غريبة طريقة خوض العلمانيين العرب في موضوع الانقلاب الفاشل بتركيا
من المعلوم أن العلمانيين في الوطن العربي، وهم نسخة مشوهة للعلمانية الغربية لأنهم لا يملكون الشجاعة للتصريح بعدائهم للدين كما يفعل غيرهم في بلاد الغرب لأن الأمر يتعلق بدين الإسلام في بلاد إسلامية ،لهذا يمارس العلمانيون عندنا نفاقا سلوليا ـ نسبة إلى المنافق ابن سلول الذي ورد ذكره في القرآن الكريم ـ فيظهرون احتراما مغشوشا للإسلام ،ويبطنون كراهية له تتجلى في حقدهم الأسود على المنتسبين إليه على اختلاف مشاربهم وأحوالهم . ويستطيع المرء أن يصل إلى بواطنهم من خلال زلات ألسنتهم ويعرفها من لحن قولهم كما وصفهم القرآن الكريم . ومن الذين مردوا على النفاق عندنا فئة تدعي القدم الراسخة في المعرفة بالإسلام لتستبيح بذلك أعراض المنتسبين إليه كما تشاء ،وتسفه معرفتهم به لأنها تريد احتكار تلك المعرفة التي تطوع الإسلام للعلمانية كما كان المنافقون من قبل يحاولون تطويع الإسلام للنفاق حتى بلغ الأمر حد بناء مسجد ضرار ليضاهي وينافس مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد فضح الله عز وجل ضراريتهم . ولا شك أن وقوع انقلاب عسكري في تركيا التي وصل إلى صنع القرار فيها حزب ذو مرجعية إسلامية عن طريق اللعبة الديمقراطية بعد عقود من الديكتاتورية العلمانية العسكرية حرك مشاعر الحقد لدى العلمانيين الحقيقيين في الغرب كما حرك مشاعر حقد العلمانيين المزورين أو المنافقين في البلاد العربية والإسلامية . ومن غير المستبعد ضلوع العلمانية الغربية في طبخ هذا الانقلاب لأن وجود حزب ذي مرجعية إسلامية في بلد تحول من الخلافة العثمانية الإسلامية إلى الدولة العسكرية العلمانية أمر يقلق العلمانية الغربية في أوروبا وخلف المحيط الأطلسي أشد القلق .ولعل إصرار الولايات المتحدة على نفي صلاتها بالانقلاب العسكري في تركيا دليل على تورطها فيه بشكل أو بآخر علما بأنه قد يكون أحيانا الإلحاح والحرص على إظهار البراءة دليل قاطع على الجرم . ومما أقلق العلمانية الغربية هو نجاح حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية في التعايش مع العلمانية دون حساسية ،والنهوض بتركيا نهضة شاملة ،الشيء الذي يجعل الإسلام السياسي كما يسميه الغرب ينافس العلمانية ،ويطرح نفسه بديلا عنها ،علما بأن الغرب يحرص على أن ينحصر مفهوم الإسلام في الإرهاب والعنف والتعصب لتنفير الشعوب منه . و لهذا يشكك الغرب في الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، ويروج لفكرة نهلها من مرجعية الجماعات الإرهابية التي تمارس العنف باسم الإسلام ، ويلح على أنه لا فرق بين الجماعات الإرهابية والأحزاب الإسلامية في المرجعية و الهدف وهو استعادة الخلافة الإسلامية . ولا يمكن أن يقبل الغرب العلماني عضوية تركيا في المنظومة الأوروبية وأمورها يدبرها حزب ذي مرجعية إسلامية لأن ذلك قد يكون سببا في انتشار ظاهرة الأحزاب الإسلامية في الدول الأوروبية خصوصا في ظل النظام الديمقراطي الذي يحتكم فيه إلى صناديق الاقتراع . ويخشى الغرب من اقتداء أحزاب ذات مرجعية إسلامية في الدول العربية بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي، الشيء الذي سيهدد مصالحه في تلك الدول التي تعتبر مصادر تزويده بما يشاء . ونعود إلى العلمانية المسخ في البلاد العربية والتي كانت تود أن ينجح الانقلاب العسكري في تركيا لتشمت بالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الوطن العربي على وجه التحديد خصوصا بعدما أفرزت ثورات الربيع العربي رهان الشعوب العربية على تلك الأحزاب لقطع الصلة بالفساد . ولقد أصيبت العلمانية العربية المسخ بذهول لفشل هذا الانقلاب أمام حماية الشعب التركي على اختلاف توجهاته السياسية لديمقراطيته التي يعتبر حزب العدالة والتنمية من صناعها ومن المدافعين عنها والملتزمين بها . و انطلقت تعليقات العلمانيين المسخ على فشل الانقلاب ،وقد قفزوا على فضيحة الانقلاب قفزا للحديث عما بعد الانقلاب، وخاضوا في موضوع التخويف من حزب العدالة والتنمية التركي، ومن انتقامه وتسلطه المرتقب ضد خصومه ... إلى غير ذلك من الافتراءات التي تعكس حقدهم الأسود على هذا الحزب لأنه يرفع الإسلام شعارا . ومما نشر على مواقع الشبكة العنكبوتية مقال لأحد العلمانيين من الدرجة الثالثة ،ولكنه يركب غروره، ويرى