كتاب "رسائل إلى الله"، استطلاع عفوي جسور ومؤشرات نفسية خطيرة

يحمل كتاب "رسائل إلى الله" للكاتب "وجيه عبّاس" (263 صفحة) (بلا دار نشر وبلا تاريخ نشر) أهمية خطيرة آنية ومستقبلية. ننتهي من الأهمية المستقبلية أولا بالقول أننا جميعا – حتى من لا يدرك هذه الحقيقة منّا – نكتب للتاريخ الذي سوف يحتفي بما نكتبه بعد زمن على طريقته التي يراها مناسبة لما كتبناه – مُكبرا أو لاعِنا ، مبتهجا أو آسيا .. إلى آخره – واحتفاء التاريخ تعبير مجازي فمن يحتفي هم الناس ولا قيمة لأي شيء من تاريخ وعلم وفلسفة وفن وسياسة واقتصاد من دون الإنسان؛ هذا الإنسان – وهنا نأتي إلى الأهمية الآنية الخطيرة لهذا الكتاب – الذي حاول وجيه عبّاس "استطلاع" جوانب من ردود أفعاله المختزنة على محنته التاريخية عبر عمله الجسور هذا. فآنيّا ، يرسم وجيه عبّاس صورة سوداوية مُنذرة يبدو أن لا أحد من المعنيين بالتسبّب في هذه المحنة التاريخية الخانقة وإدارتها  قد اطلع عليها ليلتقط درسها الأهم في مجاله وهو أن الاحتقانات النفسية والاجتماعية والدينية – وحتى اللغوية المعبّرة عن هذه الاحتقانات – في داخل المواطن العراقي قد بلغت الزبى وأنها تُنذر بطوفان من الانفجارات العاصفة التي ستأتي على الأخضر واليابس ولن تبقي ولن تذَر. وقد يكون في هذه الإحتقانات جانبا من تفسير سمة "الفرهود" وسمة "العنف" التي ميّزت مراحل كثيرة من تاريخ هذه الأرض (هناك عشرات من قصائد رثاء الفرهود الدموي للمدن السومرية والبابلية !) . فحين "ينكص – Regressed  " المواطن بالمعنى النفسي التحليلي ويرتد إلى مراحل مبكرة من الاستعانة بالقوى الماورائية لمواجهة إحباطات وتعدّيات واقعه ، فإن من معاني ذلك انه علامة مُنذرة على قرب تحوّل هذا المواطن إلى سلوك عنفي – ثأري – عشوائي – عنفي – ساحق قد تشتغل فيه أدواته "الحيوانية" المختزنة في لاوعيه ، وهي الأدوات الأولى التي يرتد إليها حين تتوقف سلطة العقل الرادعة القامعة – المكروهة لاشعوريا – فالحضارة إبنة القمع والتضحية بالحرية الفردية ذات المضمون "الطفلي" من أجل طرف مقابل اسمه "الآخر" وتحت التهديد بشخصية اجتماعية قامعة اسمها "القانون" . واستطلاع وجيه عباس هذا يعلن ذلك بوضوح – على لسان اصحاب الرسائل العفويين البسطاء الذين لا يحسنون التمنطق والاستثقاف فيفلتون مشاعرهم عارية صادمة .. وهؤلاء – وهنا مكمن من مكامن الخطورة – هم "مادة" التشكيل الجمعي الناكص الذي يُسمّى "الحشد – Crowd" المخيف الذي – مثلا - أهار سجن الباستيل المرعب بأظافره في الثورة الفرنسية. ومن الطريف والخطير الإشارة إلى أن الثورة الفرنسية بدأت بمقدمة سلوكية نفسية اجتماعية لم يلتفت إليها الملك ولا مستشاره وتمثلت في قيام أهالي باريس وبحماس غريب بحملة هائلة لقتل الفئران والجرذان. وكان هذا التصرف "استطلاعا" سلوكيا حركيا له دلالاته النفسية التحليلية (هل هناك مسؤول عربي لديه مستشار نفسي ؟.. طبعا لا ، لأن المسؤول العربي منزّل من السماء ويفتهم في كل شيء في حين أنه مرعوب من الداخل ويخشى السلطة الأبوية للطبيب النفسي!).

