حكم قتل الأسرى والتعامل معهم
مقالة لقادة الكتائب والثوار
عبد الله المنصور الشافعي
بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ... هذا كتاب لقادة الكتائب والثوار مع رجاء النشر والبلاغ
قال الله تعالى (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء) دل كتاب الله تعالى على أن سبيل الأسير إما منّ أو فداء وإلى ظاهر هذا ذهب الحسن البصري وعطاء بن رباح وسعيد بن جبير وغيرهم من السلف وتأولوا قتله صلى الله عليه وسلم لعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث على أنهما من الرؤوس وممن غدر وقام بدور دعائي خبيث وكبير ضد الدين ناهيك عن أن ذلك واقعة عين أي ذات خصوصية وليس حكم مطرد, وبالمقابل فإن أبا حنيفة والأوزاعي وأحمد قالا بقتل الأسير أو الفداء وأن ليس للإمام المن عليه, وذهب الجمهور من الشافعية والمالكية وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وهو مذهب أبي يوسف -ومحمد والله أعلم- إلى أن الحكم في الأسير يرجع للإمام فيفعل الأصلح للإسلام والمسلمين وهو مخير بين القتل والمن والفداء والاسترقاق ولكن منعت المالكية من المن بغير فداء وزادت خيار الجزية [الاسترقاق حكم بات ملغي بعد تطهر البشرية منه وتحريض الإسلام على إلغاء الرق يحتم إنفاذ إلغاءه وعدم إعادته بعد أن طورت البشرية نفسها وتحررت من استعباد بعضها بعضا بعد استعباد وقتل ربع مليار إنسان في بناء العالم الجديد (أمريكا), أما فرض الجزية كما هو مذهب المالكية فهو كضريبة يفهم منه لطيفة تزيد على المنّ وهو أن السادة المالكية أجازوا لأسير الحرب عقد الذمة أي جعلوه مواطنا من مواطني المصر الاسلامي وإنما ألزموه بالجزية وهي في مقابل الزكاة على المسلمين كضريبة المواطنة وقيمتها تساوي تقريبا اليوم شاة من الغنم في العام عند الجمهورعلى كل رجل بالغ موسر ولا تفرض على النساء والذرية ويجوز إن كره صاحبها اسم الجزية أن تسمى بالزكاة أو الصدقة وتعدل له بضعف الزكاة أي 5% وتسقط عنه الخدمة العسكرية بكل حال]. واسلام الأسير وهو في الأسر لا يلزم المسلمون ويبقى على حكمه الأول غير أنه يرفع عنه القتل إلا إذا غلب على الظن كذبه وشهد بذلك عليه سابق عمله .
قال تعالى (ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) ففي كلا الآيتين ذكر سبحانه وتعالى شرطيّ الأسر الإثخان في العدو والأرض والإثخان هو المبالغة في الشيء والزيادة فيه مما يشير إلى التمكن من الشيء أو تمكن الشيء من محله, فقيد الله سبحانه اتخاذ الأسرى أولا بالإثخان بالعدو فلا يقصد في الجهاد ولا به الأسرى وما يتضمنه اتخاذهم من عرض مادي متمثل بالفدية بل الجهاد يكون بنية إعلاء كلمة الحق ورفع الظلم فنبه الله سبحانه إلى أن الأسر لا يقصد إليه بل يكون بعد تيقن النصر وتحقق النتيجة من الحرب الدائرة (وحتى لا يقع المسلمون فيما وقعوا فيه بأحد وبلاط الشهداء) وثانيا قيده سبحانه بعد الإثخان بالعدو بالإثخان بالأرض فالإثخان بالعدو في الآية الأولى منصرف إلى الإثخان بالمعركة ذاتها فهو بقيد حسم تلك المعركة وقد يحتمل إذا كانت المعركة إثر المعركة قريب أو في طريق يقصد به إلى تحرير محلّة ودارت على الطريق معارك واتخاذ الأسارى يضر ويعيق فلا يكون هذا الحكم مقصودا من الآية أصلا بل يرجع الأمر عندئذ إلى المعنى التي تفيده الآية الثانية وهو الإثخان في الأرض أي الأرض المقصودة بالمعركة كلها فإن اتخاذ الأسارى والالتهاء بهم يعيق سير وتصرف الجيش وتهيأه للمعركة التالية فهنا لا ينبغي للقائد أن يتخذ أسارى حتى يتم له بسط سيطرته كاملة على الأرض فيقتل منهم الرأس ومن ظاهره القوة والمكر أو الغريب البعيد فإنه لا ريب زنديق مريد, استئناسا بالأثر "اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم" وإن شاء منّ على الباقين بعد الترغيب والترهيب فقد منّ صلاح الدين الأيوبي على قسم من أسرى الصليبيين لمّا قلّت المؤنة في الجيش وخشي على الأسرى الموت جوعا فأطلقهم, ولا ننسا أن كثيرا من مجندي النظام اختارهم وهم عوام رعاع لا يكادون يفقهون قولا لجهلهم ونشأتهم وقد قال النبي (ص) "تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت من مدر ولا وبر إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلي من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم", ولا يقتلهم إلا بسلاح المعركة أي بإطلاق النار على الرأس وهو أخف وأهون ولا يمثل ولا يذبح ولا يعذب ولا يجدع, أما الإثخان في الأرض في حالتنا في الشام فيحتمل أن يكون الإثخان في أرض الشام كلها أي حتى تمام التحرير وإسقاط النظام ويحتمل وهو الأرجح وهو الذي يدل عليه الحال وما كان في سابق الزمان أنه إثخان في أرض المعركة المنصوبة للعدو في بقعة معينة يريدها جيش المسلمين ثم لا ينوي بعدها الإغارة على جارتها إلا بعد أجل ومعاودة ترتيب وإعداد وترسيخ أقدام .والله أعلم
