من أجل خطة لحماية إدلب

رسالة إلى الائتلاف

برهان غليون

أيها الأخوة

حصلت في الايام الأخيرة أحداث كبيرة، منها انعقاد مؤتمر القمة العربي الذي دعم التحالف العربي لوقف الزحف الايراني في اليمن، وأقر تشكيل قوة تدخل عربي مشتركة، كما تم انعقاد العديد من الاجتماعات الدولية والعربية لأصدقاء سورية وغيرهم حول القضية السورية، وزادت الاتصالات مع أطراف المعارضة لإطلاق مبادرات جديدة من قبل بعض العواصم العربية والدولية، وكان من المتوقع والمطلوب أن تثير هذه الأحداث تحركات سريعة ومشاورات واسعة بين جميع القوى المعنية بمصير الثورة السورية وداخل مؤسساتها.

لكن يشكل تحرير إدلب منذ أيام قليلة الامتحان الاكبر للمعارضة السورية المسلحة والسياسية، وربما كان جوابها في هذا الامتحان هو الذي يحدد في الأشهر القريبة وجودها نفسه، وليس فقط دورها ودرجة الاعتراف بها وشعبيتها. وهو فرصتها الوحيدة لاستعادة الثقة في الداخل والخارج، وعليه تتوقف أيضا درجة الدعم العربي والأجنبي في المرحلة القادمة الحساسة. وجوهر التحدي الذي يمثله تحرير ادلب، بعد حفظ النظام والأمن والقانون فيها، هو النجاح في الدفاع عن المدينة وشعبها ضد نظام الارهاب، وإجهاض خطته المعروفة التي حرص على تطبيقها منذ بداية الثورة، وهي الرد على تحرر السوريين وخروج المدن من تحت سيطرته بحرب الإبادة الجماعية والتدمير وتشريد الاهالي وتجويعهم وإذلالهم. وقد بدأ منذ اليوم بتدمير المؤسسات العامة وفي مقدمها المشفى الوطني ومقر الهلال الاحمر. وربما سيعمد كما فعل في حلب وغيرها إلى حرمانها من كل الخدمات العامة.

منذ الآن مسؤولية حماية إدلب شعبا ومدينة تقع على المعارضة التي حررتها.  وعلى المعارضة أن تظهر، بهذه المناسبة، لشعبها وخصومها معا، أن تحرير أي مدينة في سورية، وانتزاعها من بين انياب النظام المتوحش، لا يعني حتما الحكم عليها بالدمار وعلى شعبها بالتهجير والتشريد. فإذا فشلت المعارضة في ذلك، وأظهرت انها غير قادرة على حماية انتصاراتها، لم يبق للتحرير نفسه معنى. 

يستدعي هذا التحرك بسرعة على محاور عدة :

الأول إعلامي يهدف إلى تثبيت حضور المعارضة في هذه اللحظة المصيرية، والتزامها تجاه اهالي ادلب والسوريين عموما،  وإعلان استعدادها لتقديم كل المساعدات اللازمة للحفاظ على حياة السكان وحقوقهم، وكذلك وضع العالم والمؤسسات الدولية أمام مسؤولياتها حتى لا تتكرر التجارب الأخرى. ومن الضروري بهذه المناسبة توجيه الدعوة لمنظمات حقوق الانسان ووكالات الانباء والصحافة الدولية لزيارة ادلب، وتشكيل شبكة حماية للمدينة من الناشطين الأجانب المتواجدين، وتحويل هذا الحدث الكبير إلى منطلق لحملة إعلامية واسعة تعيد الاعتبار لقضية الثورة والتعريف على أوسع نطاق بمعاناة السوريين، وفي المناسبة ذاتها إصلاح إعلام الإئتلاف ودعوة إعلام الثورة الجديد للتعاون في إرسال الرسائل المطلوب توجيهها في هذه المرحلة إلى السوريين والعالم.