وكتاب "رسائل إلى الله" هو استطلاع نفسي أدبي إذا جاز الوصف لعيّنة من الشعب العراقي (390 رسالة إلكترونية تقريبا) تطوّع أفرادها (أو طلب منهم وجيه) لنقل رسائلهم الإلكترونية الموجّهة إلى الله سبحانه بعد أن ضاقت بهم السُبُل وصار من اليسير عليهم – وهذه مفارقة سياسية واجتماعية كبرى – أن يخاطبوا الله الرؤوف الرحيم بعد أن عجزوا عن توصيل صوتهم إلى الساسة المُحصّنين (فأمراء الحروب آلهة جديدة لم تتعرف عليك (على الله) ، وعلينا نحن اللانسمّى أن نكون بطاقات التعريف بينكما – ص 10). وبروحه التحرّشية شبه المجنونة – وفق الفهم النفسي العلمي والإبداعي الخلّاق للجنون و "اللاطبيعية – Abnormality" المعروفة يلخّص وجيه جوهر مشروعه :

(إلهي . هذه اصوات عبيدك العراقيين يضجّون إليك بالدعاء والشكوى تبرعتُ أن اوصل اصواتهم إليك. اخترنا أن يكون علي بن أبي طالب حامل بريدنا إليك لأنه رسول أمين وقريب من محمّدك الغريب بين يدي المطاوعة فلا أحد يستطيع الدنوّ منه إلّا بعد أن يأكل (طن كَتِل) . لهذا اخترنا أبا الأيتام ليوصل الرسائل مختومة إليك – ص 10).

والرسائل هذه ليست مختومة ، بل مفضوحة ومعلنة بأقصى الاصوات الجارحة المجروحة؛ أصوات تحمل حرقة أرواح موجوعة مألومة مختنقة ، الختم الذي تحمله هو ختم اليأس القاتل الجاثم على القلوب المتعبة. واليأس خصوصا حين يكون عاما شاملا ينفض فيه الإنسان يديه من كل شيء هو المقدّمة المنذرة بالإنفجار الشامل الصاخب العاصف:

 مصطفى أومن :الغوث الغوث ... مرتضى الكعبي: ليش هيج؟... مو تعبنه سارا احمد: صبرت هواي علينا يارب ... كلش هواي ابو هاشم: الهي امشي عليك العباس ارحم العراقيين

هذا اليأس يصل اقسى مستوياته وأقصاها حين يرتد العدوان على الذات فيتمنى المرء الموت أو الإنتحار :

 يعقوب الخزاعي: الشعب العراقي يريد الموت وﻻ العيش مع هكذا سياسيين دمّروا البلد.. لولا ان الانتحار حرام لانتحر جميع الشعب....

واليأس يرافقه عادة "دوار عقلي" يعبّر عن انشلال القدرات الإدراكية الموصلة للتأويل الدقيق وتفسير الأحداث بعيدا عن عبودية المُقدّر . يظهر هذا الدوار والإنشلال في "الصيغة التساؤلية" التي طغت على أغلب الرسائل ، فالمواطن العراقي وصل إلى حدّ لا يستطيع معه تفسير "مصيره" وما بلحق به من فجائع ومحن يومية متصلة ومتواصلة منذ فجر التاريخ :

منتظر علي مجيد: سؤالي :الم يكتفي البرزخ من اموات العراق؟؟ الم تكتفي الجنة من شهداء العراق ؟؟الى متى واين وكيف ولماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ Haidar Basim :رسالة إلى الله مالك الملك وحاكم الكون الرحمن الرحيم . والجبار العظيم .. ألم تكتفي سمائك من وجعنا ؟ ألم ترتوي أرضك من دمائنا ؟ ألم يحن الوقت ليعود الوضع آمن ويخضع الناس لحكم القانون ؟ أما أكتفيت من دماء علي والحسين وأولاد الحسين وأصحاب الحسين ؟ أما أكتفيت من جثث الحروب التي كتبتها على هذا الشعب ؟ أما أكتفيت بالمقابر الجماعية ؟ بالاعدامات ؟ بحرب ايران ؟ باحتلال الكويت ؟ بأحتلالنا ؟ أما كفاك تعذيباً لنا ؟ إما أن تهدها فوق رؤوسنا أو تفرجها سريعاً فأنت صاحب الفرج العالي بلا درج .....

