بيان القاهرة.. بضع نقاط على الحروف
عبد الرحمن يوسف القرضاوي
صدر بيان القاهرة كصرخة في الصمت، صدر في أول أيام الصمت الانتخابي في مسرحية الانتخابات الرئاسية المزعومة، صدر في جو من الترقب المشوب بالإحباط، فارتفع سقف التوقعات، وكتبنا بيت شعر على جدار التفاؤل، وشاءت إرادة الله أن تثبت معارضي الانقلاب فجاءت المقاطعة صفعة على قفا النظام.
نحتاج اليوم إلى بعض النقاط على الحروف.
لا بد أن يدرك الجميع أولا أن كثيرا ممن يتحدثون في الإعلام باسم البيان لا علاقة لهم من قريب أو بعيد ببيان القاهرة أو بالمنضمين إليه، بل ربما يكونون مبتعثين لتوريط مؤيدي البيان في مصائب ومواقف لا علاقة لهم بها.
وكثير ممن يتحدثون عن بيان القاهرة لم يصلهم جوهر المسألة، ولا علم لهم بحقيقة أهداف البيان.
كما أن كثيرا من المتابعين يحملون البيان أمورا لا علاقة له بها، فترى كثيرين يقرنون بين بيان القاهرة وبين وثيقة بروكسل، والحقيقة أنه لا علاقة بين الاثنين، ووثيقة بروكسل مجرد ورقة مثل عشرات التصورات المطروحة على الرأي العام وعلى أمانة الحوار والتنسيق التي شكلناها، وهي محل بحث، مثلها مثل التصورات التي قدمها شباب 6 إبريل، والاشتراكيون الثوريون، وغيرهم من الأفراد والجماعات.
بل إن البعض يقرن بين بيان القاهرة وبين أمور بعيدة عنه كل البعد، مثل أولئك الذين ربطوا بين توقيت صدور البيان وبين عرض فيلم "المندس"، وكأننا كنا نعلم أصلا أن هناك فيلما بهذا المحتوى، وسوف يعرض في هذا التوقيت.
بعض الموجودين على الساحة بلغ بهم حد الخطل والخلط درجة مضحكة، وللأسف هناك من يصدق أي شيء، مهما كانت استحالة تصور حدوث هذا الشيء.
وهناك من يريد أن يقفز فوق الأحداث ليصل بنا إلى المربع العاشر ونحن ما زلنا في المربع الأول، فترى أسئلة من نوعية (ما هي تصوراتكم للعلاقات مع أمريكا بعد سقوط الانقلاب؟)، والحقيقة أن المنضمين للبيان يعرفون جيدا كيف يرتبون سلم أولوياتهم، ويميزون بين المهم والأهم، وبين العاجل والآجل، وبين الضروري والكمالي.
هدف المنضمين للبيان أن يصلوا إلى اتفاق الحد الأدنى، لكي لا نختلف ونتشاجر في منتصف الطريق.
إذا أبحرت هذه السفينة لا نريد لها الغرق، ولا نريد أن ينشب شجار بين البحارة، أو أن يقتلوا القبطان، أو أن يقتل بعضهم بعضا وهم في عرض البحر وسط الأمواج المتلاطمة.
ليس معنى ذلك أن كل من على السفينة قد أصبح نسخة كربونية من أخيه، لا نريد ذلك، وكل إنسان حر في معتقده، وتوجهاته، وتحيزاته، ولكن من يركب هذه السفينة لا بد أن يكون متجها معنا لنفس الميناء، وأن يرضى بإجراءات السلامة التي توافق عليها الجميع، وأن يقبل القيام بمهامه ضمن طاقم البحارة على متن هذه السفينة، وبدون ذلك سيكون الغرق مصير الجميع لا محالة !
بيان القاهرة دعوة لوحدة الصف، وهو لا يفرض على أي أحد رؤية معينة، بل يحاول تقديم مائدة حوار لكي يتحاور حلفاء الأمس، فرقاء اليوم، على أرضية أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير أولا، وعلى أساس رفض دولة الاستبداد القمعية ثانيا.
أكبر العوائق التي تمنعنا حتى الآن من التقدم عوائق (عاطفية)، فتجد هؤلاء يقولون إن الآخرين باعونا في موقعة كذا، وتجد الآخرين يردون بالمثل، وإذا قال طرف آخر إن الجميع قد أخطأ، تجد الطرفين (بطريقة عاطفية جدا) يحاولون التفرقة بين هذا الخطأ وذاك، بفروق واهية لا معنى لها.
لا يوجد طرف يستطيع أن يحسم المعركة لوحده، والثقة بين الأطراف المختلفة ليست في أفضل حالاتها، والسكين على رقبة الجميع، ولكن العواطف السطحية الساذجة تمنع كثيرا من الأخيار من اتخاذ الموقف الصحيح.
نحن نخوض الصعب، ونبذل كل ما نستطيع لكي نصل إلى نتيجة توحد الثوار من جديد.
صحيح أن هناك عقبات، ولكن المبشرات أكبر وأكثر من أن تحصى !
ما الجديد بشأن بيان القاهرة؟
الأسبوع القادم بإذن الله سيكون هناك جديد، وسنبدأ بميثاق شرف يجمع كل الثوار، وعلى أساس هذا الميثاق سيصبح الحوار ممكنا، وسيصبح للاختلاف مرجعية، وسيصبح العمل الثوري ممكنا بإذن الله.
أبشركم بالخير ... قريبا بإذن الله تعالى
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...