نهاية نمر النمر تفضح وقاحة إيران

بلا أدنى شك أن إيران وقحة دائماً ودوماً، فهي تستعمل كل الشعارات المقدسة بطريقة مدلّسة للدفاع عن مصالحها المدنسة من دون أدنى معايير أخلاقية أو قانونية أو إنسانية، فهي نراها تتغنى بالديمقراطية في المناطق التي يكون الشيعة هم الأغلبية، أما في الأماكن الأخرى التي يتواجدون فيها كأقليات تجدها ترافع بالقوانين الدولية لحماية الأقليات، ولا تتحدث أصلاً عن الديمقراطية، ومعناه أن الشيعة الموالين لها حينما يكونون أغلبية من حقهم الحكم عبر صناديق الاقتراع، وحينما يكونون أقلية عليهم أيضاً أن يحكموا حتى يحموا أنفسهم بالسلطة من البعبع السنّي!

لقد تجلت هذه الوقاحة الإيرانية وبلغت منتهاها مع حادثة إعدام المملكة العربية السعودية للمدعو نمر النمر المتورط في قضايا الإرهاب، وهو رجل دين شيعي طالما رافع لولاية الفقيه ووصل به الأمر إلى حمل السلاح والدعوة إلى التمرد على السلطات السعودية.

لقد تابعت الإعلام الإيراني منذ بيان وزارة الداخلية السعودية الذي أعلنت فيه عن تنفيذ حكم القصاص والتعزير قتلاً على 47 شخصاً متهماً بالإرهاب وكان من بينهم نمر النمر وقيادي "القاعدة" فارس آل شويل. ولقد وجدتها وقد وصل به الإسفاف إلى درجة لا يمكن وصفها، حيث فتح المجال لكل من هب ودب للطعن في الشعب السعودي وقيادته، وبكلمات وصلت لدرجة النابية التي لا تليق بأشخاص يقدمهم الإعلام الإيراني على أنهم من المفكرين والحقوقيين والعلماء وغير ذلك من الألقاب التي توزع بالمجان لشرعنة مواقف الملالي من هذه الحادثة.

أمر آخر أن هذا الإعلام الإيراني راح يرافع للحريات والديمقراطية وأيضاً التنديد بما وصفوه بهتاناً قتل رجال الدين والمسلمين من طرف من يسمونه زوراً النظام الوهابي في السعودية.

ولائم الإعدامات الجماعية في إيران

في زخم الصدمة التي تلقتها إيران صباح يوم السبت 02 يناير/كانون الثاني الجاري، راحت تخبط خبط عشواء، وتناست في خضم ذلك ما تقوم به إيران نفسها من ولائم جماعية للإعدامات بحق معتقلين ذنبهم الوحيد، إن صح التعبير، أنهم من أهل السنة أو من المعارضين لسلطة الملالي الفاسدة.

خلال الأيام 27و28و29و30 ديسمبر/كانون الأول 2015 مات أربعة سجناء من أهل السنة في سجن زاهدان المركزي، جراء تعرضهم للتعذيب على أيدي جلادي النظام الإيراني وحرمانهم من العلاج.

وفي يوم 30 ديسمبر/كانون الأول؛ أي قبل يومين فقط من إعدام نمر النمر، توفي اقبال (مهدي) ناروئي (23 عاماً) من سجناء أهل السنة البلوش بسبب تعرضه للتعذيب على أيدي جلادي الملالي في الحجز الانفرادي في السجن. وكان قد تمّ نقله إلى الحجز الانفرادي بعدما اعترض على ممارسة الضغط من قبل محترفي التعذيب والاشتباك معهم.

وقبله بثلاثة أيام كان سجين آخر يدعى فرزاد ناروئي (40 عاماً) قد توفي أيضاً في العنبر 5 في السجن المركزي لزاهدان، إثر تحمله التعذيب الوحشي وعدم تلقيه الرعاية الطبية. وكان قد تم نقله إلى هذا العنبر من دائرة المباحث في زاهدان حيث تعرض للتعذيب لمدة ثلاثة أيام، وأصيب من جرائه بجروح عميقة في الخصر والأقدام، وكانت صحته متدهورة جداً، ولكن رغم ذلك فإن كبير الجلادين ويدعى خليلي مساعد من مخابرات السجن قد امتنع عن تقديم أي عناية علاجية له.