ولا صلة للجهة التي يخاطبها أصحاب الرسائل بمصائبهم من الناحية الموضوعية التاريخية والاجتماعية .. إنها جهة محايدة إذا دق الوصف. وما يقوم به هؤلاء الأفراد هو  نوع من العدوان المُزاح أو المنقول – Displaced Aggression"  حيث يوجّه الفرد شحنات نقمته الحارقة نحو الأب الأكبر المتعالي بعد أن أعمى الدوار العقلي المؤسس على اليأس بصيرته الناقدة فلم تعد ترى الطغاة الفعليين من الآباء الأرضيين الصغار. لعل في هذا جانبا من تحليل نفسي لمعاني الآية الكريمة التي يدعونا فيها الله إلى أن نذكره كذكرنا لآبائنا : "اذكروني كذكركم آبائكم" : Kassam Hassan :يا الله أهلنه الطيبين العراقيين الفقرة الهم عتب وياك ،،، ليش نسيتنه وتاركنه بيد الحرامية والمجرمين. Ödâý Albably : اتمنى اتغيّر مقولة" كيفما تكونوا يولى عليكم"، لاننا سنبقى هذا الشعب سليل ذاك الشعب الذي بافعالنا توالت علينا الظلمة لظلمنا انفسنا، فارجوا تغييرها..

ووجه عملة هذا العدوان الآخر هو العدوان المرتد على الذات كما قلنا والمعبّر عنه بهذه الروح المازوخية السوداء التي تبخس الذات وتمزق الإعتبار الذاتي وتسحق القدرات والإرادة وتمعن في الإدانة الذاتية والجمعية حدّ الإهانة المضمرة والمعلنة : Ammar Painter :طبنه مرض احنا مو خوش اوادم جان ماء صار بينه هيجي

ابو عادل الكيتب :رسالتي يا رب انت تعلم.... لماذا ﻻ نتعلم..!

 الكاتبة مروة البغدادي :أنا حسنة الظن به، مايحدث وسيحدث مقرر في كتابه لكن لي سؤال يثيرفضولي :هل نحن نستحق ذلك أم نحن أستحققناه بما تعج به قلوبنا؟ Haider A Abass :شوكت تتغير انفسنا لان احنا مكادرين نغيرها..فقط نريد نتغير نريد من نمشي بالشارع منذب الكلينس لو كطف الجكارة من جامة السيارة نريد نصير اوادم بدون قوانين بس غيّرنا ...ترة مبينا خير نغير نفسنا. Caesar Ali: اللهم شتسوي بينة,نستاهل Hassan AL Musawi :اللهم طيح حظنه خلصنه واخلص لاأحنه عباد ونرتجي الجنه من انموت ولا أحنه من الكافرين ..خلصنه ياربي واخلص Dhiaa Jaber :اللهم ان اهل العراق لايستحقون العيش على هذه المعمورة لان فيهم المنافق وفيهم من يرضى بالذل وفيهم الساكت عن الحق وفيهم من يقتل باسم الدين وبأسمك وفيهم من ينشر الفاحشة وفيهم الساسي الناهب لاموال الشعب وفيهم من ينظر بعين واحدة ليأخذ الحق له ويغض الطرف عن حقوق الاخرين اللهم واسألك ان تعفو عن الاطفال لانهم ابرياء لم تتلوث ايديهم بوباء ابائهم ... اللهم امين

إن هذا الدوار الذي يعاني منه العراقيون هو في الحقيقة "دوار تاريخي" يمتد منذ فجر خليقة هذه الا{ض حتى هذه اللحظة ، وكل القرائن والمممكنات تشير إلى أنه سوف يستمر لدهور مقبلة . إنّ مشاعر كتّاب الرسائل الطافحة – والعاطفة طاغية على العقل في المخاطبات كلّها – تعكس عجزا حقيقيا عن تفسير سرّ لعنات هذه الأرض الذي يشبه "القدر" المُلغز العصي على الفهم والتأويل. لم يبق أمام الجميع ، وفي ظل هذا "الدوار التاريخي" سوى التسليم بالميتافيزيقا .. هناك لعنة مُقدّرة على هذه الأرض التي تُسمّى العراق .. وعلى هذا المواطن الذي يُسمّى "العراقي" وخلاصة هذا الفهم "شعار" مكتنز وشائك يقول :

"العراقي حيوان مُذنب"

مثلما صاغ أرسطو شعارته الشهيرة "الإسنان حيوان اجتماعي" و"الإنسان حيوان سياسي" .. يلتقط وجيه عباس هذا المفتاح الذي تستغلق الأمور في ظله فيقول في مقدّمته :

(حين أوجدتني في العراق يا سيدي علمتُ أنك لم تطرحني في الأرض اعتباطاً؛ العراق وطن لتكفير الذنوب . وهل هناك ذنب أكبر من أن أكون عراقيا يحيط بي هذا العالم وأنا مشدوه عنه بذنوبي الحقيرات ؟ - ص 8) .

