغرب عبر تاريخه الطويل منذ الفتح الإسلامي لم تقم على أساس ديني ، وكأنه كان علمانيا إلى حدود سبعينيات القرن الماضي .

ـ  نسبة ما سماه الأخونة للمغاربة مع أنه لا وجود لتيار الإخوان المسلمين في المغرب إنما كان اليسار ينعت المتدينين بالإخوان أو" لخوانجية " ولا زال هذا النعت يطلق على كل متدين أو ملتح أو لا بسة للزي الإسلامي . ويدل نعت الحركات الإسلامية في المغرب بالأخونة أو الخونجة  على أحد أمرين:  إما جهل واضح بهذه الحركات أو تحامل واضح عليها ، ومن المؤكد أن صاحب المقال  لا يجهلها وإنما يتحامل عليها.

ـ الخلط بين توجه الإخوان المسلمين، وتوجه السلفيين ، و توجه حركة طالبان ، وتوجه داعش حيث صهرهم صاحب المقال في بوتقة واحدة  عمدا بدافع التحامل خصوصا عندما يسوي الإخوان والسلفيين وطالبان بعصابات داعش الإجرامية التي هي صناعة مخابراتية قصد بها تشويه الإسلام ، وتبرير التدخل الغربي في الوطن العربي للإجهاز على ثورات الربيع العربي .

ـ اتهام الدولة بأنها  وراء نشأة التيار السلفي وتحميلها مسؤولية انتشار التطرف  في الوقت الذي يدعوها للإسراع بالتدخل لمنع تغلله في المجتمع . ولسنا ندري كيف تكون الدولة متهمة  بانتشار التطرف وفي نفس الوقت مانعة  ومحاربة له ؟

ـ اتهام التنظيمات الدينية  بتهديد الهوية المغربية مقابل تزكية الحركات اليسارية  ووصفها بالمحافظة على  ثوابت هذه الهوية مع تعمد صاحب المقال تناسي خروج اليسار عن سلطة الدولة وحمل السلاح لقلب نظامها الذي هو من ثوابتها ، وأن العمليات المسلحة التي قام بها اليسار لا تقل عنفا وإرهابا عن أحداث ماي وغيرها من الأحداث المنسوبة للمتطرفين المحسوبين على الإسلام ، وكما تناسى أن التطرف الديني كان نتيجة مباشرة لانتشار اليسار واستفزازاته للمشاعر الدينية للمواطنين الذين تشبعوا بالإسلام أبا عن جد.

ـ اختزال الإسلام في  ممارسة اليساريين للشعائر ، وفي ارتداء المهدي بنبركة  الجلباب المغربي ،وهذا منتهى التهافت .

ـ اتهام الدولة بمباركة الدعاة المتطرفين وغض الطرف عن مساجد الكارجات  ودور الصفيح مع إغفال صاحب المقال  سبب انتشار هذه المساجد الذي هو انتشار الفقر والحرمان وإهمال سكان دور الصفيح الذين لم يجدوا فضاءات لأداء شعائرهم الدينية التي كان اليساريون يؤدونها في مساجد  الأحياء الراقية ذات الزخارف .

ـ اتهام  خريجي شعبة الدراسية  الإسلامية، ومدرسي مادة التربية الإسلامية ،وباقي المواد الدراسية بنشر التطرف مع إغفال نشر خريجي شعبة الفلسفة  وشعب أخرى للإلحاد، علما بأن موجة انتشار الإلحاد هي التي كانت سببا في عودة الناشئة إلى التدين .

ـ  اعتبار الزوايا والمواسم تعابير  دينية ومن الثوابت مع العلم أن اليسار كان ولازال يسخر من الزوايا والمواسم ويعتبرها مؤشرات على التخلف وعلى شيوع ثقافة الأوهام والخرافات  أوشيوع  الفكر الخرافي الرجعي الذي يناهضه الفكر اليساري التقدمي .

ـ توظيف حالات معزولة للتطرف وتعميمها للحكم على كل المتدينين علما بأن غالبية سائقي سيارات الأجرة والباعة  والمدرسين والأطباء وغيرهم ... من المتدينين  يتعاملون مع المتبرجات نقلا أوتجارة أوتعليما أوتطبيبا أوغير ذلك .