أما في يومي 28 و29 ديسمبر/كانون الأول فقد قضى كل من مهدي ناروئي (38 عاماً) بعد تحمله 6 سنوات من الحبس، وغلام رباني (40 عاماً) بعد تحمله عامين من الحبس من جراء انعدام العناية الطبية في السجن.

من ناحية أخرى صدرت أحكام بالإعدام على عشرات من سجناء أهل السنة القابعين في سجن جوهردشت، لا سيما في القاعة 10 العنبر 4، وصادق على أحكامهم الجلادون في المجلس الأعلى لقضاء الملالي. وحكم عليهم بالإعدام بتهم سياسية مثيرة للسخرية افتعلها الملالي مثل "الدعاية ضد النظام والإفساد في الأرض والمحاربة".

اضافة إلى ذلك تعرضت خلال الأيام الأخيرة العنابر التي يوجد فيها سجناء أهل السنة للاقتحام من قبل أفراد الحرس، ويتم أعمال التفتيش ونقل السجناء بين حين وآخر وفرض مضايقات مضاعفة عليهم.

هذه المعلومات وثقها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في باريس، وهي معلومات حديثة جداً سبقت إعدام نمر النمر بيومين فقط، وليست قديمة من سجل الملالي الأسود مع الحقوق والحريات.

طبعاً ما سبق ذلك كثير جداً، فمنذ وصول حسن روحاني إلى الحكم في أغسطس/آب 2013 أعدمت السلطات الإيرانية أكثر من 2000 شخص، بل إن إيران أعدمت 120 ألف شخص من منظمة مجاهدي خلق المعارضة، كما أنها في كل أسبوع تعدم ما لا يقل عن 21 معتقلاً سياسياً من المعارضة. وتشير معلومات موثقة إلى أنه في 2011 تم إعدام 360، و314 في 2012، أما في 2013 فأعدم 624، و743 في 2014، وانتهت 2015 بإعدام 753 شخصاً.

وفي سياق التنديدات نجد أن منظمة العفو الدولية نددت بإعدام حوالي 700 شخص موثقة عندها، وكل هؤلاء الذين تمّ إعدامهم تتهمهم إيران بتهم سياسية وأيضاً دافعها طائفي بحت.

كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الخميس 17 ديسمبر/كانون الأول 2015 أصدرت القرار 62 الذي أدانت من خلاله بقوة الانتهاك الهمجي والمنظم لحقوق الإنسان في إيران، وهو القرار الذي يدين بكل وضوح نظام الملالي.

نفاق الملالي العابر للقارات

من جهة أخرى راحت إيران تتحدّث عن ما تسميها "جرائم" السعودية في البحرين واليمن، عبر ما تطلق عليه التدخل في شؤون دولتين عربيتين، رغم أن الوجود السعودي في البحرين جاء ضمن قوات درع الجزيرة وتنفيذاً لقرارات مجلس التعاون الخليجي، وأيضاً وجودها في اليمن جاء بطلب من الرئيس اليمني الشرعي وشكلت المملكة لذلك تحالفاً عربياً شاركت فيه عدة دول، والهدف من كل ذلك هو ردع مليشيا إرهابية تمكّنت من السيطرة على العاصمة صنعاء بدعم من رئيس مخلوع أسقطته من الحكم ثورة الشعب اليمني.

لقد اقترف الحوثيون المجازر الجماعية ونفذوا الإعدامات الميدانية، ومع مواجهة قوات التحالف يستعملون المواطنين العزل كدروع بشرية، بل وصل حالهم لقصف الأحياء بمختلف الأسلحة وأدى ذلك إلى قتل الكثير من المدنيين.

