القابلية للاستعمار !!!
في عالمنا الإسلامي اليوم كل الدوامات ... بدءاً من باطنية فاقت باطنية القرون الأولى إلى حركات تتحلق حول جزئيات تركز عليها وما دونها الموت .. إلى علمانية بكل أنواعها على السواء ... انفصام في شخصية الأمة يقتل الرشد ويقضى على القصد ويهلك الزرع والنسل، ولأن الإسلام كان وما يزال هو القادر على مجابهة الاستعمار فلابد من تشويه صورته بخلق أشكال تدعيه وما هي منه في شئ، ثم عملية لصقها به وجعلها صورته المثلى.
والمكر الاستعماري له جنود في أرضنا .. لا يجمعهم جميعاً إلا العمالة الباطنة للمكر الاستعماري .. وهم أدوات الفتنة يبغونها إياها .. وينفخون في نارها أناء الليل وأطراف النهار ولأنهم يبغوننا الفتنة فلابد أن ننتبه إلى عملهم في الطرفين .. بين الوالد وما ولد وبين الحكومة والمحكومين .. ولذلك لابد أن نتوقع أندساسهم هنا وإندساسهم هناك. وأى تصور للأزمة على أنها ذاتية فحسب تصور ناقص ومبتور وأحسب أننا ـ حكاماً ومحكومين ـ في حاجة إلى مواجهة هذا المكر الاستعماري بمكر مثله .. وأول الطريق أن نتبين أنه ما كانت لهذه الفتنة أن تضطرم وتزداد من غير تواجد لقابلية لها عند هذه الأمة فيما أسماه أستاذنا (مالك بنى بنى) القابلية للاستعمار وأدوات هذه القابلية الشمطاء.
أولاً : البطالة الظاهرة والباطنة : فالأمة خالية من هموم التحدي الحضاري وطاقات معطلة في كل مكان ... وجربوا تجربة البطالة في بيوتكم على مستوى أسركم .. وسوف تجدون عنفاً ربما يصل إلى حد القتل. وبعضنا الذي عاش في الغرب رأى كيف ينشغل الناس في منظومة حياتهم انشغالاً عظيماً لا يترك لهم فرصة للتفكير في غير العمل.
ثانياً: التطفيف الاجتماعي : حيث تتغاضى كل الأطراف عن نواحي النقص عندها بينما تفترض وجود مثاليات من غيرها فلا إثم على أن أنحرف إنحرافاً يسيراً أو كبيراً ولكن ينبغي على الآخر أن يتمثل بعمر بن الخطاب ويمضى على دربه. هذا التطفيف يشعل الأزمة إشعالاً وينبغي أن ندرك أنه طريقنا إلى النار (ويل للمطففين).
ثالثاً: غياب العلم الشرعي واضمحلال المؤسسة الدينية في مصر حيث أصبح الناس يأخذون دينهم من آلاف الكتب المحققة وغير المحققة، وحصيلتهم من أدوات العلم قدرة هزيلة على القراءة. في الأربعينات من هذا القرن والخمسينيات كانت المؤسسة الدينية قادرة على إفراز الآلاف من العلماء الذين كانوا ينتشرون في القرى والنجوع ويضبطون موازين التدين عند الشباب ثم تقوم الحركة الإسلامية بتوجيه الطاقات إلى وجهة حضارية قاصدة. وأحب أن أؤكد أنه لن ينمو توجه إسلامي راشد من غير إصلاح لمنظومة التعليم الديني الممزقة الآن.
رابعاً: القراءة الخاطئة لأحداث التاريخ الإسلامي ... حيث يتم ربط أحداث تمت في ظروف مغايرة بواقع مختلف تماماً .. فلا نحن أحسنا قراءة التاريخ ولا نحن أحسنا فهم الواقع ومن ثم يأتي الربط بين التاريخ والواقع خاطئاً في معظم وجوهه.
خامساً: الشعور بضياع الهامش الإصلاحي في الدولة وعدم رؤية الضغط الاستعماري الذي يقيد أيدينا عن الإصلاح، وأن هذا الضياع كارثة .. إذ يدفع ذلك كل الناس إلى حلول غير مأمونة العواقب. فعندما يفقد الناس الأمل في إصلاح الدولة سيكثر بينهم من يتخذ العنف طريقاً للتغيير.
سادساً: غياب التشخيص الحضاري: فإنه لا يكفي أن نكتشف أننا مرضى ولكن ينبغي أن نشخص المعرض وأخشى أن أقول كثيراً من تشخيصنا يؤدي إلى زيادة المرض ولابد أن ندرك أن كثيراً من تخبطنا لا ينشأ بالضرورة عن فساد وإنما ينشأ عن عدم أخذ الأمور الفنية العصرية ولذلك فإنه ينبغي علينا ونحن ننظر إلى الأمورأن نحسن التشخيص ولا نطلق صرخة الفساد والإفساد على كل شئ.
وسوم: العدد 656