نفسه محللا سياسيا إلى درجة قوله : " قبل أن أبسط رأيي في الانقلاب " وكأن لرأيه ثقل ووزن يمكنهما قلب موازين الأمور . ويتضمن المقال تحاملا على حزب العدالة والتنمية التركي، وعلى الرئيس أردوغان واتهامه بمساندة عصابات داعش الإجرامية ،والتعامل معها اقتصاديا عن طريق اقتناء البترول الذي تهربه من سوريا والعراق . ويفهم من كلام صاحب المقال أن هذا البترول المهرب هو السر في ما تعرفه تركيا من نمو اقتصادي . ويزعم صاحب المقال أن المخابرات الروسية هي التي نبهت الرئيس أردوغان للانقلاب ،وكأن صاحب المقال قد اخترق المخابرات الروسية وحصل منها على تلك المعلومة . ولا يستغرب منه ذلك لأنه كان أول من اتهم حزب النهضة التونسي بقتل النقابي العلماني بلعيد قبل أن تباشر مصالح الأمن التونسية تحقيقها لأن علماني الدرجة الثالثة يتوفر مسبقا على الاتهامات بل الأراجيف المسبوقة والمقدودة ضد كل من له علاقة بالتوجه الإسلامي ، وهي أراجيف على شاكلة أراجيف المنافقين زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم تفت هذا العلماني الحاقد فرصة التعريض بحزب العدالة والتنمية المغربي حيث اتهمه بأنه حاول الاستفادة من ريع فشل الانقلاب الفاشل في تركيا والمغرب على أبواب انتخابات تشريعية في شهر أكتوبر القادم . ومعلوم أن مثل هذا الكلام يدخل ضمن الحملة الانتخابية المغرضة قبل الأوان والتي يخوضها خصوم حزب العدالة والتنمية المغربي وعلى رأسهم بطبيعة الحال العلمانيون ،وهم أشد حقدا عليه من غيرهم ،و يتواصل نقدهم له منذ أول يوم فاز فيه بالانتخابات السابقة وله ينسبون كل فشل أو خلل مما لا يصح ومما يلفق تلفيقا وإن كان الخلل موجودا قبل إمساك هذا الحزب بزمام الأمور كما هو الشأن بالنسبة لإفلاس صندوق التقاعد على سبيل المثال لا الحصر حيث يتم السكوت على المسؤولين عن إفلاسه في حين تكال التهم لمن يريد معالجة هذا الإفلاس، وليس أمامه من حل سوى ما يجعل خصومهم يستبيحون سمعتهم بالإرجاف والتلفيق . ويؤنب الشعب المغربي على هذا الحزب بشكل مكشوف ،ويصور على أنه سبب كل مشاكله بعيدا عن كل موضوعية ، وباستهداف واضح وضوح الشمس . ومما تعيبه العلمانية المسخ في الوطن العربي على أصحاب التوجه الإسلامي سواء كانوا جماعات وأحزابا وتنظيمات وحتى أفرادا هو التعاطف مع قضايا إسلامية عادلة من قبيل التعاطف مع الشرعية المصرية ضد الانقلاب العسكري على الديمقراطية والإطاحة بالرئيس الشرعي محمد مرسي ، ومن قبيل التعاطف مع مشروعية حزب العدالة والتنمية التركي ضد الانقلاب العسكري الفاشل ، ذلك أن العلمانية المسخ عندنا تريد أن تصدر وتسوق حقدها الأسود على كل ما له علاقة بالإسلام وتشوهه تشويها . إن هدف هذه العلمانية المكشوف هو تصوير الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على أنها تشكل خطورة على الديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن والسلام في العالم ، وهي فكرة تلقفتها من العلمانية الغربية التي يعيث من يتبجحون بالديمقراطية فسادا في الأرض ،وقد استباحوا الأرواح والدماء والأعراض والأموال العربية والإسلامية ،ولم يعد أرخص من دماء العرب والمسلمين في العالم. و يتوقع من العلمانية المسخ في البلاد العربية تحديدا أن تبذل قصارى جهودها لتحويل فشل الانقلاب العسكري في تركيا إلى نصر ، وتصور الذين داسوا المدنيين الأبرياء بالدبابات وقصفوهم بالطائرات ضحايا بينما تصور الذين يريدون معاقبتهم على جرائمهم جلادين ،لأن الديمقراطية بالمفهوم العلماني ألا يعاقب من يقتل الأبرياء لأن الأبرياء لا حقوق لهم في حين حقوق القتلة تضمنها الديمقراطية بهذا المفهوم . ومن الغريب أن تلاحق الدول الغربية المتبجحة بالديمقراطية من تتهمهم بالاعتداء عليها حيثما وجدوا دون مراعاة لسيادة بلدان العالم التي يوجدون فيها لكنها تحاسب غيرها حين يعاقب من يعتدي عليه بذريعة احترام مبادىء الديمقراطية .وحقوق الإنسان والدول الغربية تصفي من يعتدي عليها ولا تمسك به حيا أبدا ولكنها تملأ الدنيا ضجيجا حين يحاكم غيرها من يعتدي عليه ،إنها ازدواجية الكيل الغربي المطفف الذي يستوفي الميزان حين يتعلق الأمر به ،ويخسر الوزن حين يتعلق الأمر بغيره . وحتمية التاريخ أنه سيسجل المواقف المخزية للعلمانية المسخ التي يعميها الحقد الأسود على كل ما له علاقة بدين الإسلام .
وسوم: العدد 678