طبعاً تناست إيران في خضم صدمتها ما تفعله في اليمن ودعمها لهذه المليشيات الإرهابية، وأيضاً تجاهلت وجودها غير الشرعي في سورية عبر مليشيات بينها المدرجة في قوائم الإرهاب الدولي مثل "حزب الله" والحرس الثوري، كما أنها جلبت مرتزقة من عدة دول في العالم وشكّلت منهم عصابات إجرامية تمارس الحرب الطائفية النجسة على الشعب السوري ذي الأغلبية السنية.

لقد دعمت إيران نظام الأسد الذي أجمعت المنظمات والهيئات الدولية على أنه مجرم حرب، الذي قتل السوريين في مجازر قذرة عبر السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة وتحت التعذيب الجماعي في السجون والمعتقلات السرية، وقد قتل في هذه الحرب ما يزيد عن نصف مليون مواطن سوري أغلبيتهم الساحقة من المدنيين، وفيهم نسبة كبيرة من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى. وأيضاً شرّد وهجّر وجرح الملايين من المواطنين السوريين، ومعاناتهم لا يمكن وصفها في مخيمات النزوح، فضلاً عن المجازر التي تطالهم يومياً بالقصف من قوات النظام الأسدي المدعومة من طرف الحرس الثوري الإيراني والجيش الروسي.

أما في لبنان فالحال نفسه؛ فمليشيات "حزب الله" تعتدي على المدنيين وتختطف وتغتال حتى من الشيعة أنفسهم الذين يعارضون توجهات حسن نصرالله الخاضعة والخانعة للولي الفقيه خامنئي في طهران، ويكفي حرب يوليو/تموز 2006 التي تورّط فيها لبنان من أجل مصالح إيران فيما يخص مشروعها النووي، وقد صادف اندلاع الحرب قمّة الثماني التي كانت ستناقش ملف إيران، إلا أن حرب يوليو/تموز غيّرت المعادلة فخدمت طهران وأيضاً إسرائيل التي أمّنت حدودها بقوات اليونيفيل وعلى حساب المجتمع الدولي.

في البحرين أيضاً تقوم عصابات تابعة لمرشد الثورة الخمينية باستهداف قوات الأمن، واختطاف المواطنين وابتزاز الدولة وكل ذلك لخدمة الأجندة الإيرانية التي تريد البحرين مجرد محافظة تابعة لخامنئي، ولولا الله ثم تدخل قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية لآل حال هذه الدولة إلى ما لا يحمد عقباه.

العراق لا يمكن تجاهله في خضم العبث الإيراني بأمن المنطقة، حيث أن المخابرات والمليشيات الإيرانية تعيث قتلاً وإعدامات ميدانية وعلى الهوية بحق العراقيين، فلا محاكم ولا قضاء ولا أيّ سلطة يمكن أن يعتد بها، فمن يخرج عن ولاية الفقيه يعدم وتقطع أوصاله وينتهك عرضه من قبل مليشيات شيعية متطرفة وطائفية ترعاها الحكومة التابعة لخامنئي.

الأحواز وهي الدولة العربية المحتلة تتعرض لتطهير عرقي من طرف العنصرية الفارسية، والإعدامات تحولت إلى وجبات يومية لدى الجلادين الإيرانيين، فالمحاكمات صورية والتنفيذ يكون عبر الرافعات في منتهى الإذلال غير الإنساني الذي يتلذذ به حكام إيران على مرأى من العالم.

أما عن العمليات الإرهابية التي ترعاها المخابرات الإيرانية في السعودية وغيرها فهي كثيرة جداً لا يمكن حصرها، وكل ذلك يجري من أجل زعزعة أمن الدول العربية وإدخالها في صراعات مدمرة تخدم مشروع إيران التوسعي والتخريبي الذي يكمّل المشروع الآخر وهو الصهيوني الذي يعمل في صمت لصناعة دولته الكبرى الممتدة من الفرات إلى النيل.

كل ذلك قامت به إيران غير أنها تناست جرائمها التي لا تعد جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وبينها التي وصلت حد الإبادة الجماعية، وراحت تحاضر في الشرف الإنساني من خلال قضية نمر النمر التي مرت عبر القضاء واستنفدت كل الإجراءات القضائية في السعودية.

