لا نصر ولا انتصار للثورة السورية.. إلا في دمشق..
التاريخ أصدق أنباءاً.. فيما حوت صفحاته من ذخائر ونفائس عن الثورات.. والإنقلابات العسكرية التي حصلت على الكرة الأرضية من مئات السنين...
والذي لا يقرأ التاريخ... ولا يأخذ منه العبرة... ولا يستفيد من تجارب الشعوب... والأمم...
فهو أحمق... جاهل.. وسيبقى يتعثر.. ويتخبط في مسيره أبد الآبدين.. حتى يعود إلى التاريخ.. فيستضيء بنوره.. ويسترشد بحوادثه..
لأنه هو المعلم.. والمرشد.. والمنارة التي تضيء سبيل السالكين..
وقد دعانا القرآن في عدد من آياته.. إلى النظر في حال الأقوام السابقة.. وأخذ العبرة منها..
فقال:
( أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡۖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ أَمۡثَٰلُهَا ).
فلو نظرنا إلى الثورة الفرنسية مثلاً.. التي حصلت في 14/7/1789 ضد الملكية الفاسدة...
نجد أنها حصلت في العاصمة باريس.. وليست في نيس أو مرسيليا.. وهجم الثوار على سجن الباستيل وحطموه في باريس..
وكذلك الثورة الإيرانية الخمينية في أوائل سنة 1979 ضد الشاه.. حصلت في طهران.. وأسقطوا الشاه ونفوه خارج البلاد..
وعلى نفس المنوال حصلت الثورة الرومانية في 16/12/1989 ضد تشاوسيسكو في العاصمة بوخارست وقُتل هو وزوجته..
وأما الإنقلابات العسكرية التي حصلت في سورية.. بدءاً من أول إنقلاب بعد الإستقلال.. والذي حصل في 30/3/1949 بقيادة حسني الزعيم.. إلى آخر إنقلاب في 16/11/1970 بقيادة الهالك حافظ الأسد .. كلها تمت في العاصمة دمشق .. ونجحت في العاصمة دمشق...
إذن ما يحصل من ثورة في سورية منذ خمس سنوات.. بعيداً عن العاصمة.. سواء في الشمال أو الجنوب.. هو مخالف لمسار التاريخ البشري.. ومعاكس للسنن الكونية.. التي تقتصي بأن تبدأ الثورة.. أو الإنقلاب.. أو التغيير من قلب العاصمة.. التي فيها مركز السلطة..
وطالما بقي مركز السلطة آمناً.. مطمئناً.. سليماً.. معافىً في بدنه.. ولديه كل القوة العسكرية.. والسياسية التي تحميه من السقوط.. ومن هجوم الثوار عليه..
فستُعتبر الثورة فاشلة.. مهما أظهرت من انتصارات هنا.. أو هناك.. وأوقعت خسائر كبيرة في المعدات العسكرية.. وفي جنود النظام وأعوانه.. فلن يكون لها أي تأثير.. إلا خدوش.. أو جروح بسيطة.. تلتئم سريعاً..
إن استمرار المعارك خارج العاصمة.. سواء كان قريباً منها.. أو بعيداً عنها..
خطأ عسكري.. واستراتيجي.. وسياسي.. وميداني.. واستنزاف لطاقة الثوار.. وإمكانياتهم المحدودة.. وخسارة بشرية مستمرة للمقاتلين.. والمدنيين.. وتدمير للبلد.. وتفريغه من أهله..
ولن تستطيع بأي شكل من الأشكال.. من إسقاط النظام.. وتحقيق أي نصر عليه.. خاصة وأن قوى الأرض كلها.. تمده بالقوة العسكرية.. والبشرية.. وتهاجم الثوار.. والمدنيين.. وتقتل منهم العشرات يومياً.. وتدمر بيوتهم..
وقد يعترض أحدهم ويقول:
كيف الوصول إلى دمشق.. وحولها حواجز.. وخطوط دفاعية رهيبة.. وكثيرة؟؟؟
الجواب:
إذن كيف بدأت منذ أيام معركة ( قادسية الجنوب ) في القنطيرة.. وكيف وصل إليها الثوار؟؟؟
والخبراء العسكريون.. وأبناء البلد.. قادرون على اختيار الطرق المناسبة.. للإلتحام مع ثوار معركة ( قادسية الجنوب ).. والإنطلاق بأجمعهم.. بما فيه جيش الإسلام.. وبقية الفصائل المتواجدة في القلمون.. وغيرها.. والإنقضاض على دمشق من جميع أبوابها.. والتشابك.. والمواجهة الفعلية مع جنود الأسد.. واعوانهم.. لمنع استخدام الطيران..
كما أن جزء من جيش الإسلام.. الذي نشأ في الغوطة.. متواجد في الشمال.. ومناطق عديدة في سورية.. فكيف تمكن من الخروج من الغوطة؟؟؟
وكيف استطاع زهران علوش.. أن يخرج من الغوطة.. ويأتي إلى تركيا للتشاور قبل أن يقتلوه؟؟؟
على كل حال.. الوصول إلى دمشق ليست عملية مستحيلة.. والثوار لا يعجزهم – إذا أرادوا.. وصمموا.. وعزموا – أن يدخلوها..
