إيران ومشروع الفيدرالية السورية : فرصة تاريخية لتفتيت المنطقة
عكس الحديث الإيراني عن خيار "الفيدرالية" لإنهاء الأزمة السورية كثيرا من الأسئلة عن مضمون الموقف الإيراني الحقيقي ، وإن بدا هذا الخيار " الخطة ب " كورقة خطيرة تلوح بها طهران لوأد أي تحرك إقليمي عموماً ، وعربي خصوصاً لحل الأزمة السورية ضمن الإطار العربي في إطار ما بات يوصف بالخطة الإيرانية البديلة، التي لم يعرف مضمونها بعد ، لكن بوادرها بدت واضحة من خلال استعداد طهران للتعامل مع مختلف الخيارات .
الظاهر والمعلن من حديث المسئولين الإيرانيين ادعاء الرفض لخيار "الجمهورية السورية الفيدرالية" ، لكن ذلك تزامن مع تأكيدهم بربط خيارات الحل السياسي في سوريا بشروط عديدة، وأن يكون كنتيجة للمحادثات والنقاشات المتعلقة بشكل نظام الدولة المستقبلية في سوريا،بما يتفق مع مصلحة إيران ، والتأكيد على فكرة تكريس واقع الأقليات ، بحيث يحفظ شكل النظام الحالي ، واستقلال سوريا ككيان سياسي، على ان يدور ضمن الفلك الإيراني .
لكن هل حديث الإيرانيين عن الفيدرالية في سوريا نابع من الخطة البديلة التي طرحتها طهران ، بحيث باتت هي الخطة المدروسة مع الروس ؛ ولا تريد الإعلان عنها ؟ وهل هناك توافق إيراني مع الطرف الأمريكي ؛ خاصة في ظل حديث الطرف الأمريكي عن نفس "الخطة بديلة" ؛ مع التأكيد على التوافق الروسي – الأميركي – الإيراني غير المسبوق ، ودعمهم غير المحدود لاستمرار النظام في عدم الجدية على دعم عملية التحول السياسي الذي يضمن رحيل الأسد وزمرته عن النظام .
الإعلام الإيراني بدأ يطرح مشروع خيار "الجمهورية الفيدرالية" في سوريا " للنقاش والحوار ، واعتبارها مجرد فكرة يتم تداولها، وبدأ بعض المحسوبين على خامنئي الحديث عن السيناريو الأقرب إلى الواقع الديموغرافي والسياسي السوري مع ضمان تمثيل الأقليات ، وبشكل يحقق فكرة تحول سوريا المستقبل إلى شكل الدولة الأقرب للدولة اللبنانية .
يؤكد الإيرانيون أن سوريا لن تعود إلى ما قبل 2011. فالروس قد قاسموهم الكعكة بعد أن انخرطوا بقوة بهذه الأزمة ، وباتوا يريدون الحفاظ على قواعدهم العسكرية الثابتة على الساحل السوري ، ولذلك فإن الحفاظ على النظام السوري بشكله الحالي ، مع الاستعداد لإجراء عمليات تجميلية عليه هو أجمل حل لهم سيما في منطقة الساحل ، حيث سيضمن لهم هذا النظام نوعًا من النفوذ الدائم ، وغير القابل للتغيير ، وهذا يمكن تحقيقه من خلال الشكل الفيدرالي لسوريا ، من هنا وجب على الإيرانيين التنبه لذلك ، والتنسيق مع الجانب الروسي ، وإلا ضاعت فرصتهم في الحصول على مغانم الكعكة السورية .