الأمان والأسرى خاصة فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالرفق بهم ومعالجة جريحهم وهذا من خصائص الإسلام على سائر الأديان قال عز اسمه (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) فجعل جل ذكره الأسير بمنزلة اليتيم والمسكين, حتى إن الصحابة كانوا لوصية الله ووصية رسوله يؤثرون الأسرى بالطعام على أنفسهم فيخصونهم بالخبز ويأكلون التمر, وكان الخبز من رفيع طعامهم, وقد قال النبي (ص) في أسرى يهود بني قريظة "أحسنوا إسارهم وقيلوهم واسقوهم ولا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح" . ومن المهم جدا أن يُعلم أن من أعطى أمانا لمجموعة من الكفار أو جند النظام فإنه لا يحل له قتلهم بحال ولا يجوز الكذب في هذا البتة وليس هذا من الخدعة في الحرب في شيء كما يشيع بعض الجهلة والمتنطعون فعن أبي وائل رحمه الله (من كبار السلف) قال أتانا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بخانقين وفيه "إذا قال لا تذهل, لا تخف, مترس أو مطرس (يعني أمان بالفارسية), فقد أمنه إن الله يعلم الألسنة كلها" حتى أن الإمام الجليل محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله حكى في السير عن عمر رضي الله عنه "إذا أشار إليه -إشارة يفهم منها الأمان- وقال إن جئت قتلتك ففهم من الإشارة الأمان فجاءه فقد أمنه ولم يحل له قتله" قال محمد : وكذلك لو أن جندا من المشركين حاصروا حصنا للمسلمين فصالحوهم على أن يعطوهم عشرة آلاف وينصرفوا إلى بلادهم فانصرفوا ثم جاء المدد للمسلمين ما جاز لهم أن يغدروا ولا يتعقبوهم حتى يصلوا إلى بلادهم. وفيه حديث عمرو بن عبسة (رضي) ورجوع معاوية عن الروم وكان قد عزم على الإغارة على الروم فلما اقتربت نهاية العهد بينهم سار نحوهم حتى يدهمهم صبيحة انقضاء العهد فحدث عمرو بالحديث معتبرا أن ليس لمعاوية السير نحوهم إلا يوم انتهاء الصلح وليس قبله ! إنه دين ودين رب العالمين يا معشر المجاهدين, نعم لا يجوز إعطاء الأمان وهو يضر بحرب المسلمين أو يتسبب بضرر عام ولكن متى أعطيَ فقد لزم, وعلى القائد أن ينبه في مثل هذه الحالة إلى عدم إعطاء أمان لأحد "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" إلا أن يكون أحد الطواغيت فلا جوار له إسوة بقتل بلال لأمية بن خلف وقد أجاره عبد الرحمن, وبالمناسبة فقد استثنت اتفاقية جنيف بخصوص الأسرى من كان منهم مجرم حرب .
أما قطع الرؤوس فقد كتبت فيه مقالة أبنت فيها أن هذا ليس من الدين في شيء بل إن قطع رأس الميت مثلة لا يفعلها الصالحون ويربأ عنها المخلصون فليس فيها أكثر من التشفي والشماتة وعظيم الإساءة للاسلام والثورة فلتراجع, ومثله الذبح للحي فهو فعل همجي لا يفعله إلا من طاش لبه وقسى قلبه ولم تخلص لله نيته وهو مظنة التلطخ بالدم من غير عذر غير حظ النفس النمرة المتوحشة, وقد قال النبي (ص)"أعف الناس قتلة أهل الايمان" وبلغ أبو أيوب الأنصاري أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أتي بأربعة أعلاج من المشركين فأمر أن يصبروا ويرموا بالنبل فقال أبو أيوب "سمعت النبي (ص) ينهى عن قتل الصبر ووالله لو كانت دجاجة ما صبرتها" فبلغ قوله عبد الرجمن فاستغفر وأعتق أربع رقاب ككفارة قتل الخطأ, وقال خليفته الصديق (رضي) "لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثّلوا ولا تجهزوا على جريح"وأتي عليّ بأسير فقال :لا تقتلني صبرا, فقال عليّ "لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين" وكان شعاره في حروبه "لا تقتلوا أسيرا ولا تجهزا على جريح ومن ألقى السلاح فهو آمن". ومن احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" فقد أبعد النجعة وأخطأ الحجة والحديث عليه لا له فالقتل للإنسان (المحارب) والذبح للحيوان ولكم يطول عجبي من مشايخ تحتج بهذا الحديث لتشريع ذبح المحاربين !! ثم يعمد هؤلاء إلى تبديع وربما تكفير من يأخذ ببعض قولهم لخروجهم عن السلطان الذي عقدوا له بيعة أبدية .
