هل إطلاق يد إيران في الإقليم هو عوض ملفها النووي

في 14 / 7 / 2015 أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي عن اتفاقها النووي مع إيران . وأعطوا الاتفاق فترة من الوقت للاختبار وتنفيذ بعض المتطلبات والتحقق من حسن النوايا .

في 16 / 1 / 2016 أصدر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بيانا أعلن فيه أن الولايات المتحدة رفعت العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي . وكذلك أعلنت السيدة ( فيديركا موغيريني ) وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي وهي تستضيف محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أن المجتمع الدولي رفع كافة العقوبات الاقتصادية التي ارتبطت بنشاط إيران النووي ..

كلا من وزيري الخارجية الأمريكي والأوربي اعتمدا في إعلانهما على إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التاريخ نفسه ( 16 / 1 / 2016 ) أن طهران قد وفت بالتزاماتها الدولية .

إيران والولايات المتحدة تاريخ من ازدواج العلاقات :

اتسمت علاقة إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي بالقطيعة والتوتر الظاهريين منذ قيام ما سمي بالجمهورية الإسلامية . ومع احتلال الثوار الإيرانيين الطائشين السفارة الأمريكية واحتجاز الرهائن فيها بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على إيران وكان الغرب الأوربي يسايرها غالبا في ذلك . بدأت العقوبات الأمريكية بفرض حظر على البضائع الأمريكية لتتطور هذه العقوبات من كونها عقوبات أمريكية لتصبح فيما بعد عقوبات أممية . مرت العقوبات على إيران بمحطات عديدة على مدى ثلاثة عقود تقريبا صادفنا فيها من الأعوام 2006 – 2010 أربعة قرارات أممية فرضت أشكالا من العقوبات على طهران . وكان قبل ذلك وبعد ذلك قرارات أمريكية وأوربية مفردة في الأعوام 1979 – 1995 – 2011 .

تتركز هذه العقوبات في البعد الاقتصادي التجاري : حجز أرصدة – وقف تعامل استيردا أو تصديرا لسلع استراتيجية (نفط و سلاح وقطع غيار ) أو وضع لأشخاص أو بنوك أو لشركات تحت الحظر ..

هذا هو الجزء الظاهر من سفينة العلاقة ( الإيرانية – الغربية ) ولكن العالم كله يعلم أن الجزء الغاطس من السفينة هو نمط آخر من العلاقة . إن ما يعرف في التاريخ الدبلوماسي بفضيحة ( إيران غيت كونترا ) منذ 1985 يكشف أن ما يطفو على سطح العلاقة ليس هو الذي يختصرها أو يلخصها. ففي عصر الرئيس ريغان قامت الولايات المتحدة بتزويد إيران بثلاث مائة صاروخ ( تاو ) لتستعين بها في حربها ضد العراق . الأكثر إثارة أن الصفقة تمت بدور إسرائيلي مباشر . فقد التقى في عهد الرئيس ريغان كلٌ من ( رئيس الوزراء الإيراني – الحسن بني صدر ) مع ( بوش الأب ) الذي كان نائبا للرئيس الأمريكي مع مسئول رفيع في (الموساد الإسرائيلي ) ، وتم نقل الأسلحة إلى طهران عبر إسرائيل .

من المهم أن نلاحظ نحن العرب دور( بوش ) الأب ثم الابن في الحرب على العراق وتحطيم الدولة العراقية وتمكين الإيرانيين من رقاب العراقيين أولا ، ثم هاهم اليوم يعملون على تمكينهم من رقاب العرب أجمعين .

ومع أن تصعيد العقوبات على طهران قد تم معظمه في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولاسيما القرارات الأممية منها ، إلا أن الرئيس أوباما نفسه قد اعتبر قضيته التي سيدخل بها التاريخ العودة بإيران الولي الفقيه إلى ( بيت الطاعة الأمريكي ) . وإذا كانت الواقعة الأولى المكتشفة في تاريخ العلاقة قد بدأ فعلا مع إيران غيت ( 1985 ) فلنا أن نتصور كم من المياه جرى من تحت دول المنطقة حكومات وشعوبا خلال ثلاثة عقود من الزمان ...

من الاستراتيجي المهم أن نتساءل بجدية عن ( مهر البغي ) الذي تحصلت عليه طهران ، مقابل الاضطجاع في مخدع المتعة الأمريكي . لأن الجزء الأكبر من هذا المهر دفع من حقوقنا ، بل من دمائنا وعقيدتنا وسيادة دولنا وحقوق شعوبنا .

حين يفكر البعض اليوم عن طريقة سلوك إيران ( المتصالحة ) مع النظام العالمي ، فليس عليهم إلا أن يتأملوا الوقائع الكبرى في السلوك الإيراني خلال العقود الماضية ؛ حيث كانت إيران تستعد لتسلم مهمتها كشرطي استراتيجي ، يمارس دوره في إخضاع شعوب المنطقة ، لمصلحة المشروع الصهيوني أولا ، ثم لمصلحة مشروع الاستكبار العالمي في شقيه الأمريكي – الأوربي والروسي .

إنه بينما كان بعض رجال الدعوة من الذين ركنوا إلى حلفهم مع الأمريكي يقرؤون على شعوبهم وهم يشيرون إلى هؤلاء الحلفاء الذين ظنوهم أمينين (( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ... )) كان الولي الفقيه يفتل في الذروة والغارب ليكون في هذه المنطقة من العالم المتمكن الأمكن على حساب عقيدة المنطقة وكرامة شعوبها ..

لقد كانت نظرية ( الولي الفقيه ) نفسها بمفهومها وأبعادها ودلالاتها هي أحد أبعاد الصفقة المريبة . فماذا يعني أن يتمتع زعيم سياسي بولاء مطلق لأشخاص يعيشون في ظل دول أخرى . إن نظرية الولي الفقيه ببعدها السياسي هي نظرية شديدة الخطر، بعيدة الأثر ، بل هي ترجمة عملية لشعار تصدير الثورة ، الذي سحبته طهران إعلاميا ونفذته عمليا . من خلال هذه النظرية وتطبيقاتها .

ثم باعتراف المسئولين الإيرانيين أنفسهم كان لإيران دورها في احتلال أفغانستان واحتلال العراق ،لا يكفي أن نكرر هذا الاعتراف في كل محفل بل يجب أن نتساءل بجدية عن حقيقة هذا الدور وتفصيلاته في الوقائع اليومية: ماذا قدمت إيران للدول المحتلة بالتحديد ، وماذا قدمت الدول المحتلة لإيران عوضا وبدلا ..

ينبغي أن ننظر إلى إغضاء المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة عن تأسيس الحرس الثوري الإيراني ، وقوات الباسيج وتمكين ميليشيا حزب الله المسلحة في لبنان أولا ثم نظائرها في أفغانستان والعراق على أنه دفعات مقدمة في عقد المتعة الذي نتحدث عنه ...

إن إطلاق يد إيران وميليشياتها المتعددة اليوم في كل من سورية والعراق واليمن بتواطؤ أمريكي واشتراك روسي هو مهر المتعة الحقيقي الذي يدفعه المجتمع الدولي من دمائنا وعذاباتنا لإيران البغي والعار ...

والعراق وسورية واليمن ما هي إلا القضمة الأولى التي يحلم الوحش بهضمها واحتوائها ...

فهل ...؟! وكيف ....؟! ومن ....؟!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 654