نكاد نجزم أن الإيرانيين يراقبون ما يجري على الأرض بعناية شديدة ، بعد تقديمهم – حسب زعمهم – كل هذه التضحيات ؛ وبالتالي لم يتخذوا قرارًا نهائيًا بشأن الفيدرالية ، لكنهم يلوحون دوماً باحتمالية الانتقال للخطة ب للتعامل مع الأزمة السورية دون الحديث عن مضمون هذه الخطة ؛ خاصة إذا ما تغيرت المعادلة ، لكنهم يلتقون مع الروس عند ضرورة ضمان بقاء النظام السوري في السلطة، وتمثيل جغرافي وسياسي عادل للأقليات السورية ، وأهمية ادماج الوافدين الجدد من المقاتلين الشيعة في المجتمع السوري انسجاماً مع مقولة بشار الأسد : سوريا لمن يدافع عنها ، مع الاستعداد لتغيير شخص بشار الأسد والتضحية به ، ما دامت هناك ضمانات لمصالحها ، حيث كانت إيران أول المبادرين إلى ما يسمى بضرورة الانتقال للخطة ب في حال قرب سقوط نظام بشار الأسد ، وملخصه تفتيت سوريا وإغراق المنطقة بالفوضى ، وهذا يكشف عن الهدف الرئيس الكامن وراء دعم مشروع تقسيم سوريا ، و التذرع بأن أي حديث عن حرمان الأقليات ؛ سيما العلوية والشيعية تحت أي مسمى ، سيضع المنطقة برمتها أمام مفترق طرق لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيقود إليه .
فنظام الفيدرالية سيضمن احتمال إعادة الاستقرار . وهنا تذكر طهران دوماً بكذبتها التاريخية بأن كل ما له علاقة بحاضر سوريا ومستقبلها ونظام الحكم فيها ومن يقودها هو حق حصري للشعب السوري وإيران ، ولا يحق لأية قوة إقليمية أو دولية مصادرة هذا الحق ، ولا التدخل فيه تحت أية ذريعة كانت ، و وكأن تقسيم سوريا هو أحد خيارات للشعب السوري التي يناضل من أجلها ليل نهار في حال سقوط نظام بشار الأسد . ومن الضروري أيضاً التوقف عند موضوع خيارات الشعب السوري ليعكس حجم التناقض في الرؤية الإيرانية ؛ فالموقف الإيراني يرفض فرض إقامة منطقة عازلة ، سواء شمالي سوريا أو جنوبيها بحجة أنها لا تحمي الشعب السوري ، بل تقسمه ، ويؤكد سعي طهران المفضوح الأهداف لإبقاء الشعب السوري " السني " تحت القصف والنار ، و محاولة خلق وضع جديد يمكن استثماره بفعل عمليات التهجير كرأس حربة ضد الشعب السوري ، وضد المكون السني عندما يتطلب الأمر ذلك ، أو عندما يرفض هذا الطرف أو ذاك الإذعان للإملاءات الإيرانية الساعية لفكرة إعادة نقل الأقليات ، وإعادة دمجها جغرافياً ، و التي لا يمكن أن تشذ هذه الخطة الجهنمية عن البوصلة الأميركية – الروسية – الصهيونية.
لا شك بأن المقترح الروسي الداعم للفيدرالية في سوريا لم يأت من فراغ، وإنما جاء طرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ليلتقي مع الطرح الإيراني ، عندما تحدث عن سيناريو أكثر خطورة من الفيدرالية، و عندما تحدث عن"الخطة البديلة" أمام الكونغرس الأمريكي بأنه قد فات الأوان لإبقاء سوريا موحدة في حال فشل عملية التفاوض السياسي .
من المؤكد أن الطرح الأميركي يوفر عدم انخراط واشنطن بشكل مباشر بالأزمة السورية ، بحيث تضمن عدم التدخل العسكري البري من قوات غير أمريكية، ومن المؤكد أنها ستترك هذه المهمة للآخرين ، لا سيما تركيا وقوات التحالف الإسلامي التي تشكلت حديثاً .
ومن المعلوم أيضاً أن تدخل هذه القوات سوف يكون مهماً لدعم فكرة الحل الفيدرالي في حال اعتماده ، والاتفاق عليه دون علم الدول العربية وتركيا ، والخشية من الزج بهذه القوات لتحقيق هذا الهدف في النهاية ، في حال ممارسة واشنطن لسياسة الخداع مع الدول العربية ؛ خصوصاً إذا ما علمنا أن الفكرة الروسية المطروحة بشأن الفدرالية في سوريا جاءت نتيجة التفاهمات الأمريكية الروسية الإيرانية ، وأن الدول العربية ستكون بنظر هذه الدول أداة لمحاربة تنظيم داعش وتصفيته، مما يمهد الأرضية لتحقيق فكرة الفيدرالية في سوريا من حيث لا تدري أو تعلم .
لأن بقاء سوريا دولة موحدة بات من المستحيلات على حد تعبير الإدارة الأميركية .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 661