الخلاصة: ناهيك عن أنها تعاليم شرعنا الحنيف وهنا يكفينا التذكير بقول عمر "ولست معلمكم إلا بالعمل" أي بالقدوة والهدي الحسن, أقول نحن في زمن الجانب الإعلامي فيه بات من أهل الجوانب في الحياة سيان في مجال الدعوة أو الاقتصاد أو السياسة أو حتى في المجال العسكري وخاصة ونحن في عصر النت والفيسبوك وانتقال المعلومات ففي حال ما إذا صالح الثوار مثلا صلحا مع قوة من النظام فخرقوا الشرط وخفروا العهد أو ذبحوا البعض فإن أثر هذا ونتيجته لا ترجع فقط بالسوء عليهم من الناحية الشرعية بل على معركتهم ومن ثم ثورتهم لعموم الضرر وشيوع الشرر فلن يقبل قط بعد شيوع الخبر بذلك أي طائفة أخرى من جيش النظام حوصرت أو ضيق عليها من الاستسلام كيف والقتل أهون من الذبح كيف والثبات به بقية أمل وقد قال المثنى رضي الله عنه "عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم فلا تعودوا أيها الناس إلى مثلها فإنها كانت زلة فلا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع", وسر قول المثنى "فإنه لا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع" هو أن من استشعر ألا ملجأ له ولا مفر قاتل قتالا شديدا واستبسل إذ ليس ثمة شيء يخافه أعظم من الموت وهو متيقن من الثوار إن لم يلتزموا أقوالهم ومواثيقهم فعندئذ يقاتل عن آخر أمل له في الحياة ويستقتل وهذا قتال يعدل قتال الرجل فيه اثنين أو أكثر وقد كان المثنى قد لحقهم إلى الجسر وحصرهم فغرق منهم جمع كثير ولولا أن الله سلم ووقى شرها لتفطنوا أن الانقلاب للقتال أولى من الغرق والموت لا محالة, وكذلك عندما يتصرف الثوار ويخفروا عهودهم ولا يلتزموا سماحة وتعاليم دينهم لا يثق بهم العدو ويستبسل ولا يستسلم, ولا خير ولا أنجى ولا أوثق عاقبة من اتباع الشرع وما قد يسوؤنا عاجلته من اتباع شرع ربنا فلا ريب ستسرنا عاقبته في الدنيا والآخرة فقد تتأخر النتيجة وقد يرجع بعض من نعفو عنهم لقتالنا ولكن يوشك أن تؤتي الطاعة والالتزام أكلها ولا ريب, ومما ينبغي على القادة والعقلاء والمشيخة والعلماء إفهام العوام أنه من غير الممكن ولا الجائز عقلا قتل كافة جند النظام فمن المعلوم شرعا إسقاط تبعات حروب الفتنة قال الإمام الزهري هاجت الفتنة الأولى وأصحاب بدر متوافرون فاتفقوا على عدم مطالبة باغ بدم ولا حرمة ارتكبها فعموم العقوبة من الحرج العام وقد حكمت المحكمة المدنية الفرنسية عقب تحرير فرنسا من النازية بالإعدام على نحو 324 ألف إنسان ثم وبعد تفكر العقلاء وسبر الأحوال لم يتم إلا إعدام 11 ألف منهم فعملوا بمبدئ الإسلام للحرج العام وخشية أن يثير قتلهم فتنة أعم وشرخا في المجتمع أعظم, ونذكر هنا قول المسلمين للمشكرين يوم حنين "لاحاجة لنا في دمائكم ونسائكم وذراريكم" وما خلفه قولهم هذا من أثر في قلوب هوازن فجاؤوا بعد ذلك مسلمين . فكان الإسلام بحق أول رافع للحرج العام برحمته وأول مؤسس لما يعرف اليوم "بالشرف العسكري" وأول من ألغى النخوة والعنجهية في الحرب "سئل عن الرجل يقاتل شجاعة, غضبا, حمية, رياء, للمغنم, ليذكر, ليرى مكانه, ليحمد, للأجر والذكر, للجهاد ولعرض من الدنيا" كل ذلك وهو يجيب (ص) "لا أجر له" و "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" و "إنما الأعمال بالنية فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" وكان رجل هاجر لينكح امرأة اسمها أم قيس فكانوا يقولون "مهاجر أم قيس". وأول من ألغى بتعاليمه تجنيد المرتزقة "من غزا ولم ينو إلا عقالا فله ما نوى" بل زهد الشارع في الغنيمة "مامن غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم في الآخرة" وأول من أبطل حروب الاستغلال (الاستعمار) فأقر الخليفة الراشد مجدد القرن الأول عمر (رضي) ملوك وحكام آسيا في مناصبهم وخلا بينهم وبين ملكهم ما التزموا شرعة الحق وقال كلمته الشهيرة "إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا".