مسلسل التفجيرات، وما يجب فعله لاحقا
التفجيرات الأخيرة التي وقعت في العاصمة البلجيكية بروكسل في 22مارس آذار/2016، وراح ضحيتها أكثر من34 قتيلا و230 مصابا، لم تكن الأولى التي يشهدها العالم اليوم. بل سبقتها سلسلة من التفجيرات، طالت العاصمة التركية أنقرة، والعاصمة الفرنسية باريس. فضلا عن تفجيرات أخرى كثيرة، لا تكاد تخلو منها منطقة من العالم.
وهذه التفجيرات بعامة خلفت جرحا لا يندمل في المشاعر الإنسانية، بسبب المصائب التي حلّت بكثير من المدنيين و منهم النساء و الشيوخ و الأطفال.
و مهما قيل عن هذه التفجيرات؛ فهي تظل أكير من التقديرات، و تذهب إلى ما هو أبعد في التحليل، و قد أصبحت مادة ثرية للمحللين السياسيين، الذين يشغّلون أقلامهم اليوم من أجل معرفة أسبابها و بواعثها، و ما قد تنطوي عليه من مخاطر.
والذي نريد أن ننفرد به، أو نتوقف عنده و لو قليلا من الوقت مسألتان تعدان غاية في الأهمية:
المسألة الأولى (إقليمية): و هي تتعلق بالغبن الذي تتعرض له الشعوب في كثير من المناطق في العالم، و منها منطقة الشرق الأوسط. و قد أدّى ذلك الغبن، إلى ثقافة العنف التي أصبحت التفجيرات جزءا منها، و إلى هضم الآخر بعامة، و حرمانه من أبسط حقوقه، و إلى شعور بالاستضعاف و عدم الإنصاف ، الأمر الذي أدىّ إلى القيام بالتفجيرات. و هذه حقيقة واقعة.
و هذا الشعور هو الذي شكل المهاد النظري للإرهاب وهو اليوم يمثّل الزيت الذي يصبّ على النار، و هو الذي كان و ما يزال المحرض الرئيس على كل ما يجري على الساحة الدولية، من أشكال العنف، و منه هذه التفجيرات.
و في تقديرنا أن حل هذه المسألة يتطلب النظر إليها من ناحيتين:
الناحية الأولى_ ناحية الأنظمة القائمة: و المعروف أن الأنظمة القائمة ، ديكتاتورية، و غير شرعية ، و غير عادلة و يغلب عليها التعدي. و لذا قامت على أساس من غبن الآخر و هضمه، و لم تتورع عن أن تكون تابعة للأجنبي أو عميلة له، أو أن تستقوي به على شعبها. و ما يحدث في سورية و العراق يثبت صحة ذلك.
الناحية الثانية_ ناحية المصالح الأجنبية: و المعروف أن المصالح الأجنبية التي تمثّل، امتدادا لعصر الاستعمار و لمطامع الدول الاستعمارية في المنطقة عملت و لاتزال تعمل على قتل خصائص الشعوب، و على إثارة النعرات العرقية و الطائفية بينها، و محاولة تجزئتها على أساس من تلك النعرات. و ذلك لتتمكن من سرقة خيراتها، و استلابها ثرواتها. و المصالح الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط تثبت صحة ذلك.
و على أساس من هذا التحليل الموجز يمكن أن تفهم أسرار التدخل الروسي في سورية. و قد كانت و لاتزال المصالح الروسية تمثّل الهدف الرئيس من ذلك التدخل، و قد استحلوا من أجل ذلك قتل السوريين و تخريب مدنهم و قراهم بعامة .
المسألة الثانية_(سياسية): و تتعلق بمجلس الأمن و الأمم المتحدة من جانب، و بالسياسات الدولية من جانب آخر و تشكل معا موقفا مشتركا ضد الشعوب التي تنزع إلى الحرية، و تناضل من أجل خلاصها. لذا لم يفلح مليون شهيد و مليون جريح في سورية من أن يقنعوا تلك السياسة بمظلوميتهم، و لا أن ينتزعوا منهم قرارا بإدانة ذلك النظام، الذي يعدّونه ساقطا و فاقدا لشرعيته. وخلف ذلك سببان:
السبب الأول_ يتعلق بأهداف تلك السياسات: و المعروف و باختصار أن السياسة الدولية مرتبطة بالمنظمة الدولية، و أن المنظمة الدولية واقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية و أن اللوبي الصهيوني في البنتاغون هو الذي يوجه تلك السياسيات، و هو الذي يتحكم بمفاصلها الرئيسة.
و هذا التحليل يقودنا إلى تحميل السياسة الصهيونية والأمريكية مسؤولية ما حدث أو يحدث في المنطقة الشرق أوسطية و هذه حقيقة واقعة، و لا تحتاج إلى دليل.
السبب الثاني_ يتعلق بمصالح الدول الحاكمة بتلك السياسات فهي تتمترس خلف مصالحها. و تمترسها خلف مصالحها هو الذي قادها إلى تحالفاتها، و إلى المغامرات غير المحسوبة، ضد الشعوب المستضعفة الأمر الذي أدّى بعد إلى نمو مشاعر الكراهية، عند الأجيال الناشئة.