وقاحة إيرانية تجاوزت حد الإرهاب

الوقاحة الإيرانية لم تتوقّف عند الإعلام بل أن وزارة خارجيتها سارعت إلى تصريحات نددت فيها بإعدام النمر، وهذه سابقة في العرف الدبلوماسي، فالنمر مواطن سعودي والقضية سعودية بامتياز، فما دخل الخارجية الإيرانية لكي تتبنى رسمياً موقفاً عدائياً ضد سيادة دولة بمقام المملكة العربية السعودية؟

بلا أدنى شك أن إيران أكدت أن النمر هو مجرد مشروع كغيره من المشاريع في الدول العربية الأخرى مثل حسن نصرالله في لبنان، وعبد الملك الحوثي في اليمن، وبشار الأسد في سورية، ونوري المالكي في العراق، وغيرهم، وقد أثبتت الخارجية الإيرانية أن السعودية على حق عندما أدانته بالإرهاب الذي مرده خيانة للوطن صارت ثابتة وكاملة الأركان.

تهديدات الخارجية الإيرانية للدولة السعودية كانت متوقعة؛ فالصدمة كبيرة جعلتها تتخبط، حيث أن كل المعطيات التي كانت عندها تشير إلى أن السعودية ستتراجع عن إعدام النمر وسيعفو عنه خادم الحرمين الشريفين، وبذلك تنجح إيران في تصوير السعودية كدولة ضعيفة تخضع للابتزاز والضغوط الأجنبية، كما أن إيران تسوّق لنفسها على أنها لديها القدرة والقوة لحماية شيعتها وكل من يواليها، وتخرجهم حتى من السجون وترفع عنهم أحكاماً قضائية ولو كانت الإعدام.

هذا الرهان الذي كان سيرفع من حجم ولاء الشيعة العرب للولي الفقيه، قد أفشلته الدولة السعودية التي أدركت بلا شك كل حسابات إيران من خلال ما تفعله حول نمر النمر، لذلك نفذت الحكم الشرعي في هذا المشروع الطائفي الخطير المهدد لأمنها القومي الذي هو من أمن كل العالم الإسلامي، كما أنها قطعت علاقتها الدبلوماسية معها وطردت الدبلوماسيين الإيرانيين من الرياض، وهي صفعة أخرى تضاف لصفعات سابقة وجهتها المملكة للكيان الإيراني في عهد الملك سلمان.

أمر آخر خطير للغاية أن إيران تجاهلت 46 شخصاً من المتهمين بالإرهاب، حيث أنها فضلت الصمت وعدم التعليق وركزت على نمر النمر، وراحت من خلاله تحرض شيعة السعودية على دولتهم. وهذا إن دل على شيء فعلى أن هذه الدولة تمارس الإرهاب وترعاه، فلو كانت غير ذلك لباركت ما أقدمت عليه السعودية بحق إرهابيين ثبتت بحقهم جنايات ضد الحق العام وأرواح البشر.

أجزم أن إيران تبكي بدموع التماسيح على نمر النمر، وهي أكثر من سعد بالخبر لأنه لا يهمها الرجل ولا أتباعه ولا الشيعة السعوديون وغيرهم، بقدر ما يهمها استغلال الحادثة لأغراض سياسية فقط، بل أن المخابرات الإيرانية تستهدف الشيعة في عدة مناطق بعمليات إرهابية لتحريكهم طائفياً، ودفعهم للخضوع المطلق للولي الفقيه على أساس أنه لا أمان لهم إلا في ظله.

في الأخير أدعو الشيعة العرب إلى الاستفادة من الدرس في حادثة نمر النمر، وعليهم أن يعودوا إلى دولتهم ويخرجوا من تحت إبط إيران التي تستغل قضاياهم وتتاجر بهم في السجون والمشانق، لتحقيق مصالحها القومية على حساب العرب بشيعتهم وسنتهم.

د.أنور مالك                                                                                         

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 659