خدعوها بالمبالغة في الحديث عن حقوقها دون أدنى إشارة إلى ما عليها من واجبات في يوم عيدها
تابعت كثيرا مما كتب عن المرأة عندنا بمناسبة ما يسمى عيد المرأة الذي يصادف الثامن من مارس، فوجدت مبالغة في الحديث عن حقوقها ، ولم أجد فيما كتب أدنى إشارة إلى ما عليها من واجبات ،علما بأن الحديث عن الحقوق يقتضي تناول الواجبات إذ لا يعرف الإنسان حقوقه التي يطالب بها إلا إذا عرف ما عليه من واجبات . والمنطق يقتضي أن يطالب صاحب الحق بحقه بما يقابل ما قدمه من واجب . فعلى سبيل المثال يطالب الموظف أو العامل أو المستخدم أو غيرهم بأجر يقابل ما قاموا به من عمل أو بذلوه من جهد. ولا يجب أن يفهم من كلامي أنني أشكك في الحديث عن حقوق المرأة التي تثار كلما حل موعد الثامن من شهر مارس، بل أنكر مخادعتها من خلال المبالغة في المطالبة بحقوقها دون أدنى إشارة إلى ما عليها من واجبات . وإذا كان الشاعر قد قال : " خدعوها بقولهم حسناء " فأنا أقول : خدعوها بالمبالغة في الحديث عن حقوقها مع تغييب كامل للحديث عن الواجبات . وإذا كان الشاعر قد قال بعد ذلك : " والغواني يغرهن الثناء " فأنا أقول : ليست النساء سواء في الانخداع، ذلك أن من النساء من تميز بين من يحاول مخادعتها بزخرف القول وبين من يصدقها القول. ولا يوجد أصدق من قول الله تعالى فيها ، فهو خالقها العليم بطبيعتها . وعندما نعود إلى كتاب الله عز وجل نجد أنه على لمرأة المؤمنة واجبات تخولها حقوقا على قدر ما عليها من واجبات ، ذلك أن حقوقها على خالقها سبحانه وتعالى مرتبطة بما عليها من واجبات أوجبها عليها . وعلى غرار ذلك تأتي حقوقها على الخلق على قدر ما عليها من واجبات تجاههم . فمن حق المرأة أن تفوز بالجنة وهو حق أخروي لا يضاهيه حق من حقوق الدنيا إذا ما أطاعت خالقها فيما أمر وما نهى . ومن حقها في الدنيا أن تصان كرامتها مهما كانت وضعيتها بنتا أو زوجتا أو أما أو جدة أو أختا ... وما إلى ذلك من أنواع الصلة والقرابة إذا ما التزمت بما عليها من واجبات في مختلف الوضعيات التي تمر بها عبر حياتها ، فالمرأة على سبيل المثال وهي بنت لها الحق في تربية سوية قوامها النهل من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،و الحق في عيش كريم يصون كرامتها ، وفي المقابل عليها واجب احترام التربية الإسلامية التي خضعت لها، فلا تخيب أمل والديها فيها ، و لا تمرغ كرامتهما في الوحل، فيصيرا أضحوكة بين الناس بسبب تهورها ووضع نفسها في مواقف مريبة أو مهينة . إن بعض الآباء يحرصون أشد الحرص على صيانة بناتهن بالتربية الإسلامية الصحيحة تدينا وعفافا منذ نعومة أظفارهن حتى يكبرن لكنهن ينتقلن من صدق التدين إلى التظاهر به لخداع الآباء، فترى بعضهن وهن عازبات في خلوات بأماكن مشبوهة ...لا يحسن أن يكن فيها مع غير محارمهن، وهو ما لا يرضاه الآباء . وكيف تكون نفسية أب حرص على تربية ابنته أشد الحرص ،ورعاها حق الرعاية حين يفاجأ يوما ما بوجودها مع إنسان غريب عنها في زاوية من زوايا مقهى من المقاهي أو حديقة عمومية أو مكان مثيرة للشبهة ؟ فعلى الذين يدافعون عن حق الفتاة في سلوك كهذا باعتباره حقا من حقوقها كما يعتقدون أو يدعون أن يستحضروا حق الأب الذي أدى واجب التربية والصيانة . وعلى كل من تسول له نفسه من الشباب أن يختلي ببنات الغير في المقاهي والمنتزهات وغيرها أن يستحضر حين يفعل ذلك أخواته ، وليكن صادقا مع نفسه إذا سئل هل ترضى لهن ذلك ؟ ولقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الحال عندما جاءه شاب يطلب منه رخصة لممارسة الزنى، فنبهه عليه الصلاة والسلام إلى أنه كما يشق عليه أن يمارس غيره الزنى في قريباته ، فإن غيره يشق عليه ذلك أيضا . وقياسا على هذا كما يرفض الإنسان أن يختلي أو يجالس غيره قريباته فإن غيره يرفض ذلك أيضا . وإذا كان للزوجة حقوق على زوجها حددها الخالق جل وعلا قبل أن يحددها المخلوق، فإن مقابل كل حق يلزمها واجب ، وتبدو الحياة الزوجية في دين الله عز وجل عبارة صفقة من حقوق وواجبات بين الأزواج والزوجات ، ويكون الأخذ فيها على قدر العطاء . ونقول للذين يبالغون في الحديث عن حقوق الزوجات والمطالبة بها ،هل أنتم على يقين تام من أن مقابل هذه الحقوق التي تطالبون بها تؤدي الزوجات ما عليهن من واجبات كما يجب ؟ ومعلوم أنه حين يندلع الخلاف في بيت الزوجية يتعلق الأمر دائما باختلالات بين الحقوق والواجبات حيث يحاول كل طرف تبرير الإخلال بما عليه من واجبات مع التشبث بما له من حقوق في المقابل . ولا نريد الخوض في أمثلة من الواقع المعيش فهي كثيرة جدا ، ولا يخلو بيت زوجية منها يوميا دون مبالغة . وفي الغالب ما يلعب دور نكران الذات من أحد الطرفين دورا في استتباب الأمن ببيت الزوجية وإلا لو طالب كل طرف بحق مقابل واجب لما استقر أمر هذا البيت أبدا ، وهنا تصدق المقولة المغربية : " اللهم اجعل الغفلة بين البائع والمشتري " وهي مقولة فيها حيف إلا أن ما يجعل بيوت الزوجية مستقرة نسبيا هو هذا النوع من الغفلة أو لنقل التغافل بتعبير أدق . وقد ينكشف في حال النزاعات التي تكون في بيت الزوجية أن التفريط في الواجبات هو الذي يكون في الغالب سببا في ضياع الحقوق . وما يقال عن واجبات المراة بنتا وزوجة ينطبق على المرأة أما أيضا ، والتي قد يندفع كثير من الناس بسبب الوازع الديني في المبالغة حين يطالبون بحقوقها دونما التفات لما عليها من واجبات الأمومة التي بسببها خولها الله عز وجل تلك الحقوق وهي حقوق لا ترقى لمثلها حقوق بالنسبة للنساء . فالحمل كرها والوضع كرها والإرضاع والرعاية وغيرها ... كلها واجبات أوجبها الله عز وجل عليها، لهذا كان لها الحق أن تكون الجنة تحت قدميها، وأن تقترن عبادة الإحسان إليها بعبادة الخالق سبحانه تعظيما لحقها الذي هو في مستوى عظمة واجبها . فإذا ما أخلت المرأة بواجب الأمومة ، ولم تقم إلا بما يتجاوز إرادتها من حمل ووضع ، وهو ما عبر عنه الوحي بالكره ، وهو يشمل المعاناة ،كما قد يشمل أيضا كراهيته ورفضه حيث توجد من النساء من تحمل وتضع وهي كارهة لذلك. وعليه فإن الكره الذي يعزى الى المشقة غير الكره الذي مرده الكراهية والرفض . وعلى الأم التي قصرت في واجبها حملا ووضعا أو إرضاعا أو تربية وصيانة وحفظا أن تخجل من المطالبة بحقوق الأمومة . فالمجهضة على سبيل المثال بغير موجب شرعي ، والتي تؤذي جنينها بتعاطي المسكر والمفتر وتعرضه للتشوهات ، والتي تتخلى عن مولودها يوم يولد ، أو توكل تربيته وتنشئته إلى من لا يحسن ذلك ، والتي تؤثر حياتها الخاصة على واجب الأمومة ، والتي تستخف بهذا الواجب ... ليس من حقها أن تطالب بحقوق الأمومة لأن في شرع الله عز وجل لا تجزى نفس إلا ما كسبت . ولئن كفلت لمثل هذه النسوة حقوق الأمومة ،فإنما يكون ذلك تساهلا غير مقبول من المجتمع الذي تسود فيه غالبا القناعة بأن الأمهات كلهن على شاكلة واحدة في القيام بواجب الأمومة ، وهي قناعة تمليها العاطفة المندفعة الزائدة عن الحد ، والتي بموجبها تكون المبالغة في المطالبة بالحق دون الوفاء بالواجب . وخلاصة القول أنه لا يجب أن تنخدع المرأة عندنا كل سنة حين يحل الثامن من مارس بأقوال الذين يعددون لها حقوقها ، ويهدونها باقات الزهور وقنينات العطور والهدايا ، والشواهد التقديرية لاستمالتها نحو أفكار وتصورات لا ترقى إلى ما شرع الله عز وجل لها من حقوق تحصل عليها مقابل واجبات مفروضة عليها . ولن تجد المرأة في الشرائع الوضعية من الاحترام والتقدير والكرامة ما تجده في شرع الله عز وجل الذي لا يحابي ولا يجامل المجاملة الكاذب ، ولا يخادع لأنه دين الفطرة ودين الواقع ودين العدالة التي يحصل معها كل ذي حق على حقه كاملا غير منقوص مقابل واجب كامل غير منقوص كذلك . وبهذا الشرع يقوم العدل بين الناس في هذه الحياة . و معلوم أنه بمنطق الحقوق مقابل الواجبات تكون مساءلة ومحاسبة وجزاء الخلق بعد الرحيل عن الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى . وعلى كل امرأة كيسة عاقلة أن تحاسب نفسها قبل محاسبة غيرها لها أو محاسبتها غيرها ، وأن تضع حقوقها في كفة ميزان تقابلها كفة الواجبات وتعدلها ولا ترجح بها ،وأن تزن واجباتها وحقوقها بمثقال الذرة الذي يزن به الخالق جل في علاه ، وهو الذي يضع الموازين القسط ليوم القيامة ، فلا تظلم نفس شيئا.
وسوم: العدد 711