سلام الجمل: الهي الى متى ندفع ثمن الخطيئة التي اقترفها جدنا الاكبر " قابيل " ؟؟ للعلم فقط ، هو ليس جدنا وحدنا وحسب ، وانما جد كل البشر ، لماذا ندفع نحن الثمن منذ ان دخل " قورش " ارض بابل والى اليوم ؟ارجوكَ اجبني ! ان كنتَ تسمعُ وترى ، و انتَ تسمعُ وترى ! كما قلت لـ عبديكَ هارونَ و موسى ..!

سلمان الدراجي: من لايرحم لايرحم احنا اللة سبحانة وتعالة لا ينضر لنا لكثرت ذنوبنا نرى الباطل ونحن ساكتين

وفاء العبيدي: الهي وربي وسيدي عشت سنين عمري لم ارى في بلادي غير لون الدم اﻻحمر واخاف ان اموت وما زال هذا اللون يغطي ارضي الهي اصلح حال بلادي باصلاح اهله وارني سماءه وارضه ومائه بالوانها الحقيقية.

بلاد اللونين : الأحمر والاسود هذه حملت أغرب اسطورة خليقة في الكون فيها يُخلق الإنسان العراقي من طين ودم في النسخة البابلية ، وفي النسخة السومرية يحصل تطرّف أشد فيُخلق الغنسان العراقي من دم فقط في حين يُخلق الإنسان في كل اساطير الخليقة في الكون من طين وماء . ومِن أين أخذ الدم الذي مزجته الإلهة "مامي" بالطين ؟ أُخذ من جسد إله متمرّد مزّقوا شرايينه !! ولمزيد من التفصيل راجع كتابنا الأخير "ليلة تسليم جلجامش لليهود" الصادر مؤخرا عن (دار ضفاف - الشارقة/عمان) - 2016).

ومن نتائج هذا الدوار هو "البحث" الدائم المدوّخ عن مخرج من هذه المحنة العصيبة . هذا ما يطبع أغلب الرسائل ، فالكل "يبحث" و "يفتش" عن منفذ للخلاص ولكن في صيغة تساؤلية تعبّر عن اهتزاز اليقين والشكّية الممزقة . هذا يبحث عن تفسير .. وهذا عن وطن بديل .. وهذه عن قائد .. وهؤلاء عن "منقذ" .. والكل يفتش عن "الفرج" .. وكلهم – أو أغلبهم – غير متأكدين من أن هذا الاختيار هو الحل الناجع . إنّهم يشكّون في خياراتهم نفسها ويُحاصَرون بأحاسيس مؤرقة من المخادعة الذاتية . ولو راحعت تاريخ العراق الطويل لوجدت أن من سمات الواقع العراقي هو أن مواطنه "يبحث" و"يفتش" عن "شىء" ضائع منذ فجر التاريخ . ولهذا كانت هذه الأرض أول من قدّم فلسفة "المنقذ" إلى البشرية :

علي الخشاتي: الهي..... هل يوجد حل للعراق ام نبحث عن بلد آخر

مصطفى الحسيني: نحمدك ونشكرك يا رب على كل ما ابتليتنا وعجل لوليك الفرج وسهل له المخرج يااااااا الله...... Abeer Almussawi :ربي اسألك الامان للعراق ربي اسألك رئيس عادل للعراق

فاضل الماجدي: ربي ارزقنا بدكتاتورعادل

ولكن وسط كل هذا الدوار يتفق المُرسِلون على الشكوى والنقمة على جهتين محدذدتين هما : السياسيون ومزوّرو الدين : Mashtaq Al Khdree :رسالتي.... هي دعاء اليك يا رحمن يارحيم.... خلصنا من حثالة البشر وهم السياسيين الارهابيين بعبوه ناسفه بسكته قلبيه باي شي انت المحيي المميت والاسباب كثيره لديك . Tariq Nizar: رباه رفقاً بعُبَيدِك العراقي .. الذي تاه بأرضِك... وحاربه عبدكَ العربي قبل الاجنبي .. وسرق نفطاته قطيع من السياسيين الانتهازيين .. قطيع احلَ لنقسهِ الخدمة الجهاديه وشرعنها إنصافاً لنفسه عند جهاده في بارات الغرب الكافر وحفلات المجون الصاخبه .. وحَرَمَ على الشعب المهتلف ... قانون تقاعدهِ ...وميزانيته البائسه ... رباه لك المشتكى .... قيس الاسدي: اللهي خلصنا من كل سياسي غير شريف ولا يحب وطنه فهؤلاء من جلب البلاء علينا فارحمنا منهم Mohanad Naji :سبحانك ربي انجنا من القوم السياسين انهم انتهكوا حرماتك واحلوا الحرام وحرموا الحلال اللهم اخسف بهم الارض الاهي انهم فرقوا شملنا ..سبحانك ربي اجب دعوتي وخرجنا من هذا المحنه . Abdullah Laith Alkhfajee : اللهم خلصنا من مدعين الدين وصل على الحبيب محمد وآله اﻻطهار