ـ  اتهام المتدينين جملة وتفصيلا إخوانا وسلفية وغيرهم بتكفير الدولة المدنية، والمؤسسات الدستورية ،والمواطنين المنخرطين فيها، ورفض التعامل مع الوثائق الإدارية وكأنه يتحدث عن خارجين عن القانون بلا بطاقات تعريف، ولا بطاقات انتخاب، ولا جوازات سفر، ولا رخص سياقة ،ولا عقود ازدياد ،ولا عقود بيع ولا أوراق سيارات .... ولا غير ذلك من الوثائق الإدارية الخاضعة للمراقبة .

ـ اتهام مختلف شرائح المجتمع الشعبية والمثقفة والشبابية والنسائية والطلابية  بالممارسات المتطرفة أخونة وسلفنة وطلبنة ودعوشة على حد وصف صاحب المقال.

ـ  اعتبار الزي الأفغاني لباسا دخيلا ، ولسنا ندري هل يعتبر صاحب المقال سراويل رعاة البقر أو الجينز والصايات فوق الركبة والقمصان فوق السرة  ألبسة مغربية أصيلة ؟

ـ  التشكيك في وطنية المتدينين من خلال اتهامهم بتحريم الاحتفال بالأعياد الوطنية قصد استعداء الدولة عليهم وهو أسلوب  خبيث لترويج البهتان  .

ـ قذف المتدينات والسخرية منهن من خلال نسبة عبارة " زوجتك نفسي "  لهن مع التعريض بالزواج الذي نعته بالعرفي مع أنه زواج شرعي بإجماع الفقهاء المسلمين وإن لم يوثق ، وليس التوثيق شرطا في صحة الزواج أو الطلاق بل هومجرد احتراز لمنع شيوع الفساد تحت ذريعة الزواج . وما يضطر المواطنين لعدم توثيق زواجهم التعقيدات الإدارية أو التضييق عليهم خصوصا في حالة التعدد الذي يعتبر جريمة في نظر العلمانيين واليساريين.

ـ اتهام المتدينين بتحريم الحفلات ،علما بأن بعض الحفلات تخرج عن إطار القيم الدينية والخلقية ، وتسقط في الإباحية والاستهتار .

ـ تدخل صاحب المقال  في العلاقات الأسرية من خلال محاولة فرضه طريقة  استقبال الأقارب خصوصا الذكور منهم ،علما بأن الأقارب فيهم من هو محرم ، وفيهم من هو دون ذلك، ولكل طريقة استقباله .

ـ إنكار صاحب المقال تشييع الجنائز دون ترديد كلمة التوحيد مع أنها السنة التي أجمع عليها علماء الأمة لوجود نص فيها مع أن  ترديد كلمة التوحيد ليس بالأمر المحرم ، وما كل المتدينين يمنعون ترديدها بل فئة منهم لا تنتصب وصية على الأمة برمتها .

وأخيرا نعتبر أن هذا المقال يدخل ضمن الحملة الانتخابية السابقة لأوانها ، وأنه ردة فعل من العلمانية واليسار بسبب إفراز حراك الربيع العربي لأحزاب ذات توجه إسلامي وصلت إلى مؤاكز صنع القرار عن طريق اللعبة الديمقراطية التي يتبجح اليسار والعلمانية باحترامها ، خصوصا وأن الشعوب العربية ومنها الشعب المغربي فقد الثقة في أحزاب تقليدية ومنها اليسارية والتي لم تفلح في بلوغ طموحات هذه الشعوب، بل كانت من العوامل التي أفرزت حراك الربيع العربي وثوراته ، و التي رفع شعار محاربة الفساد بكل أنواعه . ومن الظلم أن تسوي العلمانية واليسار بين التنظيمات الإسلامية المعروفة باعتدالها واتزانها ، والتزامها بالدين الحنيف دون غلو أو تطرف  وبين عصابات إجرامية من صنع المخابرات الغربية لإجهاض ثورات الربيع العربي عن طريق ثورات مضادة يساهم فيها اليساريون والعلمانيون ،وهو ما يبرر حملاتهم المغرضة ضد كل ما له علاقة بالإسلام طمعا في استعادة ثقة الشعوب المفقودة فيهم.

وسوم: العدد 653