ثقافة السرير

فائز سالم بن عمرو

[email protected]

 يعيش الوطن العربي الذي سمِّى يوما مهد الحضارات والأديان في غابة من الألغام والافخاخ السياسية والمجتمعية والدينية والمذهبية ، كلها قابلة لتفجير المجتمع وتقسيمه إلى فئات تدخل النار ، وأخرى تحجز خطا سريعا للجنة . العلاقة بين الحاكم والمحكوم بين المواطن والوطن بين الجسد والروح بين الثقافة والتعاسة ما زلت غائبة وتحكمها تفسيرات ونظريات غيبية ومفاهيم أبوية أسرية سلالية .

 كل الأمور في أوطاننا قابلة للخلاف لتصير حياتنا معارك وأزمات وثورات بين طغاة وأتقياء ، ما عدا ثقافة السرير ومتعة الجسد واستعادة ليالي وأيام شهريار العربي الشرقي التي تشهد إجماعا منقطع النظير في إعادة الجاهلية الأولى ، واستنبات عصر الحريم وثقافة الفيد والسبايا والرق ، وان كانت هناك اختلافات فقهية مفادها : هل يطأ الرجل السرير بيمناه أو ييسراه ؟! ، لكن هذا الخلاف الفقهي لا يصلح لإفساد الإجماع الفقهي حول تقديس ثقافة السرير والجسد .

 تلك النفوس المظلمة الفاقدة للجمال والاستقرار الداخلي تنضح بنظرتها السوداوية ، وتختزل الجمال والتنوع والتعدد الذي يحوي الكون بنظرات ضيقة متشككة قائمة على قاعدة درء المفاسد والإغلاق والتحريم والمنع ، وينال المرأة وجسدها وكيانها النصيب الأكبر من ذلك الشتات الفكري والثقافي الأسود ، فما هي إلا وعاء ومصب تستقبل شهوات الآخرين ، ويترك الشيطان عمله واشتغالاته إذا رآها ويلزمها ليغوي المؤمنين من الرجال والأطفال ، فصوتها عوره واسمها عوره وحياتها عوره وموتها فوز ونجاح " القبر خير صهر " . صلاة الرجل يقطعها الحمير والدواب والمرأة ، وعقلها ناقص ، ودينها منقوض ، وعطرها طريقا للفتنة .

 المرأة عندهم مخلوق جميل يعيش وينتعش في السرير ، فلا فكر لها ولا رأي ، إلا في ظل ذلك الذكر المسيطرة الذي يمنعها من السفر ويعضلها من حقوقها ، وإذا تجاوزت قوانينه الصارمة له الحق في ضربها وجرها بشعرها وممارسة العنف المقدس معها . تلك التفسيرات السلفية الفقهية الميتة والمحنطة تنكر الخير في دنيانا ومجتمعاتنا وعصرنا الجاهلي ، فالخير والأفضلية الدينية والدنيوية تبخرت ورحلت مع الرعيل الأول من السلف الصالح الذي يجب رد كل شيء في أمور الدنيا والدين والحياة إلى ذلك الزمن الجميل المثالي الخالي من الأمراض والأدناس البشرية ، وتتعامل مدرسة الظلام مع جاهلية القرن الواحد والعشرين بعقلية الصح والخطأ ، الحلال والحرام ، والعيب والنخوة ، فالناس صنفين : أهل فوق المتنفذين وآخرين مداسين عليهم الصبر والرضاء بالقضاء والقدر .

 شيماء جمال فتاة يمنية ضحية تلك المدرسة السلفية الفقهية المتربعة على رقاب بنات حوى ، فسريعا ما نصبت المشانق وأقيمت المقاصل وأصدرت الفتاوى والإحكام بالفسق والفجور وتكدير السلم المجتمعي والديني ، ذنب تلك الضحية اليمنية أنها أنثى وامرأة صرخت حين امتدت لها عادات المجتمع وقيمه العائلية والقبلية لتذبحها وتحل جسدها وأنفاسها البشرية لتتحول إلى تجارة تنهش إنسانيتها وأدميتها ، لم تكفر شيماء ولم تحرم ما أحل الله حين طرحت غطاء رأسها لينظر المجتمع إلى روحها وفكرها ويحكم عليها بعقلها وفكرها وليس للباسها وخمارها ؟! .