و بعد الإرهاب، و هو الظاهرة الأكثر شيوعا في العالم، أحد مخرجات تلك السياسة، التي مثّلت العامل المساعد على نموه و اتساع دائرة انتشاره، بل و الداعم الرئيس له.
و المعروف أن الإرهاب ليس سلعة واحدة تعبأ كعلب البسكويت، و تصدر إلى الإرهابيين، حيثما وجدوا بصرف النظر عن هويتهم و انتمائهم، و ما هم عليه من دين. و إنما هو مشكلة قائمة بحد ذاتها، و لا يفهم إلا بفهم الظروف التي أدّت إلى ظهوره و اتساع دائرته. و منها المشكلات الدولية المعقدة و الشائكة، و ذات الوجوه المتعددة. حيث عدت تلك السياسة بمثابة المفرخة التي تفرّخ كتاكيت الإرهاب أولا، ثم ترعاهم بما تشيعه من عنف و غبن و هذا هو الذي حدث و يحدث و دون انقطاع.
و هاتان المسألتان متعاضدتان و لا نظن أن هناك حلا لمشكلة الإرهاب بدونهما، و منها التفجيرات الدامية التي طالت أكثر من بلد في العالم. و الذي نراه أن دائرتها ستتسع، و ستطال العلاقات بين الأمم و الشعوب، و ستؤدي إلى تدنٍ في تلك العلاقات لا نظير له في القديم و الحديث. بل إن تشابك المصالح قد يؤدي إلى المواجهات الدامية بين تلك الدول، أو أنّه و على أقل تقدير سيؤدي حتما إلى اتساع دائرة العنف ، و إلى انتقال عدواه إلى دول العالم كافة، و عدم اقتصاره على منطقة دون أخرى. و هذا يعني أن ضرره سيكون عاما، و أن مواجهته ستكون مكلفة، إن لم تعالج جذريا، و إن لم توضع لها الحلول المجدية. و لذلك نوصي:
أولاً_ بإعادة النظر في سياسة الكيل بمكيالين، و التعامل بوجهين، و بمحاولة حل المشكلات العالقة و عدم التمييز بين البشر بسبب من دينهم، أو عرقهم.
ثانياً_ بالنظر إلى المشكلات الدولية، بموضوعية و تجرد، و باتخاذ المواقف البناءة منها، بدلاً من المراوغة و اللعب على الحبال، و رسم السياسات المخادعة.
ثالثاً_ بالنظر إلى حقوق الإنسان باعتبار كبير، و عدم المساومة على الحرية و الكرامة، و حفظ الحقوق المشروعة للبشر كافة.
رابعاً_ بالانتصار لضعفاء الناس و الوقوف معهم بقوة، بدل المتاجرة بأعضائهم البشرية، أو المساومة عليهم. و محاولة حل المشكلات في كل مكانٍ من العالم، و منها على وجه التحديد المشكلة السورية و كل المشاكل العالقة في الشرق الأوسط و في غيره من المناطق الأخرى.
خامساً_ بإيقاف المصالح الدولية عند حدودها، و عدم مدّها لما هو أبعد، و اعتبار حقوق الإنسان محفوظة و مقدسة. و إلا فالعدوان و التعدي هما المسيطران و حصاد ذلك إثارة المشاعر الغاضبة حيث وجدت تلك المصالح، و بالتالي فإن ما ينجم عن تلك المشاعر، يتحمل نتيجته السياسيون أولا، و هذا ما يجب أن يفهموه و يحاذروا الوقوع فيه.
سادساً_ و هو الأهم_ أن تعرف الدول في أية منطقة وجدت من العالم مالها و ما عليها؛ فالإمساك بعصا القوة ليس مبررا لاستعمالها. و إنما المبرر يتمثل في التفاهمات التي يجب أن تشيع، بين الجيران و الإخوة، و أبناء البلد الواحد، و في القواسم المشتركة التي تشكل الجامعة الكبرى للدول جمعيا و بدون استثناء.
و عوداً على بدء، فإن مسلسل التفجيرات لا يجوز أن يمرَّ بدون مراجعة حساب، و بدون الإجراءات الرادعة التي لا تكتفي بتعقب الفاعلين، و إنما تعمل على تعقب الأسباب الرئيسة التي أدّت و ستؤدي إلى الخلل في العلاقة بين الشعوب من ناحية، و بين الشعوب و حكامها من ناحية أخرى. و المسؤول عن ذلك السياسة الدولية، التي تحكم قبضتها على الأمم المتحدة و مجلس الأمن ، و تفعل فعلتها دون حساب للمتضررين من تلك السياسات، و في مقدمة أولئك المغدورون هنا و هناك و ما أكثرهم في العالم. و هذا ما يجب أن يحسب حسابه قبل تلغيم أية خطوة قادمة من الخطوات التي يقوم بها التحالف الدولي. في منطقتنا العربية و الإسلامية و في كل منطقة من العالم طالتها التفجيرات أم طالتها السياسات و ذلك من واقع المسؤولية المحضة، و من واقع القيم المعاصرة التي يعتز بها البشر في القرن الحادي و العشرين.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 663