في صعوبة الدفاع عن عبد الفتاح السيسي
انتقد أحد كتاب «القدس العربي» (عمرو حمزاوي: «الموضوعية الغائبة»، 11 نيسان/إبريل) نهج «تغييب الحقائق وكيل الاتهامات الزائفة» الذي تتبعه السلطات الحاكمة في مصر «ومن يعارضونها باسم رفض الظلم وطلب الحرية والديمقراطية».
استخدم الكاتب مثالين كاشفين، الأول هو واقعة تعذيب وقتل باحث الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، والثاني هو موضوع توقيع الحكومتين المصرية والسعودية اتفاقا لترسيم الحدود البحرية أقر فيه الطرفان بسيادة المملكة على جزيرتي تيران وصنافير.
كشفت الواقعة الأولى عن هزال وركاكة وسخف السلطات والمدافعين عنها من حيث تخبّطهم في سرد روايات متناقضة تتضارب بين بعضها البعض، نزولاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه، إلى مكتب المدّعي العام، فوزارتي الداخلية والخارجية والسفراء المعنيين، وحتى المعلّقين على وسائل التواصل الاجتماعي أو المخبرين الصغار.
وانتقد الكاتب، في الواقعة الثانية، صيحات التخوين والتفريط ورواج خليط من الجنون والصخب المغيّب للحقائق والمعلومات وأشار إلى المادة رقم 15 من قانون البحار ومواد أخرى تنظم السيادة، وعاد بالتاريخ إلى عام 1950 حين طلبت السعودية من مصر السيطرة على الجزيرتين في ظروف الصراع العربي – الإسرائيلي، وبترسيم وزارة الخارجية المصرية عام 1990 للبحر الإقليمي الذي أخرج الجزيرتين من مياه مصر الإقليمية اتساقا مع قواعد القانون الأممي.
مطالبة المعارضين لنظام السيسي بالالتفات الى الموضوعي والامتناع عن المزايدة، بهذا المعنى، أمر محقّ ومفيد بقدر فائدة انتقاد الحكم في مصر على كوارثه السياسية والاقتصادية المتعاظمة.
غير أن الإشكاليّة هنا أن النظام المصري، ورئيسه على الخصوص، بسبب أخطائه الكبيرة، وركاكة دفاعاته عن قرارات حكومته (التي يعلم الجميع أنه مسؤول عنها شخصياً)، لم يترك حيّزاً كبيراً، حتى للكثير ممن أيّدوه وأعطوه تلك الشعبية التي استعان بها لتبرير استيلائه على الحكم، للدفاع عنه، وهو يفسّر، إلى حدّ كبير، الحملة الكبيرة عليه، وليس انعدام الموضوعية فحسب.
السياق الذي جرت فيه حادثة الجزيرتين أضعف كثيراً قدرة المصريين، موالين ومعارضين، على أن يكونوا موضوعيين، فقد ترافق الإقرار المصريّ بالسيادة السعودية على تيران وصنافير مع الاتفاقيات الأخرى ذات الطبيعة الاقتصادية والماليّة، وهو ما بدا كتفريط بالأرض المصرية مدفوع الثمن.
وبدلاً من أن تقوم الوثائق التي نشرتها الحكومة المصرية لإثبات ملكية السعوديين للجزيرتين بتأكيد هذه الملكيّة فإنها أثارت التساؤل عن سبب دفاع مصر، لا السعودية، عن هذه الملكيّة، وعدم إظهار المملكة لوثائقها في المقابل، بحيث بدت القاهرة أكثر تحمّساً في تسليم أراض تحت سيادتها، من حماس الرياض على تسلّمها!
أظهرت الحادثة أيضاً، كما يحصل في أغلب الأحيان، استصغار النظام للرأي العام المصريّ، وعدم اكتراثه بحساسيّة القضايا التي تهمّ الشعب، معتبراً أن وعود الرخاء والرفاهية أهمّ من القضايا الوطنيّة، ومن ضمنها، بالطبع، قضايا السيادة والكبرياء الوطنيّة والدفاع عن التراب الوطني، وهي أمور كانت دائماً مثار دعاية أيديولوجية كثيفة تساهم في ترتيب علاقة الدولة المصرية بجمهورها العامّ.
في تبرير ضمنيّ لقضية الجزيرتين عزا السيسي، في لقاء معه، الأمر لعدم الطمع، مستشهدا بأمه التي كانت تعلمه، كما قال، «ما خدش حق غيري»، و»اللي اعطى الناس يعطيك»، والتي أضافت عليها القناة الباثّة، أو من نشروا الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي، للنفاق أو ربما للسخرية، موسيقى تصويرية لأغنية «ستّ الحبايب يا حبيبة» لفايزة أحمد، بشكل يتناسب مع التصريح الميلودرامي المتناقض مع حدث لا يحتمل الميلودرامية.
شرعيّة الرئيس عبد الفتاح السيسي تتآكل لأن من يدافع عن نفسه بالطريقة الآنفة لن يجد، في النهاية، من يستطيع الدفاع عنه.
وسوم: العدد 664