والثاني سياسي، يهدف إلى العمل بأسرع وقت على اجتماع قيادات قوى الثورة والمعارضة، السياسية والمسلحة، لمناقشة خطة سياسية وعسكرية مدروسة للتحرك على جميع المستويات، تشترك في صوغها القيادتان العسكرية والسياسية معا، محورها تجنيب إدلب الدمار والتهجير والتشريد. إن النجاح في التوصل إلى مثل هذه الخطة لا يمثل مساهمة كبيرة في تحديد مصير إدلب وإنما سيشكل دافعا كبيرا لتقدم مسيرة التحرير على كل التراب الوطني، بعد ان يتحول إلى نموذج لإدارة المدن المحررة،  يمكن احتذاؤه في جميع المناطق الأخرى، وسوف يشجع السوريين جميعا، بما في ذلك المترددين، على الانحياز للثورة، بعد أن يئسوا من قدرة نظام الأسد على إخراجهم من هول الحرب المستمرة. ولا أعتقد أن مثل هذه الخطة قد نوقشت في أي مكان بعد.

والثالث استراتيجي يهدف إلى حل المعضلة الكبرى التي لا تزال تضعف قوى الثورة وتأكلها من الداخل، وهي الشكوك التي يثيرها الكثيرون في الداخل والخارج حول العلاقة بين القوى الجهادية والقوى الوطنية، والتي تجعل المستقبل يبدو غامضا أمام أي تقدم على الارض وفي مجال التحرير. ليس من الممكن، ولا من المطلوب، لا اليوم ولا غدا، تغيير اعتقادات الناس السياسية أو تبديلها أو التسوية بينها. المطلوب تعيين المصالح المشتركة التي تجمع بين القوى في مرحلة معينة والبناء عليها. وكما أمكن التفاهم بين المقاتلين الذين خاضوا معركة تحرير ادلب على خطة لتحرير المدينة، سيكون من الممكن التوصل أيضا على صيغة متفق عليها لصيانة هذا النصر، والتعاون على حماية المدن والقرى المحررة، وتجنب الفوضى والانقسام والاقتتال. ولا أعتقد أن القوى التي قدمت عشرات الشهداء لتحرير ادلب تفتقر إلى الحنكة والرشد اللازمين للتوصل إلى صيغة تضمن حماية المدينة من الفوضى إذا بذل فيها ما ينبغي من الجهد السياسي والدبلوماسي والفكري، وساهمت فيها شخصيات فاعلة، وتم التواصل مع الدول الداعمة لها.

والرابع عسكري، يهدف إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية والممكنة، العسكرية والسياسية، وربما بالتفاهم مع بعض الدول الصديقة، لردع النظام عن الشروع في عمليات تدميره البربرية. وقد يكون من الضروري منذ البداية بقاء المقاتلين في محيط المدينة للدفاع عنها، وتسليم إدارتها إلى مجلس محافظة مدني تحت إشراف محافظ تعينه القيادة، وترك الأمن الداخلي فيها لقوات الشرطة بعد تغيير قياداتها، وربما، لماذا لا، التعجيل في نقل مقرات الحكومة المؤقتة والمعارضة الخارجية إليها، والانطلاق منها للتواصل مع الجبهة الجنوبية في حوران والقنيطرة إلى أن يتم تحرير كامل التراب السوري.

يستدعي هذا الاعداد بأسرع وقت لاجتماع يضم قادة المعارضة السياسية والعسكرية معا، يدرس التحديات ويشخص الصعوبات ويقدم الحلول. وهذا هو السبيل الوحيد للخروج من حالة التشتت وغياب الخطط البعيدة والرؤية الشاملة والخطة العملية المشتركة للتحرير أو لدفع النظام إلى التسليم بهزيمته وبحتمية الانتقال السياسي. وهو السبيل أيضا كي لا نسمح لنظام الجريمة والإبادة الجماعية والانتقام أن يحول كل شبر من الأرض السورية التي يحررها المقاتلون بدمائهم إلى مناسبة لقتل المزيد من السوريين ومثال للخراب والدمار والتشرد والبؤس.