فايق أموري ألشيخ :انت اعرف بمن ظلمنا وسرقنا ومن كان يلبس ثوب الدين والوطنية وهما منهم براء اطلب منك يالله ان نراهم وهم مخزيين مفظوحين يتبرا منهم ذويهم ويصبحون عبره للاولين والاخرين. Mohamed Al-Qasier : الهي ....خلصنا من العمائم الزائفة و اللحى العفنه و الاحزاب الاسلاموية النفعية اصحاب المفخخات و الخلافات و ابدلنا اسلاميين عارفين و صادقين و معتدلين ....اللهم عرف الجميع ان تربية العقول اولى من تربية اللحى

ويبقى مسار البحث الأخطر والذي عنده سوف يشيب الولدان هو حين يتأخر الجواب الإلهي وهو أمر معتاد ومتوقع لأن الله سبحانه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ، وهي ثقافة تتطلب التضحيات المؤسسة على الدقة في التشخيص والإمساك بعروق المحن لاقتلاعها من جذورها ، وهذا ما لا يمكن توفيره في ظل حالة الدوار التاريخي والآني . وعندها ستكون ردة الفعل عاطفية عنفية عاصفة خصوصا عندما تراهن جهات على مطاولة مثل هذا التأخير ، فتفاقم اليأس ، فالانفجار .. فالحريق .. فالفرهود من جديد والذي سيخفي آثار الجريمة ووثائقها:

علي باسم : اختتم رسالتي بكلماتي .. إلهي خصم الحجي .. نرجو تدخلك الشخصي في العراق لأن ميحلها غيرك لو يحضر الحمزة ..

خاتمة شعرية

_______

قد يكون من التعسف القول إن الشعر خسر شاعرا مهما مثل وجيه عباس ، وأن الأخير خسر الشعر – ولو وقتيا – مقتنعا بأولوية النزول إلى ساحة المواجهة المباشرة بعيدا عن مجازات اللغة وألعابها الساحرة. لكن الشعر سيبقى يلاحقه ويشدّه مذكرا إياه بمضمار مجده التاريخي. ويمكنك سيّدي القارىء أن تقارن بين رسائل الاستطلاع و"الاستطلاع" الشعري التالي لتعرف الفارق الشاسع بين الآني والتاريخي. كان جلجامش يكرّر ويلهح باستمرار :

-أريد أن أجعل لي اسماً .. أريد أن أجعل لي اسماً ..

ضاع كل ما بناه من الحجر واللازورد وبقيت الكلمة .. الملحمة .. الشعر ..

من قصيدة عصماء لوجيه عنوانها "في حضرة النبي" أختم بهذه الابيات :

 إيهٍ أبا الزهراءِ حسبُ مواجعي

إنّي أتيتُ إلى ثراك مشرّدا

وأنا العراقُ ودون قبرك وحشةٌ

تلد المنافي الليل حزنا سرمدا

يا أول الغرباء حسبك أننا

غرباء دينك لو يُقال تهوّدا

سبعون طائفة تفرّق بينها

دمك الغريب فأيّ ساريها حدا

وطني قتيلٌ بين ألف محمدٍ

ومحمدٌ وطني القتيل تشرّدا

وطنٌ من الموتى ، وألف عمامةٍ

تفتي بموتك لو أتيتك مولدا

يفتون أن يد الطغاة كريمة

إذ تُفتدى، ويد الجياع هي الفدا

مدّوا رقاب الساجدين معابرا

لخليفة الرحمن حتى يقعدا 

................ 

هل كان دينك ركعة وسجودها

ولحىً ومسبحة تُدار ومرقدا ؟

أم كان دينك في الكتاب مذاهبا

شتّى وأربابا وربّاً أوحدا ؟ 

وسوم: العدد 673