المهم يجب أن يعرف الجميع:
أننا الآن على مفترق طرق:
الطريق الأول:
أن تتوجه جميع الفصائل دون استثناء إلى دمشق.. واقتحامها من جميع الجهات.. وبكثافة نيرانية كبيرة.. مع اشتباك.. والتحام مباشر مع جنود الأسد.. حتى ولو اقتضى الأمر.. القيام بحرب شوارع.. وبالسلاح الأبيض..
وإن لم يتم هذا الأمر بالسرعة المطلوبة.. فتقوم الفصائل بمحاصرة دمشق.. وفك الحصار عن الغوطة.. وبذلك ينقلب الأمر.. فيصبح المحاصِر.. محَاصَراً.. والمحَاصَر.. محَاصِراً..
الطريق الثاني:
أن تتوجه كل الفصائل بأجمعها.. نحو المطارات العسكرية.. لتحريرها.. والسيطرة عليها.. والبدء بأهم المطارات التي تنطلق منها أكثر الطائرات دموية.. ووحشية...
الطريق الثالث:
بقاء الفصائل في أماكنها كما هي.. تناوش النظام يومياً.. فتقتل منه عشرة عناصر تزيد أو تنقص.. وهو كذلك.. يقتل منها ما يستطيع.. وتستمر الطائرات في إلقاء حممها.. وبراميلها على المدنيين.. وتستمر المجازر.. والمآسي إلى ما شاء الله.
الطريق الرابع:
إلقاء السلاح.. والرجوع إلى حضن الأسد الدافىء.. وإعلان موت الثورة.. وهذا هو الحل السياسي الذي تدعو إليه أمريكا.. وصواحبها..
ما أظن أن هناك طرقاً أخرى غيرها..
وبمناقشة هذه الطرق الأربعة بموضوعية.. وعلمية.. وعسكرية.. وميدانية..
نجد أن:
الطريق الأول هو الأفضل.. والأحسن.. ويختصر الطريق.. ويحقق هدف الثورة بإذن الله..
إلا أنه قد يكلف جهداً أكبر.. ودماءاً أكثر.. وضحايا بالآلاف....
الطريق الثاني يمكن أن يكون الخيار الثاني.. إذا وجد الخبراء العسكريون.. استحالة تنفيذ الطريق الأول..
أما الطريق الثالث فالإستمرار فيه عمل عبثي.. وجنوني.. ومحرقة.. ومهلكة للعباد.. والحرث والنسل.. ولن يحقق النصر نهائياً..
وقد يعترض بعضهم بشدة.. وبغضبة مضرية قائلاً:
وهل أنت الذي تملك النصر.. حتى تنفي حصولة؟؟؟
وهل أعطاك الله عهداً بهذا؟؟؟
كلا..ثم كلا.. لا هذا.. ولا ذاك..
ولكني:
تعلمت من الله الجليل.. أن له سنناً كونية ثابتة:
(وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِيلًا ) (سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا ).
من سنة الله الثابتة:
أن أي كائن حي.. لا يموت سريعاً.. وحالاً إلا إذا قطع رأسه..
ويمكن أن يبق حياً.. ولو قطعت جميع أطرافه..
ورأس النظام في دمشق..
فإذا أردت أن تقض عليه.. فيجب دخول دمشق.. وقطع رأسه..
ولكن مع ذلك:
قد يأذن الله بالنصر.. عن طريق آخر: قد يكون إنقلاباً من جند الأسد.. أو يحصل خلاف جذري وشديد بين الداعمين له.. فيقتلونه مثلاً..
وفي هذه الحالة.. لن يكون للثوار أي فضل.. وأي أجر في تحقيق النصر..
وهذه تسمى ( معجزة خارقة ).. قد تحصل في أي لحظة.. وقد لا تحصل البتة.. فلا يجوز التعويل عليها..
أما الطريق الرابع فبالرغم من كراهتي له.. ورفضي القاطع له.. وهو مر.. علقم.. لا يسيغه أي مخلوق .. ويرفضه كل الثوار..
إلا أنه إذا لم يبق خيار إلا الثالث والرابع.. فأظن – والله أعلم – أن الأخير قد يكون أقل ضرراً.. لأن أمريكا وصويحباتها.. مصرون على الإستمرار في تدمير سورية بشكل كامل.. وهذه تصريحات مدام كلينتون – كما تنقلها وسائل الإعلام -...
وبالنسبة لي: فلا أجد خياراً إلا الأول أو الثاني فقط...
والذي لا يسير في أحدهما.. فهو جاهل.. مغفل.. ومشارك في قتل شعبه.. وتدمير بلده.
لأن الثالث والرابع لن يحققا أي انتصار.. ولو بقيت الحرب ألف عام....
هل تفهمون.. وهل تعقلون.. يا ثوار؟؟؟
وسوم: العدد 685